كلمة الإصلاح ترى أن المسلم الذي يستحق هذا الاسم بكامله هو المسلم الذي يدرك جيدا ويعمل طبقا لهذا الإدراك ــ أن كل ما جاء في القرآن وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس عبثا وأنه واقع إجباريا يجب على العاقل أن لا يتجاهله حتى يأتي وقت الجزاء عليه.
فالذي جاء في القرآن أقسم الله عليه أنه واقع لا محالة: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}
وعليه فإن ما ورد في القرآن من الخطاب أو تقرير المصير بناء على الخطاب الموجه تارة إلى الفرد وتارة إلى الجماعة موضوعه الإنسان ووقوعه في الدنيا كما نشاهده مثل وقوعه في الآخرة طبقا للخطاب به في الدنيا {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا} إشارة للحاضر المشاهد آنذاك، فمثلا فإن الله أورد خلق الإنسان وتطور ذلك الخلق من صلب الآباء وترائب الأمهات إلى رحم الأم ثم الموت بعد ذلك ـ وهذا شاهدناه كما هو وتيقـناه ولم يدع أي أحد فعله ثم قال الله بعد ذلك الموت المشاهد {ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} وأكد بعد ذلك سرعة هذا البعث {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير}.
ونفس الشيء فإن تطور الحياة في الإنسان نفسه ـ بيلوجيا شاهدناه ولا يمكن لأي كان أن يغيره لصالح ما يتمناه يقول تعالى {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من ضعف قوة} إلى قوله تعالى {وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} وآية هذا التدرج البيلوجي متبوع بآية أخرى تقطع آمال كل من له أمنية تتعلق بهذا التدرج البيلوجي يريد تحقيقها يقول تعالى {ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قـبل..} أي وقت من ريعان شبابه
هذه الحقائق القرآنية بجانبها حقائق أخرى من نفس المصدر ولكن هذه المرة تتعلق بنشاط الإنسان نفسه والإنسان لا يمكنه أن يقوم بأي نشاط إلا بلسانه ويطلق عليه القول وبجوارحه ويطلق عليه الفعل أو العمل أو يحبس هذا القول أو هذا الفعل عن الخروج إلى عالم الدنيا ويقال له الفكر بأنواع تطوره داخل القلب.
ومن هنا علينا نحن المسلمين خاصة أن نتـفكر ونتساءل هل نشاطنا في الدنيا من فكر وقول وفعل ستنتهي علاقتنا به عند ما ينفصل عنا بعد صدوره من مصدره المقرر له أصلا.
هذا السؤال طرحه صحابي على الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء تبلغيه لرسالته عندما كان يحذر من خطر الكلمة وهي تخرج من صاحبها فقال له أحد الصحابة: فهل نحن مؤاخذون بما تـنطق به ألستنا فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنـتهم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وبناء على ما تـقدم فنحن الآن مقبلون على كثير من القول والفعل والفكر في هذه الحملة وهذا الفكر والأقوال والأفعال ستصدر منا عفويا وعندنا معان سوف تسجل بها وهذه المعاني إما صدقا أو كذبا وهي إما مدحا أو ذما أو مبالغة في أحدهما: والجميع يحتاط به قوله تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ومعلوم في البلاغة العربية التي نزل بها القرآن أن النفي قبل الاستثناء في كلام العرب يقال له الحصر وقوله تعالى ـ ما ـ نافية لخروج أي لفظ من الإنسان دون كتابته من طرف الملكين ـ رقيب وعتيد وهذه الكتابة الجامعة المانعة جاءت بها آيات متفرقات في القرآن منها {إنا نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}.
أما المسؤولية عن الأفعال فيقول تعالى {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثـقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلى في كتاب مبين}.
فهناك صيغة حصر ولفظ نكرة التي تعم في قوله شأن وعمل والحصر في النفي والاستـثـناء أي نفي ترك أي شأن يكون فيه الشخص أو أي عمل لحصره في الكتاب الذي سوف يقال لصاحبه أمام الملأ {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} وسيصرخ هو ويقول بعد القراءة ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلى أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا.
أما الفكر فيقول فيه تعالى {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}
كل ما تقدم من الحقائق الواقعة لا محالة كان ينبغي على المؤمن ألا يتكلم أو يفعل أو يفكر إلا واستحضر هذه الآية حتى لا يعذب في الجميع بل يحاول أن يكون الجميع رحمة له كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليتكلم الكلمة من رضى الله ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها سبعين خريفا في جهنم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، الخ الحديث وهذا الحديث تبيانا لقوله تعالى {مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها} إلى آخر الآية {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتـثت من فوق الأرض ما لها من قرار}.
