كلمة الإصلاح تود أن تقول للجميع أنها أدركت ولله الحمد قليلا من حكم السيد / الرئيس المختار بن داداه ونعم الحكم آنذاك كما أنه نعم الشعب ـ ونعم البيئة آنذاك إلى آخر النعم.
وبذلك تكون عايشت حكم جميع الأنظمة العسكرية إلى اليوم والحمد لله على ما أولى من نعمة الحياة المنتهية لا محالة.
وعليه فإني أود أن أعلق على هذه الأحكام تعليقا يكتب قـلمه أن أي حكم يكون دائما تابعا لشخصية صاحبه لا أي صفة خارجة عنه وبناء على ذلك فلا يحكم المنصف على حكم أي أحد جزافا بسبب صفته الخارجية المشتركة.
فنحن نعلم أن العسكرة صفة طارئة على الشخص يتكون عليها ويجب عليه العمل بها في محلها، ولكن عندما يعمل خارجها عليه أن يتكيف مع القانون الخارجي وضوابطه الخ.
فموريتانيا أول رئيس عسكري حكمها المرحوم المصطفى بن محمد السالك ومعه لجنة لتسيير الحكم جماعيا والجميع حكم موريتانيا بدون الرجوع إلى حكم الرئيس المدني قبلهم وموريتانيا قبل ذلك الحكم المدني لم تكن دولة ولا حتى مشروع دولة بل كانت قبـلية منظمة للحياة على ذلك الأساس ولكنها استـلمها آنذاك من حياته ديمقراطية خـلقيا تـلقائيا.
وبما أن العسكريين لا خبرة لهم في الحكم المباشر لا بالنظام الديمقراطي ولا بالنظام الدكتاتوري فلم يحكموا موريتانيا بأي من هذين الحكمين بل بحكم التسيـير العفوي للدولة وحضور الأصدقاء والقرباء أيا كانوا في هذا الحكم.
ونظرا إلى أن موريتانيا وضعها القدر في نقطة لا يمكنها إلا أن تجعل الدول العربية هي قبلتها أولا لأنها يجمعها معهم الإسلام واللغة فكان العسكريون أكثر ما يلفت نظرهم هم حكام الدول العربية، إلا أن تلك الدول مع الأسف اجتالتها بسرعة النزعة القومية العربية.
وفي الوقت الذي نكتب فيه هذه الفكرة فلا أعلم أحدا أقرب مني للعروبة ولا أعز علي منها ولا أقرب في نفسي ولكنها عروبة الإسلام وليست عروبة القومية المحضة، فمن أسلم من قريش فاستمسك بقرشيته مع إسلامه أي ما يأمره الإسلام به في المكان الذي يضع الإسلام فيه النسب وفي المكان الذي يرفعه فيه إن استقام في الإسلام.
وبما أن موريتانيا كما قلت سابقا لم تكن دولة عندها أسس الدولة الثابتة مثل دول المغرب الأخرى فقد أصابتها في الصميم الدعوى القومية على غير هدى إسلامية وكادت أن تعصف بها لولا أن موريتانيا الزنوج علموا بذلك وقام ضباطهم بتخطيط ردة فعل جهنمية لأنها شبه اغتيال جماعي لأنهم قلة ولا يمكنهم من الوضع إلا شبه الإبادة ـ فمن لطف الله بهذا المجتمع البريء غالبيته أن علم الرئيس معاوية بالمخطط وأفشله فشلا تجاوز فيه الثأر إلى المدنيين البرآء وقام بما قامت به إدارته بدون أي مساعدة ولا موافقة من المدنيين الموريتانيين الآخرين على طول موريتانيا وعرضها بالرغم من ما فعل الشعب السنغالي بالمواطنين الموريتانيين الناطقين بالحسانية بيضا وسودا.
وعلى كل حال فبعد ذلك جاء الحكم العسكري بهذه الديمقراطية العرجاء التي ما زلنا نحن فيها، وقبل أن نذهب بعيدا عن تحليل أحكامنا السابقة فإن القاسم المشترك لجميع رؤسائـنا السابقين الأربعة أنهم تركوا الحكم وهم فقراء إلى أقصى حد.
فالرئيس المختار رحمه الله برحمته الواسعة كتب أنه لو عزل قبل شهر يوليو قبل عطلته التي كان يقرض من الدولة راتبه في شهر الراحة لينفق به على نفسه في الراحة لسجن وهو مدين للدولة براتب الشهر.
