تابعت كغيري ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي في موريتانيا خلال الأيام الماضية من آراء صدرت عن أشخاص أحترمهم وبيانات عبرت عن مواقف بعض الأحزاب السياسية التي أقدرها. ولا بأس بتسجيل مجموعة من النقاط:
أولا: يسخر بعض أهم المدونين المؤثرين في فضاء التواصل الاجتماعي الكثير من الوقت والجهد من أجل إشغال الناس عن ما يعيشه البلد من واقع خدماتي متدهور ومشاكل عميقة في تسيير أمور البلد ويخوضون في معارك ذات طابع اجتماعي فئوي تفرق ولا تجمع، يبددون طاقاتهم الفكرية ويستنزفون متابعيهم ذهنيا في معارك جانبية مع ما يضيعه ذلك من وقت كان ينبغي تخصيصه للتركيز على توعية المواطنين بمشاكلهم الحقيقية، ثم على الحديث عن الفساد الضارب بأكنافه في عمق الدولة، مع ما يجره من بؤس على حياة المواطنين في حياتهم اليومية وجوانبها المختلفة من صحة وتعليم وخدمات أخرى.
ولعل في انشغال بعض الطيف المعارض ببعضه الآخر ومهاجمته دليل ضعف وعامل تشتت داخل الصف الواحد، وذلك وضع قاتل خاصة أن التوقيت ليس مناسبا في ظل وضع سياسي غائم جزئيا إن لم يكن يعمه الضباب.
ألا تعلم المعارضة أنها – بانشغال بعضها ببعض – تقدم خدمة جليلة للنظام عبر إشغال المواطنين عن مشاكلهم اليومية التي لا يزيدها هذا الوضع إلا تفاقما؟
ثانيا: تبديد طاقات سياسية البلد أحوج ما يكون إليها للتفكير في قادم المرحلة السياسية الدقيقة والحرجة التي يمكن أن تبعد البلد عن مزلق الانهيار خاصة في ظل تحول سياسي غير واضح المعالم نحن مقبلون عليه خلال شهور.
ألا يعتقد ممارسو الشأن السياسي أنهم يضيعون وقتا ثمينا يمكن استثماره لإحداث اختراق في العملية السياسية وربما تجسيد تغيير يحتاجه البلد أكثر من أي وقت مضى؟
ثالثا: موقف منتدى المعارضة من بعض الأحداث الجارية كان ساذجا بدرجة كبيرة، مما يجعل مجرد التفكير في القرارات التي اتخذها والبيانات التي أصدرها أمرا غير مفهوم الدوافع والأهداف.
لم يصدر المنتدى الوطني أي بيان بعد الانتخابات النيابية يشرح فيه رؤيته للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة المتدهورة في البلد، ولم يقدم وثيقة مكتوبة للرأي العام تبرز موقفه من أي قضية ظرفية كانت أو دائمة، ولم يقدم طلبا معلنا لأي جهة معنية من أجل السعي الجاد والحثيث لمعالجة الاختلالات البنيوية التي توشك أن تعصف بالمجتمع، بل اكتفى ببيان أصدره - خلال الأيام القليلة الماضية- لم يراع فيه الشأن الوطني ولا الاختصاص المكاني، بل سعى من خلاله لتوسيع الهوة بينه وبين المواطنين وهمومهم المعيشية محاولا القفز على ذلك بالتماهي مع مشاعرهم الجياشة تجاه قضايا لا تخصهم وليس لهم ذات أولوية. أليس لدى المنتدى ما يعمل من أجله محليا، بدل اكتفائه بدور المتفرج؟
أعتقد أنه يجب التركيز على القضايا الكبرى التي تهمنا مثل العمل على تحسين الوضع المعيشي للسكان، ومحاربة الفساد داخل الإدارة التي هي مصدر القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ثم العمل على حوار اجتماعي جامع يطرح جميع النقاط الخلافية على طاولة النقاش دون أي محذورات أو محظورات، غير ذلك هو مجرد استهلاك للوقت لتدجين للمواطنين. أقول كل هذا مع إعجابي وقناعتي بالثقافة المعارضة لكن المواقف السياسية التي يتبناها متصدرو الشأن المعارض ممثلا في المنتدى تصيبني كغيري من معتنقي النهج المعارض بمزيج من الإحباط والخذلان.