بعد ركود طويل، عرف ملف النزاع بالصحراء الغربية خلال السنوات الأخيرة، العديد من التطورات على المستوى الدولي، تعكس اهتماما عالميا جديدا من أجل البحث عن حلول مناسبة. وتوحي عدة مؤشرات، خاصة منذ تولي الملف في أغسطس 2017 من طرف المبعوث الأممي الحالي السيد هورست كوهلر (Köhler) -الذي طالما دافع عن ضرورة المعالجة الداخلية للمشاكل الإفريقية من أجل الحد من تدفق المهاجرين نحو الشمال- إلى وجود ترتيبات لوضع اللمسات الأخيرة على النسخة الإفريقية من "صفقة القرن" في منطقة غرب إفريقيا والساحل، بالتزامن مع صفقة القرن الخاصة بفلسطين في الشرق الأوسط.
يتعلق الأمر بطبخة سياسية دولية، تهدف لحل أقدم النزاعات الإقليمية في منطقة إفريقيا الغربية والساحل، أي قضيتي الصحراء الغربية وشمال مالي. حيث يعتقد بأن الشروع في تنفيذ الصفقة سيكون متزامنا في الملفين، بعد أن يحظى بالقبول من طرف البلدان الرئيسية المعنية.. وبمباركة من القوى الدولية الكبرى..
وقد عرف ملف الصحراء الغربية بشكل خاص، خلال سنة 2018، ديناميكية واضحة، بفعل تزامن الاهتمام الدولي الجديد بحلحلة الملف المستعصي، مع عدد من التطورات الدولية يمكن رصدها من خلال المعطيات التالية:
- تحول ملف الصحراء إلى موضوع مصيري في أجندة الاتحاد الإفريقي، ابتداء من فبراير 2018 بعد تولي الرئيس الرواندي بول كاغاميه، بشكل مدعوم من طرف ألمانيا ميركل وفرنسا ماكرون، مأمورية رئاسة الإتحاد الإفريقي؛
- الدخول القوي للدبلوماسية الرواندية على خط البحث عن حل لقضية الصحراء، بموافقة كل من الاتحادين الأوروبي والإفريقي، والأمم المتحدة، ضمن مقاربة ذكية عنوانها "الحل أممي والمعالجة إفريقية"، وذلك من خلال الدور المتميز الذي لعبته السيدة لويز موشيكيوابو، وزيرة الخارجية الرواندية السابقة؛
- تطور التفاهمات الجزائرية ـ المغربية نحو القبول بتقسيم الصحراء، كما أقترحه في الأصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عندما كان وزيرا للخارجية، من خلال العودة إلى اتفاق مدريد حول تقاسم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا؛
- ضعف الموقف المغربي المتمسك بحل الحكم الذاتي، على المستوى الدولي، خاصة، بعد وصول الرئيس الأمريكي ترامب، ومستشاره الجديد للأمن القومي، السيد جون بولتون، المعروف بميوله المؤيدة للموقف الصحراوي؛
- دخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وحضور جبهة البوليساريو إلى جانبه في قمة الاتحادين الإفريقي والأوروبي في أبيدجان؛
- عدم معارضة المغرب كليا للتقسيم المرتقب لإقليم الصحراء، خصوصا بعد تصريح رئيس الوزراء الجزائري، السيد سيدي أحمد أويحيى، بأنه يقف مع تسليح البوليساريو ومع الاستفتاء، وهو ما قد يهدد المنطقة بالرجوع إلى نقطة الصفر والتراجع عن اتفاق وقف إطلاق النار؛
- استمرار مسلسل التوتر في ما يشبه أجواء حرب متوقعة في المنطقة العازلة "الكركرات"، وهو ما قد يودي إلى دفن اتفاق مدريد كليا إذا ما اندلعت مواجهة عسكرية قادمة، وسيصبح من المتعذر بعد ذلك، الرجوع إلى حل محتمل ضمن سقف اتفاق مدريد؛
- دعوة الملك الإسباني فيليبي السادس، إلى الحوار بين البوليساريو والمغرب، ولقاؤه مع ممثلي مواطنيه الذين لم يتوصلوا بالمبالغ المحددة من السلطات المغربية، كتعويضات حسب ملاحق "اتفاق مدريد" التي ذكرت بها جريدة "لابروفانسيا" قائلة إن مدريد والرباط، التزما باتفاق أمني وآخر بخصوص دفع التعويض لعائلات العمال في شركة "فوسفاط بوكراع" الذين استهدفتهم هجمات "إرهابية" بين عامي 1974 و1977، حيث قبلت الرباط بتعويض المحتلين الإسبان عن خسائر قام بها البوليساريو.
