كلمة الإصلاح هذه المرة وجدت في تصرف وزير الوظيفة العمومية أمام النواب ـ ما يشغلها عن جميع الأحداث الأخرى ــ لبراءة أو بهلوانية أو سطحية التصرف الذي صدر رسميا من أحد رسميي الحكومة.
ونظرا لغرابة القول أو نشازه عن الفكر العادي من أي مواطن دخل أمس من البادية إلى الحضر. فإني أود أن أساعد السيد / الرئيس بحكاية شعبية ليقيس عليها توجهاته لوزرائه في المستقبل.
تقول الحكاية الشعبية إن موريتانيا طلق زوجه ثلاث مرات فحرمت عليه ولكنه لا يحب فراقها فطلب منها أن تبحث عن محلل ليعود إليها بعد طلاق المحلل لها وكان هذا الرأي موافقا لفكر المرأة فوجدت محللا ولكن عندما تزوجها حملت منه وأتت بولدين توأمين وطلقها المحلل وعندما أخبرت بذلك الزوج الأول قال لها: نعم أنا طلبت منك هذا ولكنك (ما وسطتى) واستسمج القارئ لإيراد الحكاية لأن المكان مكان توضيح.
فكذلك على السيد / الرئيس أن يستدعى وزراءه قائلا لهم أنا أعلم أنكم تدركون أني أعتبر هيئة المعارضة الحاضر الغائب فمسمياتها حاضرة للاستهلاك ولكن مشاركتها غائبة ولا محل لها في التسيير وقد شاهدتم تغيري للدستور ورموز الدولة فيه بما فيها جزؤكم الأكبر الخ، بدون مراعاة صوت المعارضة ولكن عليكم أن يكون تنفيذكم لتعليماتي الخاصة مهذبة أمام البرلمان ولا سيما في الوقت الذي يناقش فيه ميزانية الدولة، فإذا أكدتم لنواب المعارضة أن هذه الميزانية لا يوجد فيها أي نصيب لموظف منها فما معنى مناقشتهم لها لتتحول إلى جيوب الأغلبية وبعض المعارضة المحاورة "فأنتم ما وسطتم".
والآن أقول لكم بصراحة أني عسكري عربي ووجود مثلي رئيسا للمدنيين لا يرجى منه عادة العدل والحرية والمساواة "إلا مسألة استثنائية" ولكن يجب أن لا يعلن للبشر التصرف بخلاف قواعد الديمقراطية هذه.
راجعوا المادة: 10 و11 و12 من الدستور لتقول لكم هذه الأخرى بصراحة: يحق لكافة المواطنين تقـليد المهام والوظائف العمومية دون شروط أخرى سوى التي يحددها القانون إلى آخر المادة الموالية.
فصحيح أنه في الماضي، ونظرا لانفعالات قد تعـترى العسكريين: فعند سماعي تصرفا لأحد أحزاب المعارضة فقد خصصنا مجلس وزراء لعزل موظفي المعارضة المعينين في مجلس الوزراء وشمل ذلك كل موظف حزبه معارض بغض النظر عن سلوك الموظف نفسه وللمثال فقط فقد شمل ذلك الدكتور الصوفي النائب حاليا ــ المراقب العام للمالية آنذاك وكذلك الدكتور عبدوتي المستشار لوزير التعليم وآخرين.
ولكن يجب أن تـتركوا لي شخصيا التصرف ساعة الانفعالات لأني عسكري وأنتم مدنيون فالكل يعلم أن وجود عسكري رئيسا للمدنيين (ولا سيما في الدول العربية) يعـد صورة نادرة من جمع المتناقضين.
فالعسكرية أول درس في تكوينها هو التـقيد الفوري للأمر بمعنى الطاعة العمياء أي "نـفـذ قبل أن تسأل" ثم بعد ذلك التخصص في فن القضاء على العدو قـتلا أو أسرا أو طرده بعيدا عن مكان الخطر، والتفتيش عن مكان الكمائن المحتملة إلى آخر الدراسات العسكرية المتناقضة مع مواد الدستور التي تـقول: "كل شخص يعتبر بريئا حتى تـثبت إدانته ولا عقوبة إلا بنص" إلى آخره، ولكنـنا نحن العسكريين وبدون مراجعة نعتبر أي مخالف لنا ولو في الديمقراطية عدوا لإرادتنا، لأنـنا لا نعرف التراجع عن الخطأ إلا إذا كان يؤدي في نظرنا إلى فشل خططنا المستـقبلية الأخرى.
فكما تعلمون فأنا وجدت هذه الديمقراطية قبلي عند عسكري لم يقبلها أصلا قناعة منه، ولا أستطيع إزالتها أمام العالم بل نتجاهل أسلوبها داخليا فقط.
