كلمة الإصلاح قبل أن تدخل في تفصيل العنوان تعلن أنها كتبته فقط للفت نظر القارئ الكريم أن ما سوف تكتبه لا علاقة له بالدخول في المناقشة التي تمت بين السيد الرئيس جميل منصور وأخيه الأستاذ محمدن بن الرباني في شأن ما أثارته الأخت السعداني من استقالة عندما ظهر اسمها ثالثا في اللائحة الوطنية لحزب تواصل.
فما نشره الرجلان المحترمان من معلومات واسعة ودقيقة وعميقة سبحت بها أقلامهم الفياضة في سماء المعرفة بجميع أنواعها وفاضت بها أفكارهم كذلك لتبين ما تخزنه ذاكرتهم من بحور علم لا سفينة تمخر في عبابها إلا بقيادتهم، تلك السفينة التي تمشي بهم رخاء حيث ما أرادوا ـ يمينا وشمالا فيما أنتجته الأفكار من علوم يحتاج لها دنيا وأخرى ــ هذه المناقشة لا علاقة لنا بها مباشرة بل إنني انتهز الفرصة فقط عندما بدأ فيها الرجلان يحلقان في رحلة سياحية داخل حدائق العلوم التي اكتسبوها بأفهام لا تخطئ الموضوع كما هو فقمت أنا أخالف إلى مكان صعود الرجلين إلى البحث عن أفانين الإسلام وغصونه الخضراء وما تحمل من ثمرات لا غنى عن الإطعام منها فدخلت مباشرة إلى حقيقة الإسلام في طبعته الأولى المبتدأة بقوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} والمختومة بقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} بمعنى أني عندما حلق الرجلان في المفاهيم العامة في الإسلام يبحثان عن أنواع الدلالة ومنافذ المقاصد الشرعية التي تغوص في الحياة الاجتماعية حيث ما وجدت مع مراعاة الزمان والمكان ــ فالأسلم للأعمى أن لا يتحرك في الموضوع عن مكان أصله لئلا يضيع في متاهات لا منارة لها إلا بالاجتهاد والاجتهاد الإنساني لا يأمن به من الضياع إلا صاحبه ولا شك أن الرجلين إن لم يحصلا على أجرين فالأجر الواحد سيكون لهما بإذن الله في الميزان بلا شك دون أن أزكي على الله أحد ولكن صدق النية والهدف هما الضامنان لذلك الأجر.
وقبل أن ندخل بكلمة الإصلاح في الموضوع أود أن أقول كلمة ملاحظة على حزب تواصل ربما يكون الرجلان تجاوزاها من مظان السبب المباشر لاستقالة الأخت سعداني، وأنا أكتبها ملاحظة أبوية من داخل الأسرة التي أود أن أثبتها للجميع حتى ولو كنت خرجت قريبا من مجلس الشورى عند تجديده بطلب مني سواء كان الخروج وقع صدفة عن مكان الرماية قبل وصولها طلبا لعدم الإزعاج "لا يهم" بل المهم إثبات النسب الأصلي الذي يحرم على المرأ نفيه عن نفسه.
فأنا لمعرفتي المبكرة أن الإنسان مدني بطبعه ــ وأن الإسلام طلب في نصه المقدس التعاون على البر والتقوى وأكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وبينه بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى يأتي وعد الله" أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فإني عندما بحثت عن تلك الطائفة فوق هذه الأرض ـ فلم أجد طائفة نضعها فوق الميزان الإسلامي ليكون البوصلة التي يهتدي بها إلى هذه الطائفة المعينة إلا تلك الطائفة ـ وذلك الحزب الذي سوف أعود لإظهار الأدلة على انفراده بتلك النسبية الطائفية.
فأقول إن الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز عندما أراد أن يعطى وصفا تعرف به أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال إنه كتب في التورية والإنجيل أن من وصفهم أنهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} ــ و مع ذلك يختصون بأن سيماهم في وجوههم من أثر السجود، سواء كان هذا الأثر حسيا أو معنويا كما قيل بكل ذلك ــ فإني أنا جلست عدة سنين وأنا أنظر في وجوه كل من انتسب لتلك الطائفة سواء في الرؤية المباشرة أو بالرؤية عن بعد مع الاصطحاب للنصوص الإسلامية المحكمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ساعة النظر فخلصت بدون تحيز إلى أن هذه هي الطائفة بشيوخها وشبابها ورجالها ونسائها فهم جميعا قلوبهم مع المسلمين أين ما كانوا يفرحون بفرحهم ويتأسفون عند أسفهم بغض النظر عن الجنس واللغة واللون والمكان فهم رحماء على الجميع ــ بعد ملاحظة ظهور خذلان أو خيانة بعض المجتمعات والأشخاص لهم ولا مانع أن يكون هذا الوصف يوجد في أفراد هذه الأمة الإسلامية في وجوهها أينما كانت وفي التراحم بين مكوناتها ولكن لا أرى ذلك يوجد في طائفة اجتماعية موحدة الأهداف صامدة تنتظر وعد الله لها أنها لا يضرها مضرة تمحقها في الدنيا أو يلحقها ضررها في الآخرة إلا هذه الطائفة.
وبهذه المعرفة الكاملة للطائفة يحق لنسب الأبوة منها أن يدلى بملاحظته على إدارتها التلقائية التي لا دخن للإدارة من ورائها، والملاحظة هي كما يلي:
أولا: حب الإدارة للغة الفرنسية فالترجمة لا يستـثني منها إلا النص القرآني عند الافتتاح به تارة مع عدم وجود أي أحد لا بد له من الترجمة بالرغم من أن تكون نسبة المحتاج للترجمة لا تصل إلى 1% ولو كان الجمع الآخر كثير وكثير جدا والخطاب طويل.
