شكل القمح (Triticum aestivum) هذا النبات النجيلي (فصيلة النجليليات) الحولي منذ العثور عليه في منطقة الهلال الخصيب بالشرق الأدنى (سورية العراق تركيا ايران..) حوالي 13000 ق. م الملاذ الذى أنقذ مئات الملايين من سعير الجوع والحل الذي وجد فيه الباحثون وصناع القرار مخرجا لمشكلة الغذاء المتفاقمة.
هذا المحصول الذهبي يتميز بكون حبوبه غنية تسد 50 إلى 60 بالمائة من احتياجات الانسان بسبب غناه بالبروتين والنشاء وبنسب تتماشى مع الاحتياجات (7 (نشاء) إلى 1 (بروتين)) إذ لا يكاد يمر يوم إلا وفيه القمح مزروعا أو محصودا.
إذ تستورد بلادنا قرابة 340 ألف طن سنويا من القمح حسب إحصائيات معتبرة بوصفه المادة الأساسية في غذاء أغلب سكان البلاد وإذا كنا اليوم قادرين على استيراد الحبوب وخاصة القمح ففي المستقبل المتوسط والبعيد وربما القريب سنجد صعوبات هائلة في ظل عالم مضطرب أمنيا واقتصاديا ومناخيا مما سيشكل تهديدا خطيرا على أمننا الغذائي؛ ومن أجل نقص الفجوة بين ما نستورد وما نستهلك ليس أمامنا سوى التركيز على الزراعة والصبر على سليبياتها وصعوباتها ووضع خطة متكاملة وشاملة تأخذ بعين الاعتبار ما تحقق خلال السنوات الماضية والبناء على النقاط المعتبرة وغربلة نقاط الضعف وعوامل الخمول.
ورغم العقبات الكثيرة التي تواجه زراعة القمح في بلادنا سواء من الناحية التقنية أو البنيوية يبقى هناك ضوء في آخر النفق فوحدهم الحالمون يمكن أن يتصوروا أن بلادنا ستتحول إلى حقول يانعة وسنابل ذهبية ولكن من واكبوا العملية ودخلوا في التفاصيل يدركون أن علينا ان نواجه الحقيقة بالكثير من الصراحة والشجاعة ووضع النقاط على الحروف والانطلاق بإرادة حقيقة مبنية على قواعد سليمة.
صحيح أنه منذ سنوات قليلة بدت الدولة عاقدة العزم أكثر من أي وقت مضى على إدخال القمح في منظومتنا الإنتاجية كمحصول إستراتيجي يستطيع في الأخير تغطية حاجاتنا من هذه المادة العالمية الغذائية الهامة .
كانت البداية في الموسم الزراعي 2010 ـ 2011 حيث أطلقت الدولة عن طريق قطاع الزرعة وبتعاون تقني مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية عملية ذات ثلاثة محاور :
- البحث
- الإرشاد
- والانتاج
وقد أجريت التجارب الألوية بوجود خبراء عرب لمعرفة الأصناف الملائمة للظروف البيئية والحزام التقني المقبول في المنطقة المروية (شمامه) أساسا والمناطق المطرية كتامورت انعاج على سبيل المثال. ورغم نقاط الضعف الكثيرة إلا أن العملية التقنية أعطت بعض النتائج والتوصيات كمواد الزراعة وكمية البذار ومقادير الأسمدة وأنظمة الري وإن ظل الري بالغمر هو المستخدم، فموعد الزراعة المناسب للمناطق المطرية من بداية أكتوبر، وفي المناطق المروية من 15 نوفمبر وحتى 20 دجمبر.
أما كمية البذور المناسبة فهي 60 كغ/ للهكتار في المناطق المطرية و160 ـ 180 كغ / للهكتارفي المناطق المروية وبخصوص الري فالري بالغمر هو الغالب وهناك 12 ـ 14 رية طيلة الموسم؛ بمعدل رية كل أسبوع وحسب الحاجة وعندما تمتلئ القطعة يصرف الماء مباشرة.
وبخصوص التسميد هناك عدة أنواع من الأسمدة:
1 ـ الأسمدة المركبة: إذ تضاف في التربة قبل ظهور النباتات سماد DAP (ثنائي أمونيوم الفوسفات) دي أمونيوم الفوسفات؛ 100 كغ للهكتار يخلط مع التربة ويقلب معها سماد (9 ؛23 ؛ 30) 100 كغ للهكتار نفس المعاملة السابقة.
