على مدار الساعة

الانتخابات الموريتانية والمبادئ العامة للاقتراع

2 نوفمبر, 2018 - 13:13
خطارو سيدي عبد الله - باحث، وطالب بمرحلة دكتوراه في جامعة تونس المنار

لقد باتت الانتخابات في العقود الأخيرة مشهدا معتادا في أغلب دول العالم على حد السواء، مع ما يشوبها في العالم العربي من علل تجعل نزاهتها ومصداقيتها على المحك، فهي لا تتعدى أن تكون مجرد مساحيق تجميل للأنظمة القائمة والجاثمة على صدور شعوبها والتي أضحت بحكم الظروف المحيطة مجبرة على اللجوء إلى الاقتراع العام بصورة دورية، فبالنظر إلى المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية نجد أن الأنظمة غدت مكرهة على الرجوع إلى إرادة المواطن ولو شكليا من خلال إجراء انتخابات دورية فقد نصت عليه المادة: 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر 1948 والذي صادقت عليه كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كما نجد التأكيد على هذا الحق في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.

 

أما موريتانيا فقد نصت المادة الأولى من دستورها 1991 على أن: ''السيادة ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين"، وبشكل عام يعرف الاقتراع بأنه هو عملية اختيار الشعب لممثليه عن طريق التصويت - العام أو المقيد - بغية تفويضهم كمعبرين عن إرادته، وقد كان الاقتراع في البدء مقيدا بحيث أنه لا يحق إلا لفئة معينة من المجتمع إلى أن بزغ فجر الثورة الفرنسية عام 1789 التي أقرته ولأول مرة في جمعيتها التأسيسية كما تم التنصيص عليه لاحقا في الدستور الفرنسي 1793، أما موريتانيا فإنها لم تشهد أي اقتراع قبل سنة 1948، والذي ارتفعت فيه نسبة المشاركة بشكل لافت، ويكتسي الاقتراع أهمية بالغة تتمثل في أنه هو الوسيلة الأنجع لتعبير الأمة عن إرادتها كما أنه يضمن التمثيل العادل لكل فئات المجتمع شريطة مراعاة المبادئ العامة للاقتراع، والتي يتوجب توافرها في أي اقتراع يُراد أن يكون نزيها وذا مصداقية، فما مدى انسجام الانتخابات الموريتانية مع المبادئ العامة للاقتراع؟

 

عرفت موريتانيا منذ اعتماد دستور 1991 انتخابات تعديدية تنافسية استطاعت بعض الأحزاب السياسية أن تحفر اسمها على الخريطة السياسية وأن تدخل البرلمان من خلال انتخابات شكك الكثيرون في شفافيتها ونزاهتها، وقبل الخوض في مبادئ الاقتراع لا بد من الوقوف عند الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بالاقتراع والتي ألزمت الدولة الموريتانية بإجراء انتخابات شفافة ونزيهة.

 

التشريعات الوطنية:

إن أول وأهم القوانين على الإطلاق في الهرم التشريعي هو الدستور الذي تنبثق عنه كل القوانين ولا تجوز أن تخالفه، فبالنسبة للدستور الموريتاني فقد نص في ديباجته على الحقوق المدنية والسياسية، وفي سبيل ذلك أصدرت عديد من المراسيم والقوانين المنظمة للانتخابات، ولعل أولها الأمر القانوني رقم: 289 ـ 87 المنشئ والمنظم للبلديات الصادر 20 أكتوبر 1987، الذي جاء في مادته 122: "يختار الناخب بحرية لائحة دون تصويت انتخابي انتقائي.." وذهبت المراسيم المتتالية المنظمة للانتخابات 2006 و2009 وكذلك 2013 و2018 في نفس الاتجاه حيث شددت على ضرورة ضمان شفافية ونزاهة الاقتراع.

 

الاتفاقيات الدولية

صادقت موريتانيا على العديد من الاتفاقيات الهادفة إلى الرفع والتحسين من حقوق المواطن ومن أمثلة ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي نص في الفقرة الثالثة من المادة: 21 على ما يلي: "إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت" كما نصت المادة: 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن من حق المواطن: ''أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري ويضمن التعبير عن إرادة الناخبين'' كما جاء في الفقرة الثالثة من المادة: 24 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان أن من حق المواطن "اختيار من يمثله بطريقة حرة ونزيهة وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين بحيث يضمن التعبير الحر عن إرادة المواطن" ويستشف من خلال هذه النصوص الصريحة وغيرها أن هناك عناصر لا بد توفرها ليكون للاقتراع قيمة وحجية قانونية.

