كلمة الإصلاح هذه المرة بما أنها تعيش في بلد كله مسلم، فقد فتحت أمامها هذه الانتخابات كثيرا من الأسئلة ينبغي للمسلم الموريتاني أن يجيب عليها في الدنيا قبل الآخرة، وبعضها جوابه بديهي سأتولاه أنا ولكن الرد عليه وراءه ما وراءه وهو المطلوب من الموريتانيين أن يعقلوه ويردوا عليه بالعمل.
أولا: الإنسان الموريتاني ماذا عليه أن يعتقد في حياته وماذا عليه أن يعمل لأجل ذلك الاعتقاد؟.
الجواب: المسلم يولد مسجونا مصلوبا يستطيع مع هذا السجن والصلب أن يخرج بالتحرك من السجن ويفك نفسه من هذا الصلب فهو يولد بالرغم منه ويبلغ الحلم إن لم يمت قبل ذلك بالرغم منه ويموت ويحاسب على حياته بالرغم منه كذلك: فمثلا كل إنسان موجود الآن في موريتانيا ولو ولد اليوم فسوف لا يدركه القرن 22 إلا إذا كان في أرذل العمر ولا تأثير له وقليل ما هم. فهذا يستوي فيه الموالاة والمعارضة وعلائقهما إذن فالمعارضة والمولاة أيها تطلق عليه إسلامي ولا تطلق على الآخر ولماذا؟
السؤال الثاني: مرتب على السؤال الأول ما هي خصوصية "الإسلامي" وهل هناك إسلامي سياسي وإسلامي طبيعي؟ أو عند الإسلام وصف لا هذا ولا ذاك بمعنى ما هو السلوك الإسلامي الذي ينجي صاحبه يوم القيامة وما هي خطوطه العريضة وما هو الوصف الذي يطلق عليه بالضبط ويطابق ما سيسأل عنه الموريتاني يوم القيامة؟
السؤال الثالث: ما هي حدود مسؤولية الرئيس التي يعطيها له الإسلام والديمقراطية إذا كان لا بد من منها دون العمل حرفيا بالإسلام؟ وهناك الخطر
السؤال الرابع: جوابه يترتب على الأسئلة الماضية وهو أني سمعت في هذه الانتخابات كل من أراد أن يُنسب لحزب تواصل بدل أن يقال تواصلي أو تواصليون يقال إخواني أو إخوانيون فإذا كانت ياء النسبة هذه تعني الوصفية فهي مدحية وتعمم على جميع الأحزاب لأنهم كلهم ولله الحمد إخواني أو إخوانيون لأنها مشتقة من وصف الله للمسلمين إنما المؤمنون إخوة وإذا كانت ياء النسبة هنا تعني الاسم العالمي المعروف فهي خاصة بمصر وعند مصر هيئات أخرى مثل هيئات الدول فلا يقال لجيشنا نحن جيش مصري ولو اتحدا في التدريب وألقاب العمل إلى آخره، وإذا كانت ياء النسبة هنا استهزاء واستنقاصا فلماذا لا يطلقه كل حزب على الآخر الذي لا يعجبه مثل حزب التجمع الإخواني أو حزب التكتل الإخواني أو حزب الشعب التقدمي الإخواني وهكذا.
وإذا كان تواصل حزبا عمله منظم وينسب نفسه للمرجعية الإسلامية وذلك يستحيل عند العلمانيين أو ما يشابههم من الذين لا يخوفهم اللقاء مع ربهم.
وهو أن يكون للإسلام تنظيم يضبط الأمور ويمنهجها على أحسن وجه فإن الإسلام الذي ينتمي إليه الجميع منظم فالصلاة موقوتة، ومن أخرها أو قدمها على وقتها يعاقبه الإسلام وكذلك الصوم محدود شهره وبدايته ونهايته إلخ.
هذا النظام من دعا الناس إليه فهل لا بد من إضافته لمسمى آخر لا تربطه به أي إضافة نسبية طبقا للغة العربية لا في الوطن ولا في التشكيل ولا في التعاون ولا في أي مجال تصح معه الإضافة فالإسلام نظام كل أحد كلفت به الإنسانية كلها ولكن من قضاء الله وقدره أن قال في وصفهم: {فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون}.
سواء سميناه إسلاما سياسيا أو غيره.