هذه الحقائق الواضحة كان ينبغي على كل مسلم أن يجعلها نصب عينيه ساعة القول أو الفعل ولكن إرادة الله شاءت أن من لم يهده الله إلى سلوك الطريق المستقيم في القول والفعل والفكر لن يتراجع عن خطئه حتى يشاهد العذاب بعينه فعندئذ يصيح لو رجعت إلى الدنيا لالتزمت بسلوك الطريق المستقيم ولكن علام الغيوب فضح قولتهم الكاذبة هذه بقوله تعالى {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} فرد جل جلاله بقوله {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنهم وإنهم لكاذبون}.
وبما أن الرجوع إلى الدنيا للإصلاح مستحيل، وأن التوجه إلى الأصلح مختص بهذه الحياة الدنيا فإني أود تـقربا إلى الله إبان هذه الانتخابات وهذه الحملة أن أنشر أمام كل مسلم ركائز اجتهادي على اختياري للانتساب لحزب "تواصل" الذي أنتسب فيه من يوم السماح له بما تسميه الناس بالعمل السياسي وأنا أسميه بما ظهر فيه صدق النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: "ستـتبعون سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وباعا بباع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، وهذا الجحر الآن هو ما نحن فيه المسلمين الآن من مزاولة هذه اللعبة السياسية مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ذما لاتباعنا سنن من قبلنا وهم اليهود والنصارى ولكنه هو الصادق المصدوق الذي لا بد أن نصدق تنبآته.
وإظهارا لبعد هذه السياسية التي أدت إلى هذا النوع من الانتخابات من السلوك للطريق المستقيم للمسلم بمعنى أين العدالة وسلوك الطريق المستقيم من تساوي صوت المبرز والعدل مع صوت الفاسق التارك للصلاة العاق لوالديه وتارة الملحد إلى آخره.
والفقه يقول:
والعدل من يجتنب الكبائرا *** ويتقي في الأغلب الصغائر
أما المبرز وهو الذي فاق أقرانه في سلوك الطريق المستقيم فقبلت منه الشريعة أن يشهد لأخيه في أي قضية لا يشترك فيها مع أخيه المنفعة.
ولكن بما أن الله قضى علينا الآن بأن يكون تشريعنا يأتي بهذه الطريقة وليس طبقا للنصوص الشرعية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذ بن جبل ليحكم في اليمن بالشريعة الإسلامية أعطاه أوصافا خاصة باليمن وأمره أن يعاملهم على ضوئها وكذلك أوصانا نحن المتأخرين عنه بأنه سيظهر فينا أمراء نقبل منهم ونـنكر بأن نتعامل معهم كممثلين لأولى الأمر منا ما داموا لم يأمرونا بمعصية الله وعندئذ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
إذن أنا أود كما قلت أن أضع أمام المسلمين الموريتانيين تجربة لمدة عدة سنوات في سلوك منتسبي هذا الحزب الذي لم أقصد بالانتساب إليه أي منفعة دنيوية ولم تطرأ هي علي بأي وسيلة ولا أريدها مستقبلا لا ظاهرة ولا باطنة ولا مادية ولا معنوية بل حقا أريد به منفعة أخروية يوزن فيها الحرف المنطوق والنية إن خيرا فخيرا وإن شرار فشرا يقول تعالى {وإن كان "أي الحسنة أو السيئة" مثـقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}
ولكن سوف أكتب شهادتي في سلوك الحزب طيلة هذه المدة وأنا في بعضها كنت في مجلس الشورى الذي خرجت منه باختياري ــ أما الشهادة له لوجه الله فهي كما يلي:
فقد سافرت معه وحضرت اجتماعاته ومسيته وصابحته فلم أر في السفر إلا الرفقاء الأمناء ولم أسمع في اجتماعاته لغطا ولا صخبا وفي صباحه ومسائه أسمع أذكارهما وفي الاجتماعات أسمع الذكر الحكيم والموعظة الحسنة عند الافتتاح الراجع كلماتها إلى طلب ما يرضى الله من التوفيق والسداد في القول والعمل ساعة الافــتتاح وأرى فحوى قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره}.
ورجال مؤمنون ونساء مؤمنات وشباب نشأ في طاعة الله الخ فلم أر شابا مداوما على قيام الليل إلا ووجدته منتسبا لتواصل.
وبناء على هذه التجربة وبناء كذلك على قوله صلى الله عليه وسلم: لا يتم إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ــ فإني أدعوا كل من يريد حرث الآخرة عندما يريد البذر لها أن يفـتش عن أداة البذر في شعار تواصل (النخلة) في كل أنواع الاستحقاقات: {وما تـقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا}.
وهناك عدة ملاحظات أدرك أنها سوف تتحرك في خلد كثير من المواطنين إذا قرأو هذه الدعوة الأخروية الباقية الموجهة لأهل الدنيا الفانية.
أولا: سيقولون هذا هو تماما إدخال الدين في الدنيا المتضمن طلب الدين بالدنيا فيجب فصل الدين عن الدنيا.
