كلمة الإصلاح دائما تدرك جيدا مكانها في خريطة نواكشوط ـ ثقافة ـ ومعرفة ـ وغنى وفقرا إلى آخره، وهذه المعرفة يقول لها لسان حالها أن لا فائدة من كتابتها في قضية غلق مركز تكوين العلماء لأن الكتابة لم تصدر عن نائب برلماني ولا عالم رباني ولا رجل أعمال تجاري ولا متملق حربائي ـ بمعنى أن على كلمة الإصلاح أن تكتفي بالدعاء سرا أن يفرج الله كربة المظلوم والإكثار من قراءة: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}.
ولكني أرد على لسان الحال هذا بأني ولله الحمد أحمل فكرة داخلية راسخة تؤكد لي دائما بأن كل ما جاء في هذا القرآن صحيح وواقع وقوع ما نرى ونسمع بالمشاهدة المباشرة، ومن تلك المشاهدة المباشرة رؤيتنا لحقيقة الإنسان الماثلة في القرآن والتي خاطبه الله بها مباشرة ليوضحها للإنسان الآخر يقول تعالى للإنسان {يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك}.
وهذه هي الحقيقة التي جعلتني دائما أكتب كلمة الإصلاح لكل من يهمه الأمر بغض النظر عن تكييفه لنفسه أو تكييف الإنسانية له.
وهذا الإنسان المضغوط هكذا تسهل مخاطبته على كل من يرى حقيقته كما هي:
أما من جهة الإسلام فيوضح أيضا أن المسلمين تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم وبناء على هذه المعلومات فإني كموريتاني مسلم أرى وأسمع هذا القرآن يربط هذه الدنيا وما يصدر فوقها مع جزاء الآخرة بعد الموت مباشرة، فإن ذلك أيضا يشجعني بأن أذكر أهل الدنيا بهذه الحقيقة وبقدرتهم المحدودة المنفذة فوق أرض الله هذه.
وبعد هذا أصل إلى مخاطبة السيد / الرئيس محمد بن عبد العزيز الذي قام بإرادته الحرة ودون توجيه من أي أحد بفتح إذاعة القرآن والمحظرة لتكون قراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار حجة مستمرة على كل موريتاني استمع إلى القرآن فعلا أو لم يستمع إليه، إلا أنه يستخلص من توفيق الله للرئيس في تلك الفكرة بأنه يحمل مسحة إيمان تسكن في قـلبه ينبغي مخاطبته دائما عن طريقها.
فهذا القرآن المسجل يقول له هو وحكومته ومستشاروه {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} ويقول أيضا: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} إلى آخر الآية.
ومن هنا أرجو من السلطة أن تسأل هل هذا في القرآن حقا وإذا كان فيه فما صدق تعلقه بعملنا اليومي.
وهذه المعلومة القرآنية الدائمة التسجيل على كل إنسان وفي كل لحظة فلا شك أن على رأس ذلك التسجيل غلق السيد الرئيس لمعهد مركز تكوين العلماء الذي كان ينتفع به كثير من الموريتانيين بالعمل فيه سواء كانوا أساتذة أو عمالا أو خدما في مصلحته مع أن الدولة لا تنفق عليه أوقية واحدة وليس لها عليه من مسؤولية إلا أنه تحت سماء الله وفوق أرض الله المسكونة من طرف موريتانيا.
أما القدرة على إغلاقه بمجرد الأمر بذلك فهي قدرة دنيوية أعطاها الله لكل شيء في الدنيا {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} فالملوك والرؤساء في كل جسم حي.
فالوحوش برئيسهم يأمرهم في وحشيتهم والنمل بملكته كما ذكر الله أوامرها لجنودها، فالقوة المحدودة في الدنيا على المسلم أن لا ينفذها إلا ساعة شرعيتها.
فالعلامة محمد الحسن رجل أعطاه الله علما ولكن علمه لا يخرجه عن كونه مواطنا موريتانيا تحت مسؤوليتكم أنتم الشرعية على كل المواطنين فكان من المفروض على سيادتكم أن تستدعوه لتستخلصوه لأنفسكم كما فعل ملك مصر ليوسف عندما أوقره المرجفون في المدينة عليه من الإشاعات الكاذبة وعندما باشره الملك بالحقائق وجده الصادق الأمين.