هذه الأسئلة كلها سببها ما يقرؤه الموريتاني في المواقع من المقالات المنسوبة لأصحابها وهم يكشفون عوراتهم أمام القارئ بكلام لا ينبغي قوله وقديما قال التندغي:
وقول ما لا ينبغي لا ينبغي *** لتندغي ولا لغير تندغي
والقول يكون مما لا ينبغي إذا كان مساندة عمياء للغير بمعنى لا دليل عليه فخليل يقول "ومن ادعى فليدع بمحقق معلوم" والرسول صلى الله عليه يقول "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، مع أن ما يسطره كتبة المواقع لا يرقى إلى الظن بل مجرد كلام ببغاوي لا يستند إلا إلى سماع الصوت فقط لمحاكاته.
واختصاص إنكار قول ما لا ينبغي لموريتانيا لأن الموريتانيين قارئون كلهم وسياسيين جميعا فلا ينبغي كشف عورات اللسان أمامهم لينضاف كلام الكاتب إلى لغوه.
أما المجتمعات الأخرى ولا سيما المجتمعات العربية في المشرق العربي بما فيها مصر فأكثرهم همجي لا يعرف الوسطية التي هي ملاك الإنسان المسلم سلوكا قولا وفعلا.
فألئك المشرقيون العرب إما أن يتبعوا المسؤولين تبعية عمياء مثل تبعية الأعمى لقائده أو متمردون عليهم لا يفكرون إلا في قتل الخصم ولا مكان للتفكير المعتدل عندهم، والله يقول {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} ويقول {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
وتوجيها لهذه الأسئلة السابقة وما معها من المقترحات لسلوك سواء السبيل فإني سوف أطرح رأيا في هذه الانتخابات وما أعقبها من انتفاضة على أمكنة العلم والعلماء لتجفيف ذلك المصدر الذي يحاول فيه العلماء أن يكونوا معربين عن أنفسهم كما هو موضوعهم المعرفي طبقا لقوله تعالى {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر}.
فقد اخترت أن أبين لكم ما وفقني الله به من الحق في كلمة الإصلاح هذه: فالسيد الرئيس عنده نظرة خاصة لهذه الانتخابات التي سيقرر شيئا بعدها حتى الآن لا يعلمه إلا الله وهو، وعزم أن لا يراعي في التدخل فيها أي ديمقراطية وأن يتدخل كمن يريد أن يخطط لانقلاب حتى يحصل على أغلبية مريحة لما يريد فمن سوء حظه أن أعطى الدولة على ورقة بيضاء لرئيس الحزب الحاكم حيث لم يستعمل فيها إلا الوزراء والعسكرية أو شبه العسكرية، وبما أن الإنسان الموريتاني المؤيد لأجل مبادلة المنفعة فلم يكن عند الوزراء والعسكر من وظائف الحزب ما يعد به الجميع فانقسم الحزب ووقع بين قادته ما يعلمه الجميع فانتفشت تلك الفكرة هباء منثورا.
أما السيد الرئيس فقد باشر الحملة بنفسه وبما أنه عسكري لا علاقة له بالسياسة أصلا إلا استعمال ما يراه هو أنه الأصلح فقام بحملته شخصيا في الطائرة وفي مهرجاناته طلب من المواطنين أن لا يتركوا "حزب تواصل" ولا رفاقه من العنصريين - كما قال - أن يدخلوا البرلمان القادم، والتناقض هنا أنه استدعاهم في مرسوم للحضور للانتخابات وفي نفس الوقت طلب من المواطنين منعهم من النجاح.
وبما أن أي عاقل لا بد له أن يبرر كلامه فقد قام السيد الرئيس باتهام تواصل بالتطرف والإرهاب وهذان الوصفان ماديان لا بد من إبراز العمل المادي لوجودهما ولا يعرف أي موريتاني فعلا واحدا قامت به تواصل ليؤكد ذلك.
ومع أن المتهمين بالعنصرية عند الموريتانيين كثير من الفعل المادي على اتهامهم لأنهم لا يكتمونه في مؤتمراتهم في الخارج ولا في تصريحاتهم في الوطن فمع ذلك لم يوجه إليهم الرئيس ولا المواقع التي لا تحترم نفسها في مقالاتها المبتورة عن حقيقة الواقع لم يكتبوا عنهم أي دليل مادي لعدم ذكر الرئيس له والجميع ركز على فعل داعش والقاعدة وما شابههما ليحيلوا إلى فعلها في الشرق الأوسط فعل التطرف في موريتانيا حيث لا وجود لهما ليضيفوا لتواصل (فمثلوه بالحركات المنحرفة عن الفكر الإسلامي المتطرف في السلوك في ظل انعدام المثال).