- تجميد الاتحاد الإفريقي لمهمة مبعوثه الخاص لقضية الصحراء، الرئيس الموزمبيقي الأسبق، جوواكيم شيسانو، ضمن مسعى لعدم تعكير صفو المغرب، الذي يعتبر الرجل متحيزا بشكل مسبق ضده.
- تأجيل البوليساريو مقاضاة الملك السابق، خوان كارلوس في المحكمة الأوروبية بتهم تتعلق بـ "جرائم حرب" مقابل اتهام الإسبان لها بـ "الإرهاب". ولا يزال الوضع قائما على تغليب "البعد السياسي" على البعد "القانوني" في هذا الملف، خوفا من تجاوز الأوضاع القريبة من الانفجار في "الكركرات"، لسقف "اتفاق مدريد"، وما يمكن أن يحمله من بذور لحل النزاع في الصحراء الغربية.
في أكتوبر سنة 2017، قام المبعوث كوهلر، بأولى جولاته في المنطقة، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل جاهدا لدفع المباحثات حول هذا النزاع المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، إلى أمام. وبعد مرور أكثر من سنة على تعيينه، ذكرت صحيفة "بيريوديستاس" الإسبانية الصادرة بتاريخ 14 أغسطس 2018، بأن مقترح المبعوث الأممي الجديد إلى الصحراء المغربية، السيد كوهلر، لا يشبه مقترحي الطرفين، لا الحكم الذاتي ولا تقرير المصير.
بل إن هذا المقترح يتضمن عناصر من أجل "حل دائم"، يكون على شكل حكم كونفيدرالي على طريقة "الكومنويلث"، وعلى طريقة دول التاج البريطاني، أو كما هو الوضع في علاقة دولة بورتوريكو بالولايات المتحدة الأمريكية. واعتبرت الصحيفة أن مقترح "الحل الكونفيدرالي" سيبقى مطروحا رغم أنه لن يلقى ترحيبا سريعا من المغرب الذي مافتئ يتشبث بسيادته على الصحراء.
وقد نجح كوهلر فعلا في إعادة إطلاق المفاوضات المتعثرة بين الأطراف المعنية منذ عشر سنوات، في جنيف في الخامس من دجمبر 2018.
في الحقيقة، لقد قد تم طبخ الأفكار التي تشكل المادة الأولية لمقترح "الحل الدائم" في مركز ألماني للدراسات الإستراتيجية هو "مؤتمر ميونيخ للأمن"، الذي سبق أن عملت معه السيدة لويز موشيكيوابو، التي كانت وزيرة للخارجية الرواندية بين عامي 2009 -2018، وأصبحت الأمينة العامة الحالية للمنظمة الدولية للفرانكفونية. وهي شخصية نسائية وازنة، وسياسية وأكاديمية متميزة، متزوجة رجل أمريكي أبيض. وقد سبق لها أن عملت مع إحدى شركات اللوبي بواشنطن سنة 1988، قبل أن تتولى إدارة الإتصال في البنك الإفريقي للتنمية.
وهكذا، وبرعاية من "مؤتمر ميونيخ للأمن"، أصدرت السيدة لويز موشيكيوابو، العضو في المجلس الاستشاري للمؤسسة الألمانية، تلك الورقة التفكيرية، التي تبناها المبعوث الألماني كوهلر حول مقولة "الحل الدائم" في الصحراء الغربية.
وتقوم ورقة "الحل الدائم" على فكرة قيام كونفدرالية بين موريتانيا والدولة الصحراوية المعترف بها إفريقيا، حيث قد يكون الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعد بالموافقة على المشروع، على أن يكون تسليح جيش "دولة" البوليساريو، التي ستتحد كونفدراليا مع موريتانيا، ضمن سقف تحدده انواكشوط، ليطمئن المغرب على عدم استثمار أي رقعة في جنوب الصحراء ضد قواته المسلحة في الإقليم الشمالي، وأيضا، لتأمين انواكشوط وعدم تكرار حادثة الهجوم سنة 1976 على العاصمة الموريتانية من طرف البوليساريو.
من جهة أخرى، يقوم الحل الدائم على التزام الأطراف بكل الاتفاقيات الموقعة سابقا دون تعديل، وأن تعمل البوليساريو على احترام التزاماتها التي أثبتتها منذ 1991 مع الأمم المتحدة، والتي يتوجب عليها مواصلتها مع المنتظم الأممي في حالة تنفيذ أي حل قد يتفق عليه.
