أخبار الذهب لا تنتهي وكل يوم تطالعك قصة جديدة ولكن هناك تساؤلات ما زالت تحيرني كثيرا عندما قابلت المنقبين الوافدين من خارج تيرس الزمور والذين اكتظت بهم المنازل في مدينة الزويرات بمعدل 20 فردا زيادة على أفراد الأسرة.. سألتهم كيف وصلتهم أخبار الذهب حتى يخرج هذا الكم الهائل من الناس؟!
أجابني بعضهم أنهم تلقوا رسائل عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي: الوات ساب.. والفيس بوك ومن التلفون العادي بالصوت والصورة.. بأن هناك جبل من الذهب الخالص في (كلب أندور) ينتظرهم على الجانب الآخر... قلت لهم ألستم في مدينة الزويرات؟ عاصمة تيرس زمور قالوا بلي... لماذا لا تذهب ساكنة هذه المدينة التي يعيش غالبيتها تحت خط الفقر الى هذا الجبل بما أنه الأقرب لهم ولا يحتاجون لتكاليف السفر ولا لرخصة التنقيب..!!
قال لي أحدهم لما وصلت إلى هنا وتبين لي أن هذه الأخبار غير دقيقة اتصلت على الأهل ممن يتهيأون للحاق بنا وقلت لهم إن الخبر حمل أكثر من حقيقته وأن الأمر عادي جدا أجابوني: هل تريد أن تحرمنا بعد أن أخذت حصتك من الذهب..!!
وأصبحت في هذه الحالة بين نارين بين اتهام الأهل بأنني أكذب عليهم وبين واقعي حيث أنفقت ما عندي وليس أمامي إلا العبور إلى الذهب الموعود...!!
هذا الواقعة ذكرتني بحالة مماثلة حدثت قبل ثلاث سنوات في مثل هذا اليوم من سنة 2016م عندما انتشرت كتابات وأخبار مفادها حصول الكثير من الناس على كميات معتبرة من الذهب في صحراء تازيازت بولاية إينشيري، شمالي موريتانيا..
صحيح أن الشائعة عادة ثقافية متداولة لدى فئات عريضة من الشعب الموريتاني، يجد فيها البعض التأثير على الأحداث في مجتمع يهتم كثيرا بالقيل والقال.. خاصة بعد توفر وسائل خطيرة مثل الموبايل والانترنت ووجود ساحة خصبة لهذه الشائعات..
وهي حدث أعيد إنتاجه عدة مرات وخطورتها أنها لا تعتمد على مصادر مباشرة موثوقة تأتى عادة لتغطى فراغا معرفيا تعذر سده بطرق السليمة..
ولهذا فإنها تنتشر في المجتمعات التي لا تتوفر على طرق شفافة ومحايدة لتناول المعلومات الصحيحة...
استمرت عمليات التنقيب واستفاد من استفاد واستنزف وخسر من خسر...
ولكن المنقبون كشفوا لنا عن سر الشركات التي كانت وما زالت تستنزف خيرات هذه البلاد وعلى رأسها تازيازت حيث أن الخبراء واستنادا إلى المعلومات المتعلقة بالاستغلال المعدني في مناجم الذهب اتهموا الشركة بالنهب الممنهج لثروة الشعب وتقديم أرقام مغلوطة للجانب الموريتاني عن حجم الذهب المكتشف.. وأن أغلب شركات التعدين لا تعلن عن إنتاجها الحقيقي...
بدليل أن الأجهزة الخفيفة والبدائية التى يستخدمها شباب الذهب استخرجوا بها كميات كبيرة وصلت لعشرات الكيلوغرامات فما بالك بشركة عملاقة مثل شركة "كينروس" تازيازت التي تستخدم آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا؟؟!!
وهذا يعني ضرورة إجراء مفاوضات جديدة وتشديد الرقابة على شركات التعدين...!!
وإذا كانت تازيازت قد فعلت فعلتها في إنشيري!! فان تيرس زمور كانت هي الأخرى ضحية لشركة أخرى للتنقيب قد لا تقل خطورة عن تازيازت وهي الشركة الأسترالية (اسفير) فقد أخبرني أحد مخبري الخاصين أن هذه الشركة قد أنهت عمليات التنقيب في المنطقة ، حيث شملت تنومرن و(كلب أندور) والعوج (تنتكرات)- امشكلن تونجرت .. اتواجيل ومن التواجيل إلى تورين ثم اجريف في آدرار.. ثم واد الشبكة في نوذيبوا..
غير أنها تريد أن تستغل وحدها منجم (آسكاف)، الواقع بين افديرك واتواجيل، بالإضافة إلى منجم العوج بمحاذاة افديرك بالشراكة مع الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم).
يقول المصدر أنهم مكثوا في هذه المنطقة قرابة سنة كانت شاحناتهم تمتلئ بصناديق متفاوتة الأحجام ويسلمونها لمكان في تفرغ زينة لتشحن عبر البحر.. بدون أي وجود لوزارة المعادن أو من يمثلها..!!
وهذا ذكرني بخبر مماثل حدث في تاودن لما جاءت شركة للتنقيب عن الذهب وقالت إنها ستشيد مطارا هناك وسرعان ما تراجعت عن وعودها لأنها تفاجأت بكميات كبيرة من الذهب السطحي وقال شهود عيان إنهم شاهدوا تواجدا غير مسبوق لطائرات صغيرة ومتوسطة وهي تذهب وتأتي بشكل مكثف.. ناهيك عن السواح وفرق الصيد التي تأخذ من الذهب الخالص أكثر مما تعطي من العملة الصعبة.. وهكذا...
والسؤال الذي يطرح نفسه من المسؤول عن هذه السرقات؟ أهو غياب الدولة عن هذه الأماكن المهمة؟ أم أنه جهل المواطن؟ أم هما معا؟
وبعودة مبرمجة إلى موضوعنا يحق لنا أن نتساءل ماذا يريد مصدر الشائعات من هذا الكم الهائل من البشر؟!
صحيح أن مداخيل مستلزمات التنقيب عن الذهب كالأجهزة والسيارات وغيرها قد بلغت الملايين.. وازدهرت الأسواق حتى تلك التي كانت راكدة كسوق الزويرات مثلا... ولكن وحسب رأيي الخاص هناك هدف غير معلن ربما يكون منطقي فهذه "منطقة عسكرية مغلقة" تنشط فيها شبكات التهريب، وتشهد بين الفينة والأخرى عمليات مطاردة بين الجيش الموريتاني والمهربين.. فهل تكون مافيا التهريب والمخدرات وراء هذه الشائعات حتى تنتهز الفرصة لعملياتها التي كانت محدودة؟!