ثانيا: مراعاة الفئوية: وهنا بيت القصيد فكل تعيين أو تفكير في أي تمايز فلا بد أن يراعي فيه الفئوية وهذا ربما تجاوزه الرجلان في جعله السبب المباشر لرسالة الاستقالة لمعرفة المستقيلة أن هناك معاملة تقليدية عرفية في إدارة الحزب تقـتضي أن الفئوية أصبحت حقا مكتسبا يجب الوقوف عنده.
ثالثا: عدم الرجوع هنا إلى قاعدة الأوصاف التي وضعها الإسلام بغض النظر عن أصل المسلم وفرعه وفـئويته وشريحته.
رابعا: معلوم أن موريتانيا ليست بدعا في العالم الإسلامي والعالم العربي وما تخلفه مجتمعاتهم من عادات وتقاليد ومفاهيم ومسميات وتراتبية فئوية وهذا ليس عمل سلطة في موريتانيا لا سابقة ولا لاحقة ولا نتيجة قوانين سنت لذلك، فموريتانيا من أسمائها الأرض السائبة أشبه هي بحكم الغابة كما يقال، فالقوانين التي سنتها الدول للتمييز بين شعبها لم تشمل موريتانيا حتى يقال إنه كان هناك كثير من الظلم على الفئات يجب رفعه فصحيح أنه كان موجودا في موريتانيا كثير من الظلم ولا يزال بعضه موجودا ولكن من وضعه؟ فليست سلطة بعينها ولا قوانين صوتت عليها هيئة تشريعية بل نشأت عن تراكم اجتماعي صادر عن تفاعل عادات المجتمع وتقاليده ولن يذهب تلقائيا بسن القوانين إلا الضرر الظاهر منه وهو الاسترقاق لأنه كان مبنيا عن إباحة الإسلام له على العموم وبشروط لم تراع الشعوب الإسلامية تلك الشروط فاسترقت حسب قوتها وتقاليدها، وهذا يمكن إزالته وليس وحده الموجود في الشعوب الإسلامية من مخالفات للإسلام باسمه ولا يمكن تفصيلها الآن خوفا من التطويل أكثر.
وهنا أعود للملاحظة الثالثة على تواصل لأضيف إليها مراعاة الفئويات التي لا اعتبار لها في الإسلام فهم دائما ينددون بالعادات والغبن القديم الذي لا يتحمل أي أحد مسؤوليته، لا سلطة ولا قانون مكتوبا ولا شعبا بعينه، أما آثاره غير الرق فلا يمكن إزالته إلا بالصفة التي جاء بها فالفئوية والشرائح الخ لا يوجد هذا الاعتبار في الإسلام فالإسلام يقول {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} ويقول: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} ويقول: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشـد بعضه بعضا" ومعلوم أن لبنات البنيان متساوية وفي آخر حديث آخر أن "المؤمنين يسعى بذمتهم أدناهم".
ولا شك أن الموجود في تواصل من الفئويين ينطبق عليهم وصف القرآن للمؤمنين فيما يستطيع البشر أن يصل إليه من الاستقامة والتواد والتراحم بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
وهذه الأوصاف الإسلامية هي التي رتب عليها الإسلام التقدم في الإمامة وفي القضاء وفي الوكالة أي توكيل كان، كما أنه يدخل في توجيه الإسلام للمسلم حديث: "إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه وإلا تكن فتـنة في الأرض" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، والخطاب هنا لكل فرد مسلم سوف يلقى الله بمفرده.
وبعد هذه الملاحظات الأبوية الإسلامية النصحية أصل إلى الموضوع أعلاه الذي لا أضيف إليه إلا أن المحاصصة والعدالة الطبيعية الإسلامية تفرض عدم جعل أي محاصصة في حزب تواصل لأن الأولوية فيه أي في الإسلام الذي يعمل تواصل تحت أوامره وإحياء ما مات من توجيهاته هي الأوصاف التي وضعها الإسلام وهي القدرة على الأداء المعين فيه بإتقان ومعرفة أولا وكذلك الإخلاص والصدق والأمانة والتواضع إلى آخره، وهذا ولله الحمد موجود في جميع المنتسب لتواصل من جميع فئات الموريتانيين وشرائحهم.
فالعمل بمقتضى المحاصصة هو أكثر ظلم يلبس فيه الحق بالباطل حتى بين الذكور والإناث ما دام الجميع يعترف بأن أوصاف الله التي يزكي عليها المسلم متوفرة في الشخص المعين بغض النظر عن لونه وشريحته وفئويته الخ فمراعاة غير تلك الأوصاف بين المسلمين تصادف قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} الخ الآية.
فلو فرضنا ـ كما هو الواقع ـ أن عندنا آلاف من البشر غير محدود وعندنا وظائف محدودة مدرة للمادة وهذه الآلاف 10 منها من لون وكل لون فيه هذا القدر من الفـئوية مميزة لا يتجاوز عدده العشرة ونفس العدد سواء في الرجال أو النساء والجميع صالح لأداء العمل، أمن العدالة الإسلامية أن تأخذ كل سنة عددا من الآلاف والسنة الأخرى مثل ذلك من العشرة وهكذا دواليك.
وأخيرا فإني أتمنى لنفسي وللجميع أن نكون ممن تــتـلقاهم الملائكة بعد الاستقامة في حياتهم الإسلامية قائلة لهم عند دخول المحشر {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم}.