بين ظهراننا، ومن بني جلدتنا، عربا ومسلمين، كثير من ضحايا الاستبداد، لكن طغاتهم استخفوهم، كما استخف فرعون قومه، فأطاعوهم كما أطاعوه، فحق عليهم الفسوق، كما حق عليهم، فهم اللاحقون، في انتظار ذَنوب من نقمة الله التي حاقت بفرعون وقومه!!
بات هؤلاء المساكين يصدقون وحي شياطينهم، فيُحَمِّلون التيارات الإسلامية، مسؤولية الدماء والأشلاء والدمار الحاصل في بلدان الربيع العربي، وهم يلبسون الحق بالباطل، عمدا وقصدا، ويحرفون الكلم عن مواضعه، غباء واستغباء، ويكتمون الحق وهم يعلمون، ويظاهرون الظلم والظالمين؛
ألا يسأل هؤلاء أنفسهم؛ هل كان البوعزيزي، بائع الخضار المتجول الذي أحرق نفسه أمام مبنى الحكومة في ولاية سيدي بوزيد التونسية النائية، بعد أن أساءت شرطية معاملته، لتندلع أمّ ثورات الربيع العربي؛ هل كان من الإخوان؟! كم إخوانيا شهد انطلاق ثورة 25 يناير، في ميدان التحرير بالقاهرة؟ أو مظاهرة 17 من فبراير في طرابلس؟ أو انتفاضة درعا الشام؟
ثم هل كان أعوان الطواغيت الذين انضموا إلى انتفاضة الشعوب ضد طغيانهم، وشاركوا في خلعهم من فوق عروشهم، وإلقائهم إلى مزبلة التاريخ، بما في ذلك وزراؤهم وقادتهم العسكريون، وسفراؤهم في الأمم المتحدة وعواصم العالم، وقضاة محاكمهم الصورية؛ هل كان كل أولئك من الإخوان؟
صحيح أن الإخوان تيار شعبي عارم، في كل الأقطار العربية والإسلامية، وهو من أكثر التيارات وعيا، ونضجا، وتضحية، ومن أوسعهم شعبية؛ فاقتضى منطق الأشياء أن تختاره الشعوب الثائرة، ديمقراطيا، لمسيرة ما بعد الاستبداد، وهو ما حصل، لكن ثالوث الغزاة والطغاة والبغاة، كان للشعوب وخياراتها بالمرصاد؛
وصحيح أيضا أن المستبدين تشبثوا تشبث الغريق، بالكراسي والعروش، التي اغتصبوها ذات يوم بقوة السلاح، أو ورثوها، كالمتاع، عمن اغتصبها من آبائهم، ثم حكموا من فوقها الشعوب المغلوبة على أمرها، بدساتير مفصلة على أهوائهم، أو بلا دساتير أصلا؛
وهكذا، بوسوسة هامان، وأموال قارون، وأسلحة فرعون، وشعارات من قبيل "الأسد أو نحرق البلد" ومثل "زنقه زنقه.. دار دار"؛ شنوا الثورة المضادة، فقتّلوا تقتيلا، وشردوا تشريدا، ودمّروا تدميرا، فالناس بين المنافي والمقابر والسجون، في انتظار عدل السماء؛ والمعول عليه بعد الله، هو استمرار روح الثورة، والعزم المعقود على تحرير الأوطان والإنسان من الطغيان؛
يا لغباء وخيبة وخسران من يراهن من ضحايا الطغيان، على جلاوزة الغزاة والطغاة والبغاة، من قوى الثورة المضادة التي حولت ربيع العرب وأملهم في الحرية والانعتاق، إلى كابوس من الدماء والأشلاء والدمار، وجعلت من أقطارهم سجونا مفتوحة وسوحا للقتل والتعذيب والمحاكمات الصورية؛
خاب وخسر من راهن أو عول على قوى الشر من:
- ورثة قارون من أحفاد مسيلمة والعنسي وسجاح، في نجد والحجاز واليمن؛
- لعقة أحذية الصهاينة وربيبهم الأمريكي، من جند كامب ديفد، في الكنانة؛
- شبيحة عميل أيلي كوهين، والموساد، والشين فين، والـKJB ، في الشام؛
- شرطة عباس - أوسلو لتنسيق العدوان الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية؛
- أحفاد مرتزقة لورانس العرب، وفريدريك باشا، وجون كلوب، في الأردن؛
- طلقاء لوكربي، من رفاق المقرحي وقذافي الدم والحقد والكراهية، في ليبيا؛
ربيع الشعوب لا محالة قادم!