وفي هذا الصدد:
- تلتزم البوليساريو بإنفاذ كل ملاحق "اتفاق مدريد"، طبعا بعد أن تعترف به أولا؛
- أن يكون الاتفاق الثنائي بين المغرب والبوليساريو، نهائيا لحل المشكل القائم؛
- يعترف الاتحاد الإفريقي بـ "اتفاق مدريد" ويدعم خارطته للحل، رغم أن الاتحاد الإفريقي والبوليساريو، لم يعترفا في أي مرحلة من المراحل، بهذا الاتفاق، ولا يعتبران أنه وثيقة لـ "تصفية الاستعمار"؛
- توقيع الاتفاق بين دولة البوليساريو وموريتانيا، على أساس أنه وثيقة ثنائية، وليس معاهدة لتصفية استعمار، لكي لا يشكل سابقة أو يؤثر على الوضع في شمال الصحراء الذي يفترض بأنه "قد جرى تسليم إدارته للمغرب"؛
- يكون انطلاق مفاوضات الاتفاق الحدودي بين عضوي الاتحاد الإفريقي (البوليساريو والمغرب) بالضمانات المطلوبة من الاتحاد الإفريقي.
ضمن المتغيرات الجديدة في ملف النزاع بالصحراء الغربية، تبرز خصوصية القراءة الرواندية للقضية، والتي لا تعتبرها نزاعا واحدا فقط، بل عدة نزاعات في نفس الوقت. ولعل هذا هو الفهم الجديد الذي جاء به الرئيس بول كاغاميه للمشكل. وهي القراءة التي ربما أوحت له بالحل الذي يقترحه. ثم أن الرئيس بول كاغاميه نجح في إقناع المبعوث الأممي بأن أفكار القادة الأفارقة ضرورية حول الطريقة التي يمكن من خلالها معالجة المشكل. لذا فهو يحثهم على أن يتعاونوا ويشاركوا أفكارهم مع المبعوث الخاص حول هذه القضية.
وفي هذا السياق، كانت أفكار وزيرة الخارجية الرواندية السابقة واضحة حول أمرين لافتين:
- أن الحل أممي وليس إفريقيا، وأن الاتحاد الإفريقي يؤثر على معالجة القضية، وليس على الحل؛
- أن الصحراء تحولت إلى "نزاعات" في المنطقة المغاربية ولم تعد نزاعا واحدا، خاصة بعد تفجر التوتر في منطقة "الكركرات"، إيذانا بتدخل عسكري موريتاني محتمل في حال التهام الجيش المغربي للمنطقة العازلة ووصوله إلى فرض حدود مباشرة مع موريتانيا؛ وكذلك، مع تهديد الجزائر المعلن بحرب شاملة قد تبعد المنطقة نهائيا عن أية حلول عقلانية.
وضمن هذه الرؤية، اقترح الرئيس بول كاغاميه على المبعوث الأممي خطة تتضمن ما يلي:
- تقسيم الإقليم بين المغرب والبوليساريو بشكل متوازن؛
- تكريس وضع عسكري متوازن أيضا لخدمة السلم الإقليمي؛
- ضمان مستوى تسليح جيد لموريتانيا، كجزء من دعم السلام في المنطقة لعدم اندلاع الحرب؛
- ضمان تسليح متوسط للإدارة المعترف بها أمميا في الإقليم لمواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة.
أما في ما يخص مواقف القوى الدولية والإقليمية من هذه التطورات، فيمكن إجمالها في ما يلي:
- المغرب حاول من خلال إرسال الرئيس الأسبق ساركوزي للقاء بول كاغاميه، إبطاء الاندفاع الإفريقي نحو ما يسمى بـ "الحل الدائم" حتى تتضح الأمور. لكن المغرب يعي جيدا بأن ليس بمقدوره رفض حل متوافق عليه بين الأوروبيين والأفارقة، كما لا يمكنه من جهة أخرى، القبول بما سبق أن رفضه مع المبعوث الأمريكي كريستوفر روس، وكذا مع اقتراح الجمهوريين مع جيمس بيكر؛
- الصين دعمت هذه الجهود بعد 24 ساعة من لقاء كوهلر ورئيس المفوضية الإفريقية السيد موسى فقيه محمد، وتواصت مع الرئيس بول كاغاميه لدعم لقاءاته بالخصوص، لأن الحل السياسي في نظرها إما أن يتقدم أو يتقدم منطق الحرب. والحوار المكثف، ليس لإطلاق المفاوضات فحسب، وإنما يجب أن يكون للتمهيد للإعلان عن حل دائم للنزاع.