ومن هنا أعطيكم نبذة تاريخية "مشفرة" أي قليلة عن تاريخ هذه الديمقراطية التي ابتلينا بنصوصها، نحن العسكريين فقد استوردها الرئيس معاوية بعد ما أحاطت به قضية أحداث 98 من كل جانب، وكان تصرفه في انفعالات عسكرية تسبب فيها تحضير ضباط من الزنوج الأفارقة الموريتانيين لانقلاب عليه وكان هذا التخطيط الانقلابي جهنميا ـ فلو كان وقع لما كنا هنا الآن جميعا لا دستورا ولا علما إلى آخره ــ ولكن ردة فعله هو وإقدام الضباط على المخطط تصادما مع مخالفة آيتين من القرآن كل واحدة منهما أصابت هدفها فآية الضباط قوله تعالى: {واتـقوا فـتـنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} وآية الرئيس معاوية {ولا يجرمنكم شنـئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
ولسرعة تـفاعل تـلك الأحداث عالميا فقد اضطر الرئيس آنذاك إلى استجلاب هذه الديمقراطية والعلاقة مع إسرائيل وطرد كل الهيئات الخيرية الإسلامية بما في ذلك غلق المعهد السعودي وما يصدر منه من علم أو مادة تـنفع الفقراء والجهال ــ بالضبط كما تعلمون فعلنا نحن بعد انفعالاتنا في رد محمد الحسن بن الددو في خطبته على خطاباتنا في الحملة الانتخابية إلى توليناها شخصيا بمعنى أن هذه الديمقراطية مفروض علينا أسلوبها ولكن الرد عليها يجب أن يكون بأسلوب مغلف بدعوى يقبل سماعها، ولا سيما أن ما قام به وزير الوظيفة العمومية كان مكشوفا لأنه أمام البرلمان وفي قضية مناقشة الميزانية فلو كان البرلمان برلمانيا ديمقراطيا ودستوريا حقيقيا لجلس في الحين عقب التصريح وسن قانونا أنه لا يتم تعيين أي وزير إلا بمرور سيرته الذاتية على النواب ليزكوا تعيينه أو يرفضوه، فالسلطة التشريعية كلها موالاة أو معارضة هي جزء من كيان الدولة الأساسي وهو استمرار حياتها التسيـيرية.
وعند توجيهات السيد / الرئيس لوزرائه فقد ظهر في تصرفهم هذا أن ما يقال في الشارع من طرف المواطنين صحيح 100% وهو أنه معلوم أن الوظيفة في الدولة لا تكون إلا بالمسابقات أو بالتسلل داخل الوظائف عن طريق الوساطة مباشرة والجميع لا يستفيد منه إلا من له شخص مواليا مشهورا موالاته، ولذا فإن جميع المقدمين لملفاتهم في المسابقات غير معتمدين على موال قريب أو صديق عنده موال يقولون نحن لا نطمع بالنجاح وطلوع النتائج دائما يرشح تخوفهم هذا فإذا كان أي شخص ينـكر هذا فـلـتـشكل لجنة تحصى الموظفين في الشرائك الكبرى والمسابقات منذ عدة سنوات فسيجدون أن كلام المواطنين مبني على حقيقة غير مقـنـنة.
ومن هنا تود كلمة الإصلاح هذه أن تطرح هذه الأسئـلة:
أولا: هل نحن مسلمون؟ وهل الإسلام أنزل ميزانا من السماء لأهل الأرض لاستعماله في معاملاتهم فيما بينهم وخص نبينا صلى الله عليه وسلم بنزول آيات تشرح مراعاته في كل عمل وهدد كل من يخالفه بالوقوف الخاص في قضية الميزان أمام رب العالمين يقول تعالى {والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان} وأكد الجملة الأولى بقوله {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}.
وهذا الميزان وهو العدل بين جميع الإنسانية بغض النظر عن ما يحمل الإنسان في طبيعة من شذوذ فقد أرسل الله له نبيا خاصا بإقامة هذا الميزان وهو نبيه شعيبا قائلا لقومه: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم} وهـنا يقول لهذه الأمة عن طريق رسولها صلى الله عليه وسلم {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيئين من بعده}.
وبعد ذلك كله أنزل هذا الوعيد الذي يزيل القـلب من مكانه {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو ونوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} فمعلوم لدى الجميع أن الوزراء مجرد آمرين بالصرف في الميزانية لكل مستحق لذلك فهل يعقل أن ينزل فكر أي شخص مسلم عن علم أن الميزانية لا ملك له فيها خاصا إلا راتبه وهل يعقل أن ينزل فكر أي إنسان مسلم أنه هو المسؤول وحده عن عدالة ميزان هذا الصرف لمستحقه.
وهل يستطيع الوزير الأول أن يأمر وزير المالية ووزير الميزانية أن يمنعا مؤسسة المعارضة من نصيبها في الميزانية فبأي منطق يكون المعارضين في وزارة الوظيفة العمومية خاصة لاحق لهم في الميزانية بل يطردون من الوظيفة إذا أعلنوا بألسنتهم أو بلسان حالهم فقط أنهم غير راضين عن بعض أفعال الرئيس.
ولشرح هذه الفذلكة من المقال نقول فهل إذا أعطي رجل لوزير الوظيفة العمومية مالا وأمره أن يعطيه لأي فقير مر عليه يستحقه فقام الوزير ولم يعطه إلا لفقير قريب له أو موال للرئيس فهل هذا التـنـفيذ مطابق للأوامر أو يعـد خيانة للأمانة المسؤول عنها أمام الله في قوله تعالى {إن الله يأمركم أن تودوا الأمانة إلى أهلها} وهنا يقول المولى عز وجل للمحرمين والمحللين للأشياء من تـلقاء أنفسهم {أفرايتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ـ ألله أذن لكم أم على الله تـفـتـرون}.
فمن المعلوم عند كل مسلم أن المسابقات يترتب عليها حقوقا لا يجوز لأي مسؤول في تنظيمها أن يتجاوزها سواء كان في المسابقات الكتابية أو الشفهية بزيادة جزء من نقطة أو نقصانها ولا تأخر رقم شخص عن مكانه ولو في لائحة الانـتـظار حتى ولا أخذه فيها قبل من هو مسجل قبله، فإذا قام مسؤول وباع آخرته بدنياه أو بدنيا غيره كما هو المبالغة في آخر تـفـليس ابن آدم وهو بيع آخرته بدنيا غيره فإن كل راتب ترتب على هذه المسابقة بدون حق ستحسب على المصحح سيئاته إلى يوم القيامة بإعطائه لهذا وحرمان ذلك والله يقول لهؤلاء وأولئك {الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}.