انقشع غبار المعركة الانتخابية بانتصار رمزي لقوى الفساد والرجعية، انتصار له ما بعده تماما كما كان نتيجة طبيعية لما قبله.
لم تكن المنازلة الانتخابية عادلة أو منصفة بالمرة حيث نزلت الدولة بخيلها ومالها ورجالها ووجهائها وزعامتها الروحية والقبلية ضد قوى وأحزاب معارضة مشتتة تعاني وعثاء عقد من التهميش والإقصاء.
قاد رئيس الدولة بنفسه حملة الحزب الحاكم وجاب البلاد طولا وعرضا ترغيبا وترهيبا للمواطنين لدفعهم لتبني خياره وخطه السياسي، وكان وزرائه قادة الحملة في كل الولايات الداخلية وطبعا في ظرف كهذا كان حياد المشرفين المباشرين على الاقتراع مستحيلا، إذ لا يعقل أن حاكما أو واليا أو رئيس مركز إداري أو انتخابي سيقنع بالحياد ويخالف أوامر الرئيس والوزاء الذين يقودون بأنفسهم الحملات الانتخابية لصالح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
كانت مطالبات المعارضة ونداءاتها المتكررة للمسؤولين في الداخل بضرورة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع أشبه بفأر يواجه منفردا مجموعة قطط سمان في حلبة ملاكمة ويطالبهم باحترام قوانين اللعبة وارتداء قفازات النزال مع أن القطط جائت لتلتهمه وليس لمنازلته.
كان دخول هذه الانتخابات دون ضمانات بالشفافية خطأ فادحا برأي تماما كما كانت مقاطعة بعض أحزاب المعارضة منفردة للاستحقاقات السابقة أيضا خطأ دفعت المعارضة ثمنه.
كان على أحزاب المعارضة تقرير المشاركة مجتمعة أو المقاطعة مجتمعة فهذا هو الخيار الوحيد لمواجهة آلة التزوير الرهيبة في يد السلطة.
كشفت هذه الانتخابات عن قوة المال السياسي وخطورة تحالف السلطة مع الزعامات القبلية والعشائرية التي قسمت الوطن إلى صناديق تتبع لهذا الوجيه أو ذاك ومهمته بحسب أجندة السلطة ملأ صندوقه لصالح حزب الدولة بأي وسيلة كانت.
عرت هذه الانتخابات زيف بعض المتدثرين بعبائة الدين من المشايخ التقلديين الذين أسرفو في التزوير والغش لصالح حزب السلطة بوجوه حاسرة وعمائم ولحى ومسابح لخداع العامة بأن طاعة ولي الأمر واجبة حتى لو كان لصا وأن التزوير في سبيل ذلك مباح لاحرمة فيه.
ظهرت في هذه الانتخابات قوة وسطوة العسكر الذين سيقو كالأنعام ليصوتو بكثافة لصالح السلطة يسوسهم ضباط نزقون يتحققون من كل صوت وبطاقة وكأنهم يخوضون حربا للدفاع عن الوطن الذي سحقوه بهدوء تحت نعالهم الغليظة الخشنة.
كان لافتا في اقتراع سبتمبر أن المعارضة لم تبذل الجهد الكافي لتوعية المهمشين في القرى والأرياف النائية بحقوقهم ولم تعمل ما ينبغي لتخرجهم من دائرة التبعية العمياء لوجهاء السلطة والعشيرة وهو ما دفهم لاختيار ترجيح كفة قوى الفساد والرجعية تأسيا بالراعي الذي دل الجنود على مخبإ الزعيم اليساري "أرنستو تشي غيفارا"
وهو الذي أجاب عندما سأل لماذا بلغ عن رجل كرس حياته للدفاع عن أمثاله من المهمشين، أجابىالراعي "بأن غيفارا كان يزعج أغنامه بحروبه الكثيرة.
إذا كان هناك درس يجب على المعارضة استخلاصه من هذه الانتخابات فهي ضرورة وحدة الصف والكلمة وعدم الانجرار إلى معارك جانبية أدمت الجسد المعارض وساهمت في سقوط لوائح المعارضة في العديد من المناطق.
في أفق الاستحقاق الرئاسي القادم وهي معركة أدهى وأمر وإلى جانبها تبدو المعركة الحالية أشبه بلعب الأطفال حيث سيحاول هذا الرئيس بكل قوة التشبث بالكرسي وعلى المعارضة أن تفكر منذ الآن في أنجع السبل لاقتلاعه منه وهي مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة.
ظاهرة هذه الانتخابات برأي كان عمدة أنواذيبو ونائبها القاسم ولد بلالي الذي استطاع منفردا دحر حزب السلطة بكل قوته وبفارق كبير في العاصمة الاقتصادية، يستحق هذا الرجل كل التقدير والاحترام لأنه ركع هذا النظام وأذله كما لم يفعل أي أحد من قبل وعلى المعارضة أن تتعلم منه أسلوبه في إدارة مدينة أحبه أهلها والتفو حوله ورفضو كل الإغراءات في سبيله.
أخيرا أشد على أيدي كل الذين بذلو الوقت والجهد والمال وتحملو مشقة الأسفار لتحقيق حلم بوطن عادل منصف لجميع أبنائه، وأقول خسرتم جولة في معركة طويلة ومريرة فلاتهنو ولاتستكينو وأنتم الأعلون إن شاء الله.
تحية من القلب إلى كل أحرار الجمهورية من رجال ونساء وشيب وشباب آمنو بأننا نستحق وطنا أفضل ودولة لايسوسها المفسدون.