- بريطانيا تدعم "الحل الدائم" في الصحراء، كما يقترحه بول كاغاميه، بناء على تقسيم الإقليم حسب "اتفاق مدريد" وقيام كونفدرالية بين موريتانيا ودولة البوليساريو؛
- بالنسبة للاتحاد الأوروبي، كتب الموقع الرسمي لفريديريكا موغريني، عن تبادل لوجهات النظر بشأن إعادة إطلاق مسلسل السلام في الصحراء "الغربية"، وأن كل لقاءات كوهلر، جاءت حول الحل الدائم في الصحراء، لذلك، فإن ما حدث، يؤكد على مسألتين:
- كوهلر قد توصل إلى مسودة حل دائم، والأفارقة اعتبروا "الدولة الصحراوية"، جزء من الحل؛
- الاتحاد الأوروبي يريد مسلسلا للسلام، فيما الاتحاد الإفريقي يريد ترجمة لهذا المسلسل إلى خطوات عملية لإقرار الحل على الأرض؛ ولا يمكن اعتماد "الدولة" كثابت في المسلسل، دون مفاوضات على حدودها وليس على وجودها. لأن المغرب قبل بهذا الوجود من خلال حضوره إلى جانبها في القمة الإفريقية -الأوروبية في آبيدجان، فضلا أن الدولة الصحراوية معترف بها في إطار الإتحاد الإفريقي منذ أكثر من 30 سنة، ولم يعد الأمر قابلا للتفاوض.
- بالنسبة للأمم المتحدة، أكد الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريس، دعمه لمبعوثه الخاص، ودعاه إلى توخي دبلوماسية مكثفة لمنع الحرب في "الكركرات"، كما ثمن اتفاق الأوروبيين والأفارقة على مراحل مسلسل للسلام، يقوم على أساس أرضية تتكون من 10 نقاط للحل الدائم، ربما تم نقاشها في بروكسيل وأديس أبابا، تحضيرا لبدء المفاوضات في جنيف. واعتبر الأمين العام بأن رفضها من أي طرف قد يؤدي إلى ترحيل المشكلة للبت فيها تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق المنتظم الأممي.
وقد استمرت المفاوضات بين المفوضيتين الإفريقية والأوروبية، لإطلاق مسلسل السلام، حيث يبدو أن الألمان يأخذون هذه المسؤولية على عاتقهم، ويشجعون مخططا يتولى فيه الأوروبيون دعم خطة السلام في الصحراء، ويتولى الأفارقة معالجة المشكل، بينما تطلق الأمم المتحدة الحل الدائم المؤسس على مقولة "رابح ـ رابح".
فهل يستجيب تقسيم الصحراء لهذا المنطق؟
أجل.. قد يربح الصحراويون إقامة دولتهم على جزء من تراب إقليمهم التاريخي، ويربح المغرب سيادته على شمال الصحراء، تبعا للحدود التي سبق أن وقع عليها الملك الحسن الثاني في "اتفاق مدريد"، فيربح الجميع. وتلك قصة ربما تكون نهايتها سعيدة لحل نزاع طويل الأمد؛ لكن، لا يمكن الوصول إليها إلا إذا قبل الطرفان المتنازعان برؤية بوتفليقة الجريئة والحاسمة في نظر السيد موسى فقيه محمد، رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي. وهي رؤية قد لا تمس الأمن والتوازنات الموجودة، وكذا باقي الاتفاقيات الدولية الموقعة، والتي يمكن أن تعتبرها الأمم المتحدة أرضية للحل. يبدو أن الألمان متمسكون بهذه "الواقعية الشديدة الوضوح" كما صرح بذلك كوهلر في كيغالي. أما السيد غوتيريس فهو يدعم هذا المسعى بجرأة مضاعفة.