والمرحوم برحمة الله الواسعة أيضا المصطفى بن محمد السالك توفي بعد خروجه من السجن كما قال إنما سجن عليه غيرة منه على تجاوز اللجنة العسكرية أيام هيدالة لمبادئ اللجنة المتفق عليها ورحل إلى الرفيق الأعلى بدون أن يكون معه شيء من مال الدولة يراه الشعب.
وكذلك الرئيس هيدالة لم يفكر في فلسفة حكم الدولة ولكن طبيعته وفكره يؤكدان له أنه سوف يموت ويخاف من رب العالمين ــ ولذا استـثمر سلطته في الرجوع إلى ما يقال له إن الشريعة تأمر به في كل ذلك الشيء سواء في الحكم الجنائي وغيره وعطلة الأسبوع والرفع من معنويات القضاء الإسلامي إلى آخره.
أما السلطة نفسها فلم يتجاوز فيها فهمه للحكم العسكري وهو تسيـيره بما يقال له في شأن الحكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر بمعنى يتعامل بما يسمع وينفذ على ضوئه وأظهر في حكمه خوفه من الله ولكن بطانته سارت من غير علمه إلى هدف آخر وهو التخطيط للانقلاب القادم.
أما المال فيكفي أنه عند تفتيش حسابه من طرف الدولة وجد فيه 6 آلاف أوقيه وهو يقول إنه ظن أنه ترك فيه 36 ألف أوقية ولم يترك لأهله إلا بطاقة بنزين تحمل ستمائة أوقية فقط من البنزين.
وفي ذلك الوقت لم يكن يملك أي منزل للسكن بل عنده قطعتين أرضيتين إحداها أعطاها له المختار رحمه الله أيام الحرب قسمت قطع على الضباط والثانية أعطاها له زميل زنجي كان وزيرا للمالية.
أما الرئيس معاوية فلا شك أنه كانت عنده ثـقافة مدنية زائدة على ثـقافته العسكرية وكان يريد أن يطبقها للرفع من مستوى الدولة الموريتانية، إلا أن الأحداث الطارئة اختطفت كل أفكاره حتى اضطرته إلى إحضار الديمقراطية التي أضاعت البلد خلقا وخلقا فرجعت القبيلة بأسوأ استعمال لها وهو إقصاء الآخرين، ونهب المنتخبون خيرات الدولة وحولوها إلى جيوبهم وحساباتهم وساحاتهم البدوية والحضرية ــ ولكن للأمان بدون أن ينـتـفع هو شخصيا بأي أوقية من مال الدولة كما ظهر للجميع بل يحسب له حسابا إنجازيا عظيما تعريبه للدولة تعريبا عاما في وقت واحد إلا أن الأحداث كما قـلت سابقا نسفت كل ذلك، فرجع عن تعريب المدارس ورجعنا إلى المراوحة في المكان الأول قبل الأحداث بدون دكتاتورية وكذلك بدون ديمقراطية.
وهذه هي الحالة التي استـلمنا فيها هذا الرئيس بمعنى لا دكتاتورية ولا ديمقراطية ولكن تسيـيرا عسكريا بمواد ديمقراطية وإلى الآن.
ومن هنا أدخل في تحليل تسيـير الرئيس محمد بن عبد العزيز للحكم لأن الجميع موالاة ومعارضة يعرفونه وإن كان كل واحد منهما يفسره على عنوان الموالاة والمعارضة ولكن أنا أريد أن أقول رأيا وهو عنوان هذه الكلمة وهو أن على الموالاة والمعارضة أن يبحثوا في ذاكرتهم أنه حان لنا أن نكون دولة بمعنى الكلمة ونتغاضى عن جميع ما تـقدم.
وأنا سوف أفرض في هذا الرأي أن هذا الرئيس ستـنتهي ولايته لأن ذلك هو الواجب فإذا كان هو الذي سيخلف نفسه أو من يكون له بوتينيا فعلى المعارضة أن تهيئ مراكبها وتترك في مراكبها مكانا واسعا للفقراء في هذا المركب والفقراء هنا تشمل كل من لا واسطة له ولا قرابة وتترك الموالاة يمدون أرجلهم وأيديهم في جميع الاتجاهات يسرحون ويمرحون في الوزارات والشرائك ويتوسعون في الندوات والتدوينات والمبادرات وليتكلموا شعرا ونـثرا ومقالات وتدوينات "بمعنى يحتلوا موريتانيا ناقص معارضة وفقراء.