وهذا الفكر أو الكلمة لو نزل بعدها القرآن لكان بعينها قوله تعالى {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}.
فالدنيا والآخرة ظرفان خلقهما الله الأولى للعمل والثانية للجزاء وهذا عام في الإنسانية فلا قول ولا عمل لأي إنسان إلا في الدنيا وكل مجازي عليه في الآخرة بمعنى أن التدين ظرفه الدنيا وغير الدين ظرفه الدنيا أيضا والإنسان هو المخلوق الذي صدر منه الدين وغيره وسيجازى جميعا على الجميع.
وهنا يقول بعض الإنسان هما أسخف كلمتين صدرتا في الدنيا أولاهما: إبعاد السياسة عن الدين ليبقي ما لله لله وما لقيصر لقيصر كلمتان من إنتاج عقول الثورة الفرنسية: كل أحد يمكن أن يستمع إليهما إلا المسلم حقا، ففصل السياسة عن الدين معناه بالنسبة للمسلم فصل السياسة عن الإنسان المخلوق الذي خلقه الله: شقي أو سعيد وكافر أو مؤمن وشاكر أو كفور ويظهر كل ذلك في قوله أو فعله فالسياسة لا تقال لعلاقات الحيوان فيما بينه ولكن العلاقات الإنسانية وكل تحرك للإنسان فيه خير فيه الجزاء وهذا هو الدين وكل تحرك فيه عقاب هو الدين أيضا لأن معنى الدين الجزاء على العمل أي عمل.
أما كلمة ما لله لله وما لقيصر لقيصر فيكفي في ذلك قوله تعالى {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} الخ الآية وقوله تعالى {تبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون} فماذا لقيصر غير قبره ومنزله من جهنم.
الملاحظة الثانية: لماذا حزب تواصل بالذات؟
الجواب: الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين بعد التقى يقول تعالى {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} وهذه الكينونة تكون بالتعاون على البر والتقوى فمن يبحث عن هذه الأوصاف مكتوبة فليذهب إلى القوانين الداخلية للأحزاب ويقرأها ويقرأ كذلك رؤيتها الفكرية ومن يريدها بالفعل فلينظر إلى عمل الأحزاب إذا كان يريد بذلك وجه الله فقط لا وجه المنافع المادية العينية أو المعنوية وهنا أترك القارئ أن بتجول في الأحزاب وينشر النتيجة على هذا الضوء وفي ذلك الجواب.
فالأحزاب أكثرهم سمي على حقائبه أو السلطة أو شعار آخر والموريتانيون قليلون لا تخفى أهدافهم، ومع ذلك فإن طريق تواصل طريق منهج إسلامي تجديدي وليس معنى تجديد هنا طرو أي شيء على الدين بل تعنى إزالة ما طرأ على الدين من فعل الإنسان في انتحال المسائل بخلطها و إظهارها باسم الدين وليست منه وهذه هي البدعة.
وإرجاع معالم الطريق عند بداية نزول الإسلام وختمه بقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} لا يعد تجديدا بمعنى الطرو.
وهذه سنة الله مع الأديان الصحيحة النازلة من عنده فقد خاطب أهل الكتاب بهذا التجديد في قوله تعالى {يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يـبين لكم على فترة من الرسل} إلى آخر الآية وهذا التبيين هو الذي عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته بالتجديد لأنه لا رسول بعده بقوله: "سيبعث الله في أمتي عند رأس كل قرن من يجدد لها دينها" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، بمعنى يحي سنة الصلاة في الجماعة وقيام الليل وصوم الأيام التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصومها ويسافر فيها الخ، بمعنى إحياء السنة كما بدأت، وحزب تواصل مهتمون بهذا النوع من التجديد.
الملاحظة الثالثة: سيقول آخر إني زكيت جميع المنتسبـين للحزب وهناك من يلاحظ على سلوكه وأنا أقول إن الله تبارك وتعالى قال عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء جهادهم في سبيل الله أن منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة، يقول تعالى {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا} الخ الآية ولكن من يريد منهم الدنيا عفا الله عنه لعلمه أن تلك أعراضا بشرية تعرض لجميع الإنسان فالمعصوم منها ينبهه الله عليها قبل الموت لأجل التسريع وغير المعصوم يعفي الله عنه حسب علم الله بنيته وهذا النوع قاله المولى عز وجل عن المسلمين في أثناء تأديتهم لفريضة الحج عندما يسألون ربهم قائلين: {ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} الخ الآية بمعنى أمطرنا وكثر أرزاقنا إلى آخر مطالب أهل الدنيا ومنهم من يقول: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} ونحن نرجو من الله أن يهدنا ربنا وأن نكون ممن يقول دائما {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}.
محمدو بن البار