وهكذا، ضمن هذه النظرة المتفائلة، جرت في جنيف يومي الخامس والسادس من دجمبر الماضي الجلسات الأولى للمفاوضات من أجل حل نزاع الصحراء الغربية، وسط دهشة المراقبين، حيث كانت اللقاءات قد توقفت منذ فترة طويلة تزيد على 6 سنوات. وقد عقدت المحادثات في جو إيجابي وهادئ، واتفق الطرفان على الاجتماع مرة أخرى في غضون عدة أشهر. ويبدو بأن مستشار الأمن القومي الجديد للرئيس ترامب، السيد جون بولتون، قد لعب دوراً مهماً في تسهيل تلاقي الأطراف حول طاولة واحدة. وهو ما سماه بعض الدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات بـ "تأثير بولتون". كما يعتقد مراقبون مقربون من المحادثات بأن جهود "جون بولتون والالتزام الكبير الذي يقدمه الأمريكيون حاليا في التعامل مع الملف، قد ساعدا كثيرا" في بعث المفاوضات حول النزاع في الصحراء الغربية.
وقد كشف مؤخرا محلل في صحيفة النيويوركر بأن السيد بولتون قد أخبره، على هامش حدث في واشنطن منتصف شهر دجمبر الماضي- تم خلاله الكشف عن إستراتيجية إدارة ترامب الجديدة للتعامل مع القضايا في القارة الإفريقية- بأنه أي السيد بولتون، يتطلع بقوة إلى إنهاء النزاع، قائلا: "يجب أن نفكر في سكان الصحراء الغربية، والصحراويين، وكثير منهم لا يزالون يعيشون في مخيمات اللاجئين بالقرب من تيندوف، في الصحراء الكبرى، ويجب علينا السماح لهؤلاء الناس وأطفالهم بالعودة إلى الحياة".
وعلى كل حال، فإن السيد بولتون يعرف جيدا ملف هذا النزاع. وقد عمل ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في المنطقة سنة 1991. وكان منذ أواخر التسعينات، جزءاً من فريق تفاوض للأمم المتحدة بقيادة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأسبق، الذي كان على وشك التفاوض على اتفاق لإجراء استفتاء حول الاستقلال في الصحراء الغربية، قبلت به جبهة البوليساريو لكن المغرب رفضه.
ومنذ تعيين بولتون في مارس 2018، في منصبه، اكتسب نزاع الصحراء الغربية حيوية بالغة في الأمم المتحدة وفي وزارة الخارجية الأمريكية. وهكذا، بطلب من الولايات المتحدة، أثار استياء الدبلوماسيين المغاربة والفرنسيين، لم يتم تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء الغربية سوى لمدة ستة أشهر بدلاً من سنة واحدة. ويعتقد بولتون، منذ فترة طويلة، بأن بعض تصرفات بعثة حفظ السلام، قد أمدت في عمر النزاع من خلال تقويض الجهود المبذولة لحل المشكلات الأساسية.
وسبق لبولتون، الذي يعتقد العديد من المراقبين في المغرب بأنه متعاطف مع البوليساريو، أن اتهم المملكة مراراً وتكراراً باللجوء إلى تكتيك تأخير وعرقلة المفاوضات. وقد كتب في عام 2007: أن "المغرب يسيطر على كل الصحراء الغربية تقريباً، ويسعده أن يبقيه على هذا النحو، آملا أن تتحول هذه السيطرة الفعلية إلى سيطرة قانونية مع الوقت".
رغم ذلك، يبذل الدبلوماسيون المغاربة وكذا أوساط الضغط المساندة للمغرب في الغرب، جهودًا متضافرة لكسب دعم إدارة الرئيس ترامب، وخاصة السيد بولتون، في ملف الصحراء الغربية. وهكذا، قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران، متهما البوليساريو بأنها تتلقى تدريبات عسكرية وأسلحة من حزب الله، رغم أنه لم يقدم حتى الآن أي دليل على تلك المزاعم.
وقد صرح سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، الذي كان حاضراً في المفاوضات، بأن اللقاءات "جرت في مناخ محترم للغاية بل وحميمي"، حيث كان وزير الخارجية الجزائري يخاطب نظيره المغربي باسمه المجرد بدون تحفظ. وعلى هامش مأدبة عشاء سويسري، صرح أحد الدبلوماسيين بأنه "كان يتعين على الأوروبيين أن يشرحوا لأطراف المفاوضات، بأنهم عملوا كثيرا ويعملون على جمعهم وجسر الهوة فيما بينهم". لكن، تبقى للتفاؤل حدود واقعية.. فعندما اقترحت البوليساريو خلال المحادثات الرسمية، القيام بتدابير لبناء الثقة مثل إزالة الألغام على طول منطقة الحواجز، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، تم رفض ذلك بشكل سريع.