أما إذا كان الرئيس سيكـتـفي بما عنده (وأصرح هنا أني أجهل تماما هل هو غني أو فقير لأني لا أتابع إلا ظاهر العمل ولا شك أنه أنجز كثيرا وانحرف في كثير) ولذا فإن كلمة بما عنده هنا نكرة تطلق على أي شيء وذلك يكفي في الدنيا كما كفى الأولون لأن الرحيل عن الباقي هو الممر الإجباري الذي لا بد من المرور به.
أما إن كان هذا الرئيس سيذهب في انتهاء النصف الأول من السنة القادمة نهائيا فعلى الموريتانيين موالاة أو معارضة أن يشترطوا على أي مرشح يقدم اسمه للترشيح أن يختار مدرسة من الديمقراطية الحقة أو الدكتاتورية الكاملة ـ فإذا اختار الديمقراطية فلا بد أن يمضي أربعة أشهر القادمة مستشارا لأحد رؤساء الدول الغربية وتطلب موريتانيا من تـلك الدولة أن تعيده إليها بتكوين كامل لمعرفة الديمقراطية وعندما يترأس سوف يعلن للجميع أنه كأحدهم ويخطب في أول جلسة له خطبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أيها الناس إني وليتكم الخ.
وسيقوم بعمله وهو يتيقن أنه لا يملك من هذه الدولة إلا راتبه المحدود ولا يملك شيئا يعطيه لقريب ولا صديق بل هو يتعامل فقط مع التسيـير الخارجي الذي لا يفعل فيه إلا ما يرضي الشعب فلا يربط علاقة مع أي دولة ولا يقطعها مع أخرى إلا برضى الشعب إلى آخره بمعنى أن هذا الرئيس سيحكمنا بالديمقراطية المكتوبة في القوانين.
وأما إن اختار المرشح الحكم بالدكتاتورية ونجح فإن هذا الرئيس عليه أن يذهب إلى السعودية أو الإمارات أو أي دولة تطبق فيها الدكتاتورية تطبيقا كاملا فلا موالاة ولا معارضة فهو للجميع وخيرات الدولة هي للرئيس ولكن يعطيها للجميع وكل من أسندت إليه مهمة فلا يستطيع التصرف فيها خوفا من سلطة الدكتاتور.
فهذان الرئيسان هما اللذان ينـتـفع الشعب كل الشعب من حكمهما.
أما المنزلة بين المنزلتين فلا يرضى بها إلا من هو مغلوب على أمره.
فنحن الآن في حالة حكم "ولو من غير قصد الحاكم" يرثى لها فمن لم يعلن ولاؤه فبطاقة هويته صدقة عليه فقط فلا تقربه من أي شيء يصدر من الدولة.
فعلينا أن نتصور حيـيـن متجاورين أحدهما موال والآخر معارض ما هو مواقف الوزراء منهما؟ فويل أم وزير يفتح مدرسة أو يحفر بئرا أو يدخل إسعفات أو مصحة للحي المعارض ومع ذلك كله فالمعارضة هنا تقال لعدم إظهار الولاء وعند وزير الوظيفة العمومية تفسير ذلك كما قال.
فموريتانيا الآن عليها أن تـتـكاتف وتبذل كل جهد على إزالة أن لا ديمقراطية هكذا وأن لا دكتاتورية حتى يتساوى الجميع فيما عند هذه الدولة.
ومن أراد أن يدرك هذه الحقيقة بالعين المجردة فـليذهب إلى جميع المسابقات الواقعة في هذه السنة والسنوات الماضية وفي جميع المجالات وليذهب كذلك إلى الشرائك وينظر إلى مكتـتبـيها في السنوات الأخيرة فسوف لا يرى إلا بصمات الموالاة أو أصدقاء الموالاة.
وهنا أصرح أيضا أن هذه الدكتاتورية المغطاة بثوب الديمقراطية لا يظهر أن ميلادها متعمدا هكذا ولكن هو بصمات الحكم العسكري تـلقائيا ولم يجد أي موجه يشير له إلى اتجاه آخر والمسار على هذا الطريق بدون أي عقبة موافق طبيعيا لطبيعة الإنسان من حيث هو (وإنه لحب الخير لشديد).
وأخيرا يقول الشاعر:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى *** فـلم يـستـبــين الرشـد إلا ضحى الغـد
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.