2 ـ الأسمدة الآزوتية: اليوريا 4 بالمائة تضاف على دفعات قبل كل رية على أن يكون المعدل العام 300 كغ للهكتار. هذا من الناحية التقنية، أما من الناحية العملية وعلاقة الدولة بالمزارع وطريقة الدعم والتحفيز فقد أعطت الدولة نسبة دعم كبيرة على المدخلات الزراعية البذور والاسمدة وحتى عملية تقليب التربة في مرحلة معينة والتسويق وضمان شراء الغلة بالطرق الاعتيادية عن طريق المؤسسات المعهودة، وواكب هذا الإنتاج محاور أخرى كإنتاج البذور ذلك المحور الذي ظل عقبة كبيرة حيث ظل القطاع يستورد البذور الأساس ويكتفي باكثار الجيل الأول والثاني عن طريق مزارع خاصة تعطى في الاخيرة بطاقة اعتماد إلا أن الأسس لعلمية لإنتاج البذور في بلادنا ليست بخير مما ضاعف المأساة.
نعم، نجح القمح من الناحية النباتية وأعطت بعض التجارب الشخصية نتائج أحيانا مبهرة كتجربة مشروع بدار البركة في ولاية لبراكنة حيث تجاوز إنتاج الهكتار 4.2 طن وهو رقم مهول في بلد مبتدئ في زراعة محصول إستراتيجي وكانت تجربة أخرى في الموسم الزراعي 2014 ـ 2015 مشجعة جدا في منطقة "دارا" 80 كلم شرق روصو حيث استخدمت بعض التقنيات كالبذارة الآلية والري المنتظم والسماد المناسب كما أن الأرض بكر لم تتلوث بعد بالأعشاب الضارة أو الآفات التي تصيب النبات.
أما بقية المزارعين فكنت النتائج دون المستوى بسبب غياب رعاية تقنية مناسبة أو احترام للمسطرة الفنية ونقص التمويل والفقر الشديد وزاد الأمر تعقيدا ضعف التأطير في ظل غياب كوادر فنية متخصصة في القمح.
وهناك عدة إجراءات يمكن أن تساهم في النهوض بزراعة القمح في بلادنا:
- الإهتمام بالمزارع والاستماع له ومساعدته قدر الإمكان وتشجيعه بوصفه العقبة الأولى واللبنة الأولى في نفس الوقت نحو الإنتاج المنتظم، فما لم يحدد هذا المفهوم ونقوم بغربلة حقيقية له وتحديد من هو المزارع سنبقى في دوامة؛ ما هي تطلعاته؟ من أي فئة: تقليدي؛ منضو في تعاونية؛ رجل أعمال؟ أو مستثمر أجنبي وهو ما يسمى بالمزارع المؤقت.
- الاهتمام بالفنيين الموريتانين والكوادر الوطنية فالاسثتمار في الأرض بالمليارت مع إهمال الجانب البشري يعني عودة العداد إلى الصفر.
- تشجيع الاستثمار في مجال زراعة القمح واستصلاح الأراضي الخاصة بهذا المحصول ورفع الجمركة عن الآليات والمعدات الزراعية كالجرارات والبذارات الآلية والمحاريث والحصادات..الخ.
- مكاشفة حقيقة وأيام تشاورية حول زراعة هذا المحصول الإستراتيجي.
- إخراج الزراعة من الحيز السياسي إلى الحيز الفني الصرف والتخفيف من وطأة الجانب الإداري على حساب الجانب الفني.
- النهوض بانتاج البذور وتأسيس مركز جديد مزود بكل التقنيات وأجهزة الاختبارات وتكوين كوادره تكوينا علميا صحيحا.
- إجراء تحسيس شامل في المناطق المطرية لاستبدال زراعة الذرة (ازرع) خاصة في السدود الرطبة بزراعة محصول القمح، ففي نفس الظروف سينتج المزارع نفس الكمية بدل أن يحصد (ازرع) ويذهب به الى السوق لبيعه وشراء القمح فهو قادر على اختزال الكثير من المراحل.
- العمل على توفير ري تكميلي في المناطق المطرية لزيادة الإنتاج.
- مساهمة وسائل الإعلام والقوى الوطنية الحية والشخصيات الاعتبارية للترويج لزراعة القمح بوصفه عملا وطنيا يهم الجميع.