لكل أمة أيامها المسطرة في سجلات تمجد انتصاراتها وتخلد بطولاتها وتضحيات قادتها وفرسانها الشجعان، كما يسجل التاريخ أيضا ولكن بأحرف من ظلام لحظات الإخفاقات والكبوات والمؤامرات والخيانات وأسماء فرسان الغدر والتولي يوم الزحف!.
وقد يحاول بعض خفافيش التاريخ طمس النافع من ذلك وتلميع الضار البالي منه في لحظات يختلسون فيها قطعا من جيف النفوذ والسلطة، ولكنهم ضعفاء لا يلبث التاريخ أن يعري مكيدتهم ويلقي بذئاب الإفك في سلة الخزي والنسيان، لينجلي الحق وتظهر صولته ويزهق الباطل ويذبل شأوه، في إطار تبادل الأدوار السرمدي وحركة الأضداد التي تفسر كينونة التدافع والصراع بين الثنائيات لإعطاء الروح للوجود والحياة إلى يوم الدين.
وقد كان لأبناء موريتانيا إسهامهم الذي لا يمكن نكرانه في إضاءة طريق البشرية في ليال وأودية ووهاد أجمع أهل التاريخ على كثافة ظلامها وضراوة ذئابها البشرية، فكانوا هداة إلى الحق يدافعون عن التوحيد ومكارم الأخلاق في شنقيط وودان وتيشيت وولاته، وكل الحواضر التي عمروها بذكر الله وعمل الخير وإغاثة الضائع وعابر السبيل في أيام لا عاصم فيها النهب والعطش والجوع و...إلا الله!، أيام كان للرجولة معنى وللتقوى معنى وللعفة معنى وللكرم معنى وللشجاعة معنى.. ليجيء الاستعمار الغاشم بظلاميته المصبوغة، محاولا محو كل تلك المرجعيات التي ارتوت هذه الأرض من معينها، ومحاولا مع بعض الضعفاء أن يُنسي أجيالنا تلك "السيمفونيات" التي عُزفت وانتظمت على كثبان تلك الحواضر الطاهرة، حتى قيض الله ذلك الفارس الملثم على فرسه الأبلق متوشحا هنديه الصداح محمد ولد عبد العزيز، ليسكت كل الثعابين ويعيد الألق إلى شنقيط وودان وتيشيت وولاته.. إلى كل موريتانيا في تقليد كأنما يقول: سنحتفل ونحتفل ونحتفل في هذه الحواضر بقدر سنوات النسيان.. سنعيد الحياة.. سنعيد التاريخ سننتصر من جديد!.
وفي سنة تخرج فيها موريتانيا من عرس انتخابي لم يراقبه إلا الموريتانيون، وشهد له الجميع بالنضج والنزاهة واختار فيه أبناء الوطن الأصلح لتسيير أهم مراحل البلاد في العصر الحديث.. سنة شهد فيها الجميع على تطور عملية البناء الاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي والأمني و...، تتالى لحظات النصر والفرح بعرس ولاته وباستحضار تاريخ حافل من المجد والعلم والفن والعمران و...، مقرونا بذكرى الحرية والانعتاق الذي سنخلده قريبا قرب ولاته في مدينة النعمة.. مكان آخر للتاريخ والعزة والشرف، حيث الرمزية إلى إشراك كل الموريتانيين في ممتلكاتهم المادية والمعنوية، في إطار تقليد آخر يؤكد جدية الفارس وترجله الباقي ما بقيت موريتانيا شامخة وقوية!.
هو إذا عناق بين الماضي والحاضر بين الأجداد والأحفاد بين ذكرى ازدهار رياض العلماء وذكرى سيوف وبنادق الفاتحين والمقاومين الأبطال، فهل ستعارضونه أيضا؟!!، أم تفضلون الحفلات الكرنفالية التي لا توحي بشئ أكثر من الميوعة وإفناء مقدرات الأمة في عبثية مقيتة تشي بالضعف وخفة الغرض؟!!.