أما بخصوص موقف البوليساريو، فهي قد رحبت بتجديد التزام الولايات المتحدة في ملف الصحراء الغربية، معتبرة بأن الرئيس ترامب وغيره من زعماء العالم، سيبرهنون على حسن النية اتجاه العالم العربي إذا هم ساعدوا في نجاح مفاوضات اتفاق مرتقب للسلام في الصحراء الغربية.
وأثناء المناقشات، أشادت جبهة البوليساريو بدور الولايات المتحدة في المحادثات، وجددت الدعوة إلى "تقرير المصير في الصحراء الغربية"، لكن ردة فعل وزير الخارجية المغربي جاءت رفضا لفكرة الاستفتاء، مصرحا بأن "تقرير المصير، من وجهة نظر المغرب، يتم عبر التفاوض، وأن موضوع الاستفتاء ليس على جدول الأعمال".
وفي نهاية الجلسات، بعد ظهر اليوم الثاني، تم إعلان بيان صحفي ختامي، دعا إلى مزيد من المحادثات في الأشهر المقبلة. وصرح كوهلر قائلا: "يتضح لي من خلال مناقشاتنا بأنه لا أحد يربح شيئا في بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه".
بعد أسبوع من انتهاء جلسة المفاوضات في جنيف، ظهرت تصريحات لبولتون في واشنطن، يدعم فيها إجراء الإستفتاء، قائلا لصحفي من النيويوركر "أنت تعرف، كوني أمريكي، أنا أؤيد التصويت.. كل ما نريد القيام به هو الاستفتاء لسبعين ألف ناخب.. بعد سبعة وعشرين عامًا، لا يزال وضع الإقليم بدون حل".
على ضوء هذه المستجدات، ما الذي يعنيه الموقف الأمريكي حاليا من قضية الصحراء الغربية؟ بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد ظلت تدعم المغرب إلى حد كبير في هذا النزاع. خلال الحرب الباردة، كان ينظر إلى البوليساريو على أنها موالية للسوفييت، وحصلت على دعم من ليبيا معمر القذافي، وكذلك الجزائر وكوبا.
وبناء على ذلك، باعت الولايات المتحدة، سواء في ظل إدارات الجمهوريين والديمقراطيين، مئات الملايين من الدولارات من الأسلحة إلى القوات المسلحة المغربية. ويتذكر بيكر، الصراع مؤكدا بأن "الولايات المتحدة قد دعمت المغاربة وساعدتهم ضد البوليساريو، بإعطائهم معلومات استخباراتية دقيقة، كما قدمت لهم دعما عسكريا مباشرا، خاصة أثناء قيامهم ببناء التحصينات في الصحراء".
من جهة أخرى، يعتبر النزاع مكلفا جدا من الناحية الإقتصادية بالنسبة للمغرب. وحسب تقديرات خبير اقتصادي مغربي يعمل في منظمة الشفافية الدولية، فإن المغرب قد أنفق منذ سنة 1975، ما يقارب تسعمائة مليار دولار، من بين أمور أخرى، على عمليات الانتشار العسكرية، والبنية التحتية، ومعالجة البطالة في الإقليم. وقد صرح الملك محمد السادس، إنه مقابل كل درهم من الأرباح التي يحققها المغرب في الصحراء الغربية، فإنه ينفق سبعة دراهم.
أما اليوم، ورغم الإعتبارات المذكورة آنفا، يتضح جليا بأن بوادر انفراج للنزاع في الصحراء الغربية، قد بدأت تلوح في الأفق. وربما يتراءى ضوء في آخر النفق خلف إصرار البوليساريو على إجراء الاستفتاء، وإصرار المغرب على الحكم الذاتي المحدود، الذي سبق لبولتون أن رفضه في الماضي. ولربما يكون ذلك الضوء هو مشروع "الحل الدائم" أو "الحل الكونفيدرالي"، كما طبخته صديقتي السيدة لويز موشيكيوابو، في مطبخ مؤتمر ميونخ للأمن، وهو ما يحاول جاهدا المبعوث الأممي السيد كوهلر، أن يقدمه بشكل جذاب للأطراف المعنية، كوجبة ألمانية بنكهة إفريقية مميزة، من أجل تحقيق السلام في الصحراء الغربية.
المراجع:
المبعوث الأممي يفاجئ الطرفين بـ"حل ثالث" لقضية الصحراء المغربية، العالم العربي، 16.08.2018
“ جريدة الأسبوع” تكشف محادثات كوهلر في إفريقيا، موقع Sahara Question 7 فبراير 2018