أجمل ما في الانتخابات الأخيرة أنها أرسلت مجموعة من الرسائل البليغة الواضحة وضوح الشمس سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي أو الجهوي، ومن أهم هذه الرسائل:
ـ الرسالة الأولى:
إلى رئيس الجمهورية مفادها أن قوى الفساد والنهب والتضليل والرجعية لا زالت تقاوم وبشراسة من أجل إعادة البلاد إلى العهود السابقة والوقوف في وجه الإصلاح وتعطيل مشروع إعادة التأسيس والبناء الذي أطلقه رئيس الجمهورية ومحاولة إفشاله وإفشال حزب الإتحاد من خلال مغالطته بمعطيات كاذبة خاطئة ومحاولة دفعه إلى خيارات وترشيحات خاسرة كانت ستسقط الحزب، ثم بعد ذلك يحدثونك بعدم استحياء عن خيانات وتحالفات تستهدفهم.
استروا أنفسكم يا قوم، فالخيانة الكبرى هي أن يرشحك الحزب على رأس قوائمه الانتخابية ويمنح كل المسؤوليات الحزبية على المستوى المحلي لمحيطك الأسري الضيق ثم بعد ذلك تتنكر للجميل وتدفع ببعض أقاربك الذين كانوا قبل أيام قليلة يتبوأون مناصب سياسية في الحزب إلى الترشح من أحزاب أخرى منافسة لحزب الاتحاد وتقوم بدعمهم بشكل فاضح ومكشوف !!!
لكن المشكلة تكمن في أن البعض يعتبر الوطن شركة خصوصية مملوكة له ولإخوانه فقط ويعتبر الحزب والحكومة بقرة حلوب يجب الاستيلاء على كل ما تجود به من خيرات وبيعها أو ذبحها عندما يجف ضرعها كما فعلوا ذاك مع كل الأنظمة المتعاقبة على البلاد، فلولا شهامة ووفاء الزعيم بيجل لما وجد معاوية ولد الطايع من يذكره بكلمة خير في بلاد المليون منافق ومرتزق والمائة حزب سياسي بعد أن كان الكل يسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار.
وكذلك يريدون أن يفعلوا مع الرئيس الحالي والتالي، فهم يتظاهرون بدعم الرئيس بينما هم في الحقيقة مجرد مرتزقة انتهازيون وأصحاب مطامع.
فأين هي المليون منتسب التي حشدها هؤلاء قبل بضعة أشهر لمغالطة الرئيس دون أن يكلفوا أنفسهم عناء القيام بتعيئة وتوعية المنتسبين وإقناعهم بجدية الموقف والمسار.
فبدل السعي إلى تأسيس حزب وطني إصلاحي قوي جامع ناجح يرى فيه الجميع ذواتهم ويتفانون في خدمته يسعى هؤلاء إلى إفشال الحزب وجعله نسخة متكررة من حزب الشعب والحزب الجمهوري وحزب عادل...
ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة قطع الطريق على الأشحاص الخيرين الجادين المخلصين المقتنعين ببرنامج رئيس الجمهورية الإصلاحي، لأنهم لم يرقهم احتواء الرئيس نفسه لهؤلاء الذين أتوا من خارج جوقة الفساد و ترشيحه لهم مما أثمر حصول الحزب على دوائر انتخابية كانت ستكون عصية عليه من دونهم وقاموا بخدمته بمجهوداتهم وأموالهم الخاصة دون أن ينتظروا مقابل ذلك جزاء ولا شكورا بل دافعهم الوحيد وراء ذلك هور الحرص فقط على حماية وإعانة وتعضيد الإرادة الصادقة لرئيس الجمهورية في الإصلاح والبناء والوقوف في وجه قوى الإفساد والتضليل والخداع التي تحاول اختطاف الوضع وحرف البوصلة وإفشال الإصلاح.
والله من وراء القصد وهو يعلم المفسد من المصلح.
ـ الرسالة الثانية:
إلى الجميع مفادها أن الشعب الموريتاني شعب مسالم يساند أي إصلاح مهما كانت وتيرته متباطئة لكنه لن يقبل بعد اليوم بوجود سماسرة ولوبيات فساد تأتي على الأخضر واليابس تتحدث باسمه وتسوق نفسها كنائب عنه وأفواه تنطق وتأكل باسمه.