وبما أن الرئيس لا مستشار له يشير له على شيء، فإن ما قام به في حملته التي جاءها في الشمال العسكري وهو الهجوم بالقول بلا دليل مادي فلو كان عنده مستشار إسلامي مؤتمن لأشار إليه أن يأتي من اليمين لينفذ ما في قلبه مع الهدوء والسكينة والاطمئنان في جميع التراب الوطني.
فأكبر حزب في المعارضة هو حزب تواصل ورئيسه الحالي قال في أول تصريح له بعد نجاحه في رئاسة تواصل: إن الحزب لن يتأخر عن تأييد أي مترشح للرئاسة إذا كان فيه المصلحة الموريتانية ولو من خارج المعارضة.
والمعلوم عند الجميع أن هذا الرئيس قد أنجز كثيرا من المنجزات في موريتانيا لم تخلق في البلاد قبله، ولكنه مع الأسف جعل دعايتها تحت أقلام منكرة أصواتهم عند غالبية الموريتانيين لأنهم لا يتورعون عن قول ما لا دليل لهم عليه فلو أتى من جهة اليمين بالتي هي أحسن وفاوض تواصل وما على شاكلتها وأثبت لهم حرصه على بقاء هذه المنجزات وتطورها وأوضح الأسس الذي سوف تحقق ذلك وأظهر له خشيته على الشعب الموريتاني من التفكك فلا شك أن من في قلبه مثقال ذرة من إيمان إذا استوعب ذلك لوجب عليه اتباعه لأن أينما تكون المصلحة فثم شرع الله.
أما الزوبعة التي سببها خطابه ونعته لتواصل بالتطرف والإرهاب وقادتهم أشخاصا معروفين عند الجميع لا يقبلون تطرفا ولا إرهابا فلا شك أنها حركت من الشيخ مكانا من العزة والإباء بحيث لا يسمح له علمه وخوفه من الله أن يسكت على هذا الاتهام المبتور نهائيا عن ضحاياه فقد قام الشيخ الددو بشخصيته المعروفة بالغضب عند لبس الحق بالباطل لمعرفته جيدا بأشخاص تواصل وقولهم وأفعالهم.
فأعلن رده في خطبته تلك ولولا أنه تجاوز فيها إلى شخص الرئيس الذي يظن في الدنيا أنه يملك كل شيء في موريتانيا لولا ذلك لم يتعد الرئيس خطابه الأول ولا سيما أن غضبه ارتاعت له الإدارة الإقليمية من ولاة و حكام وحتى لجنة الانتخابات حتى اكتسحوا له في الشوط الثاني جميع الوطن وحصل على أغلبية مريحة في الدنيا متعبة في الآخرة.
وعلى إثر الحالة التي وضعه فيها الددو من شدة تفنيد كلامه والإتيان بالأدلة القاطعة التي لم يبحث هو عنها في اتهامه لتواصل قام هو بسحب تلك التراخيص في عملية موجهة إلى الشيخ الددو فقط حفظه ربه من كل مكروه وأعانه على فعل وقول ما يرضى الله ورسوله وهذه العملية محدودة عنده على ذلك في ظني.
فالرجل علمنا من سيرته الإيمانية المتأصلة فيه من غير تكلف وإن كانت مبدئيا من نوع إيمان زملائه العسكريين الموريتانيين إلا أن هناك تفاوتا بين الإيمان القلبي والإيمان البيئي فكان بودي أن أعدد بعض ما يشبهه إيمانا قلبيا من زملائه إلا أني وجدت اللائحة تطول ولله الحمد لرسوخ الإيمان في كثير من ضباطنا الكبار وجنودهم.
وفي الختام فإني أخوف ما أخاف على حقيقة إيمان هذا الرجل ومستقبله الأخروي هو تقاربه الآن مع المحمدين المشرقيين ولا سيما صاحب الإمارات لأنهما لا يراقبان في الوقت الحالي قوله تعالى {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.
ويكفي في الدليل على هذا إيصالهم للسيسي للحكم وأفعاله تسجل في سجلاتهم والله يقول {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} ويقول {أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}.