تشهد الموالاة هذه الأيام حراكا متسارعا يسعى إلى تجديد وإظهار مدى ترسيخ ولائها في ذهن صاحب القرار في القصر الرمادي وذلك عبر مطالبته بالترشح لمأمورية ثالثة. هذا الحراك - رغم عدم دستوريته - يستدعي قراءة لواقع هذه الموالاة ومسيرتها في الساحة السياسية ومصيرها المستقبلي، فالموالاة في موريتانيا هي ذلك الطيف الذي يجده الرئيس القادم إلى سدة الحكم أمامه في المشهد السياسي والإدارة، يناصره ما دام في السلطة ويناصبه العداء بمجرد نفيه منها، وبهذا المنطق فالموالاة السياسية ليست منظومة تمتلك رؤية إصلاحية تحاول تجسيدها على أرض الواقع عن طريق الوافد الجديد إلى سدة الحكم، بل هي - في غالبها الأعم - مجموعة من التكتلات ذات الطابع الانتفاعي، الذي يوفر للنظام الكتلة الناخبة مقابل امتيازات في دوائر صنع القرار. وعلى هذا الأساس فالموالاة مجرد طاقة توفر الحركية السياسية التي تمد النظام بوهم الحاضن السياسي العميق.
وعلى مر التاريخ السياسي الموريتاني القصير ارتضت الموالاة أن تكون مجرد ظل مطواع لرئيس الدولة وحكومته تسعى جهدها لاسترضائه وتمده بنشوة القبول الشعبي المكذوب. ولم تكن يوما نبراسا يضيء لرئيس الدولة دياجير الطريق، ولم توفر له قط البطانة الصالحة بل ارتضت لنفسها مشاركة الرئيس أخطاءه الفادحة بحق الوطن عاملة بذلك على التضحية بحجمها ونفوذها لإشباع نهم شخص واحد في الحكم كي يجسد الألم ويبعد الأمل. وبذلك اكتسبت الموالاة نفسا صدئة وقلبا بائسا ومساهمة لا يستهان بها في ترسيخ الواقع السيء للبلد.
ويتضح ذلك جليا حين تتأمل في تعاملها مع قيادات الأنظمة المتعاقبة والتي لا تنظر إليها كحقائق ثابتة يجب تسخيرها لتوزيع المنافع على المواطنين بل تستمتع بالتعامل معها كحوادث عابرة يجب اغتنامها لاقتناص فوائد مهما كانت طفيفة.
ولذلك تجد أغلب أفراد الموالاة يسخر كل وقته وجهده في تنميق أي كلمة صادرة عن الرئيس بل يعمد أحيانا إلى تحويرها وتنميقها بما يخرجها عن سياقها وتحميلها ما لا تحتمل، كل ذلك محاولة لنيل رضا مفقود أو كسب ود متوقع. بل إن بعض قادتها يؤمن بالرئيس كإيمانه بالله تعالى الله عن ذلك، حين يسقط عليه بعض الصفات الإلهية التي وردت في الذكر المحكم.
ومما زاد رصيد الموالاة أن قادتها لم يستشعروا الدهشة عند المواطنين من أفعالهم التي هي مدعاة في الغالب إلى الخجل خاصة حين تجد الشيخ المجرب الذي عركته التجارب وحنكته الأيام يقدم قومه يوم الكريهة مستنفدا طاقته لإظهار فروض الطاعة والولاء. بل أظهروا أنهم يتنفسون في ظل هذا النظام "الأمل" في مستقبل أفضل للبلد، مع أن الوقائع والشواهد تقول إنهم يتحسسون ألم التهميش الذي طالهم من هذا النظام.
والموالاة مع كل ما سبق تعذر النظام على تقصيره اتجاه الوطن وتغدر بالمواطن عند مطالبته بحقوقه مهما كانت ملحة أو ذات صبغة إصلاحية يقتضيها الواقع وتمليها الضرورة. كما لم تدخر جهدا من أجل إرضاء النظام بل استخدمت كل ما لديها من ذخيرة لفظية وفكرية لإظهار الولاء وتجسيده وبإبداع منقطع النظير. لقد سعت الموالاة جهدها لتوسيع الهوة بين المواطن والدولة وحازت سبق الانتفاعية وحققت ريادة التلون ففقدت ثقة المواطن ونالت تجاهل صاحب القرار، حيث تؤكد الشواهد أن رأس النظام الحالي يظهر تجاهلا كبيرا لهذه الموالاة، وذلك لعلمه التام أنها ليست بذلك التجانس الذي يجعلها قوية النواة بحيث يمكن الركون إليها في وقت الضيق والشدة بل يمكن أن تتبخر في الهواء عندما تكون الحاجة إليها ملحة.
ومع كل ما سبق الموالاة اليوم تجد نفسها في وضع لا يقل سوءً عن واقع الوطن الذي تسعى إلى تدميره والجلوس على أنقاضه، حيث أنها مجبرة على تبرير أخطاء النظام مهما كانت جسيمة والتزام الصمت المطبق عن خطاياه مهما كانت مهلكة.
ويتجلى ذلك حين نرى تبريرها المتهافت لسعي النظام الحالي إلى تجريف ثروات البلد وبيع أصولها مثل ما فعل مع صفقة الصيد، وتازيازت وغيرهما، وصمتها المطبق عن الظروف المعيشية الصعبة للمواطنين ولعل المجاعة التي تعرض لها سكان قرية الزرافية بالشرق الموريتاني الذين أهلكهم الجوع وأضنتهم المسغبة أكبر دليل على ذلك.
الموالاة اليوم تحتاج حوارا داخليا يرتب الأولويات ويجعل من وحدة الوطن وبقائه وتطويره هدفا أسمى يجب السعي إليه، تحتاج الموالاة إلى قليل من نكران الذات في سبيل موريتانيا التي هي أحوج ما تكون إلى أبناء بررة، لا إلى من يشعرها أنها أم ثكلى أو عقيمة لن تجد من يمدها بالرعاية عند الحاجة، وإن لم يفعلوا فليذهبوا إلى ركن قصي من مزبلة التاريخ، وليتركوا موريتانيا لمن قد تجد عنده من الاهتمام ما تستحق.