نحن جربناكم عدة عقود ولم نر منكم سوى الغنى والتكسب على حساب المصلحة العامة ولن نقبل تكرير التجربة، لا لن نقبل الحرمان بعد الآن لن نقبل الغبن لن نقبل التجهيل والتغييب.
وأكبر صفعة وجهت لهؤلاء وآلمتهم هو أنه وصلتهم الرسالة وفهموها جيدا - وإن كانوا يريدون إخفاءها - بأن الوضع خرج عن سيطرتهم ولم يعد بإمكانهم حجب شمس الوعي والحرية، وهم يدركون قبل غيرهم أن ثقة الحزب والحكومة فيهم سوف تكون مهزوزة لا محالة لأنهم سحقوا في مناطقهم وداس عليهم الأحرار من الشعب ولم يعد لهم ولاء في مناطقهم أو من العارفين بحقيقتهم مهما حشدوا وضخموا وأرعدوا وأزبدوا وعقدوا من أحلاف وأجلاف لا محل لها من الديموقراطية ولا من الحداثة.
كان من الأولى في بداية مسار الإصلاح أن يتم وضع قانون عزل سياسي لبارونات الفساد حتى لا يحاولوا تعطيل عجلة التنمية والتأثير على المسار كما فعلت معهم كثير من الدول، لكن الشعب في النهاية وجه لهم صفعة قوية لن ينسوها أبدا.
ـ الرسالة الثالثة:
إلى المخدوعين بمثل هؤلاء تقول لهم أنتم من يتحمل المسؤولية الأخلاقية الأكبر عما سيحدث من نهب في الأماكن التي مكنتم تسييرها من المفسدين، فالتجربة تقول بأن تمويلات كل تلك المناطق والمناطق القريبة منها سوف تسلك ممرات ومسالك سرية إلى الجيوب ولن يرى أحد أثرها أو يشم أحد رائحتها، وإن لم تتكاتف جهود كل المصلحين والمؤسسات المعنية أو تحدث معجزة كبيرة فعلى التنمية في تلك المناطق السلام.
ثم إنكم لا محالة ستتعرضون في يوم من الأيام لسيل من الشتائم والإساءة والأكاذيب عندما تجدون أنفسكم مضطرين إلى تحكيم عقولكم وضمائركم، ولن تكونوا أحسن حالا ممن أفنوا أعمارهم وأعمار آبائهم في خدمة هؤلاء فكان جزاؤهم ما ترون لا ما تسمعون.
وحتى لو واصلتم في التصويت لهم دائما في كل الانتخابات القادمة فسيقولون لكم بعد النجاح في كل مرة أن هذه وظائفهم التي خلقها الله لأجلهم وخلقهم لأجلها وخصهم بها من بين سائر الخلق ولا منة لأحد عليهم.
ـ الرسالة الرابعة:
إلى الأحرار الشرفاء من سياسيين سواء من الموالاة أو من المعارضة أو من أو من أطر أحرار تكنوقراط أومن مواطنين عاديين غير مصنفين سياسيا تقول لهم أنتم من يصنع القادة والنخب التي تتحدث باسمكم وتتولى تسيير شؤونكم بل أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم العزة والشرف والنجاح بعينه، أصواتكم أمانة وهي ملك لكم وحدكم فلا تمنحوها إلا لمن يستحق وتعتقدون أنه يستطيع خدمتكم ويحترمكم كل قبل ذلك.
لا تقبلوا الذل والهوان والخنوع أبدا ولا تكونوا مع المفسدين.
اصنعوا مستقبلكم ومستقبل أبنائكم بعز وشموخ وحرية وثبات ولا تسمحوا لأحد باختطافه، كفى جهلا كفى خنوعا كفى حرمانا كفى نهبا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ليست في أعناقكم بيعة لأحد، والله تعالى وضع عنكم الأغلال فلا تسمحوا لأي كان بوضعكم فيها، حطموا الأصنام بددوا الأوهام كسروا القيود، وثقوا أن كل المخدوعين والنائمين سوف يصحون ولو بعد حين وأن قاعدة الوعي في اتساع دائم ولله الحمد.
واعلموا أن معركة الحرية والعدالة والمساواة والإصلاح مستمرة لن تتوقف، معركتكم باختصار هي معركة للحق ضد الباطل، وعلى الباغي تدور الدوائر.