مبادئ صحة الاقتراع

إن من أهم العناصر التي لا بد من توفرها لتكون للاقتراع قيمة وحجية قانونية ما يلي:

- مبدأ السرية: ويعني ذلك أن يوضع الناخب في ظروف تسمح له بالتعبير عن صوته بكل حرية من خلال ما يعرف بالخلوة الانتخابية حيث يوضع ستار أو حاجز فاصل بين الناخب وأعضاء المكتب الانتخابي يضمن عدم اطلاعهم على محتوى ورقة الانتخاب، وهو مبدأ أساسي يضمن للناخب عدم تعرضه لأي تأثيرات خارجية، والملاحظ أن هذا المبدأ غالبا ما يتحقق في جل الانتخابات وإن كانت تحصل استثناءات بحكم رداءة الظروف التي يجري فيها الاقتراع في بعض الدول فقد يؤدي تسرع أعضاء المكتب الانتخابي إلى إنشاء أكثر من موضع للتصويت داخل المكتب دون مراعاة شرط الخلوة الانتخابية.

- الحرية: ومعنى ذلك أن يكون الناخب حرا في اختيار أي لائحة مرشحة حتى يكون في مأمن من أي تأثير على إرادته من خلال الإكراه المادي والمعنوي، وهو ما ورد التنصيص عليه في مختلف المواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، فالإكراه قد يكون ماديا كمنع الناخب من الذهاب أصلا إلى مكاتب الاقتراع، أو منعه من خلال خلق العوائق داخل مكاتب الاقتراع، أما الإكراه المعنوي فيقصد به لغة الترغيب والترهيب والتي اعتادت الأنظمة العربية في المواسم الانتخابية مستهدفة بها المرشح والناخب على حد سواء ويظهر ذلك من خلال شراء الذمم وتعطيل المرافق الحيوية إن هي سقطت في يد المعارضة بهدف إفشال مأمورية الخصم، كما صرحت بذلك فاطمة بنت عبد المالك رئيسة جهة انواكشوط التي قالت في مهرجان انتخابي إبان الحملة التشريعية والبلدية الموريتانية في عام 2018 إنها لن تدعم بلدية عرفات إن هي لم تصوت للحزب الحاكم، وهو خطاب لا ريب يؤثر على إرادة الناخب ويجعله مجبرا على التصويت لجهة معينة.

- المساواة في التصويت وينبغي أن يطبق الأخذ بالصوت الواحد للشخص الواحد، وأن يساوي بين أصوات جميع الناخبين دون التمييز على أساس الجنس أو العرق أو المكانة الاجتماعية.

- دورية الانتخابات: ويقصد بذلك أن يكون هناك قانون يحدد بشكل واضح تاريخ بداية المأمورية وتاريخ انتهائها وآلية إجرائها من جديد، وأي تجاوز للتاريخ المحدد يعتبر خروجا على القانون.

 

إن أي تقييم جاد للانتخابات الموريتانية لا يمكن أن يركز إلا على الفترة ما بعد 2005 حيث سلكت البلاد طريق التحول الديمقراطي وأثمر انتخابات نزيهة وشفافة بشهادة العالم أجمع، فقد أجريت انتخابات بلدية ونيابة في عام 2006 كما أجريت انتخابات رئاسية في عام 2007 حملت رئيسا مدنيا إلى سدة الحكم، قبل أن يتم الانقلاب عليه في منتصف عام 2008، ليتم إجراء انتخابات مبكرة عام 2009 نجح فيها قائد الانقلاب محمد ولد عبد العزيز، ليجد النظام لاحقا نفسه عاجزا عن إجراء الانتخابات البلدية والنيابية في وقتها فقد كان يلزم القانون بإجرائها بعد خمس سنوات وهو ما لم يتم فحيث أن الانتخابات لم تجرى إلا في عام 2013، وهو ما يعني خرقا صارخا للقانون ولأحد المعايير الدولية للانتخابات ألا وهو دوريتها.

 

وكخلاصة عامة يمكن القول إن الانتخابات الموريتانية يصاحبها الكثير من الخروقات التي تمس مصداقيتها في الصميم مع أن ذلك لا ينفي توفر بعض الدوائر على حد أدنى من المعايير العامة للانتخابات ويبقى التقييم وراء كل انتخابات هو الأدعى للتقويم والتصحيح>