فقضية مركز تكوين العلماء تتركب من قضيتين: نوع العلوم التي يتلقاها الطلبة والتموين:
فالمعلوم أن عندكم من العلماء الأجلاء العارفين الذين يمكنهم أن يوضحوا لكم فحوى تلك العلوم الشنقيطية الخالصة وأما مصدر التموين فعندكم أيضا من المخابرات المتخصصة في تحويل الأموال ما يمكنكم من الإطلاع على حقيقة التمويل، أما إغلاق المعهد والجامعة بمجرد أن محمد الحسن سمع من كلامكم في الحملة من الاتهام لما تسمونه أنتم بالإسلاميين تسمية لا خصوصية لهم بها دون موريتانيا كلها من إشاعات خاطئة نقلتموها حرفيا مشبهين لهم بحركات منحرفة شوهت الإسلام لوجودها تحت قيادات عربية مشرقية مشوهة هي أيضا الأخرى للإسلام الذي نبذته الآن وراء ظهرها في كل بلدان المشرق العربي تقريبا وأصبح الجميع يعيش فيما بينه هرجا ومرجا بعيدا عن الإسلام الوسطي الذي سيشهد على جميع المسلمين وغيرهم بأعمالهم الخارجة عن الطريق المستقيم كما قال تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} إلا أنه من عدل الله وقدره أن زين لكم قادة المشرق العربي سلوك طريقهم الخاطئة في أنفسهم وفي شعوبهم فأضفت لهم سلوك التواصليين الوسطيين في موريتانيا العاضين بنواجذهم على سلوك الطريق الوسطي والذين لا يربطهم بما شبهتهم بهم إلا إدعاء المنحرفين عن الإسلام والمؤولين لنصوصه على أهوائهم ليهلكوا بذلك الحرث والنسل مع ما قام به ما يسمى بالربيع العربي الخليطي من العلمانيين والسكارى وجميع المظلومين من طرف قادتهم الذين لا يتترسون بالإسلام بل يتترسون بجنود أهل الدنيا الذين شاهدناهم وهم قادتهم وحرسهم الجمهوري هاربين أمام الجموع الخليط الفاسدة لا يريدون الملجأ منها إلى الله، أما ما هو موجود معكم في موريتانيا من الوسطيين المتواجدين دائما أمام أعين جميع أنواع أمنكم لا يرمون حجارة ولا يقولون سفها إلا إذا أنكروا منكرا بالإنكار المباح في الإسلام.
ولمعرفة السيد محمد الحسن بن الددو بسلوك الجميع الشرقي منه والغربي رد على خطابكم بحقيقة العارف لدقائق الأمور في الموضوع.
فجعلتم ردة فعلكم عليه إغلاق مركز علم كان المحسنون من الأغنياء خارجيا وداخليا يمولونه بتمويل يستفيد منه الموريتانيين علما صحيحا ويستفيد منه الفقراء رزقا ومعيشة إلى آخره، وهنا أصرح أني لا أعرف شيئا عن المركز ولكن هذا ظني بأصول تمويله.
السيد / الرئيس إن الله لم يخلق هذا الإنسان ليحييه حياة طيبة إلا بشرط أن يعمل عملا صالحا بأن يقف تماما عند أوامر الله ونواهيه بغض النظر عن مركزه التقديري عند أهل الدنيا، فما هي قيمة الرئاسة عندما يقف الرئيس أمام الله إذا كان ظالما ناكسا رأسه وجسمه أصغر من النمل يقول مخاطبا ربه {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل}.
أما في الدنيا فقد شاهدنا رؤساء الدنيا كما تقدم يطاردون في الشوارع هم وحرسهم الجمهوري عندما جاءهم الأقوى الدنيوي فما بالك إذا جاءت قوة الله لنصرة المظلوم.
السيد / الرئيس إن شخصكم الكريم هو أحسن متكلم لأهل الدنيا عن حقيقة الدنيا فأنتم الآن رئيس تقفون في مقدمة المحافل ولم يبق تجمع دنيوي إلا وترأستموه ومع ذلك لم تستطيعوا أن تمنعوا حوادث الدنيا إلا لتريكم منها ما لا تتمنونه ولا قبل لكم بعدم وقوعه لأنه كان قبل ذلك في الكتاب مسطورا.
فعلى العاقل في هذه الدنيا أن يكيفها على حقيقتها لا كما يتخيلها هو، وبتلك المناسبة فإني أتمنى من الله ومن صميم قلبي أن لا يريكم مكروها فيها بعد لا في الدنيا ولا في الآخرة.
السيد / الرئيس إن مراجعتكم لإغلاق ذلك المركز والجامعة أهم بكثير من إصداركم لبيانكم الدنيوي التاريخي الذي أمرتم فيه أتباع دنياكم أن يتوقفوا عن طلب زيادتكم لتحمل المسؤولية التي لا تغني عنكم فتيلا ساعة الخطر، وعليه فأرجو أن تتبعوا ذلك البيان ببيان آخر مكتوب برحيق الآخرة وتعلنون فيه فتح مركز تكوين العلماء وتنتظرون الأجر في ذلك من الله كما هو واجب عليكم.
السيد / الرئيس أرجو ألا تتبعوا في الموضوع أخطاء السيد / الرئيس معاوية الذي أغلق بأوامره الدنيوية المعهد السعودي الذي كان يعيش في نفقاته كثير من الأسر الموريتانية يتامى وأيامى الخ.
وبعد ذلك بقليل وجد نفسه بين السماء والأرض تبحث طائرته عن موطئ قدم آمن له لترميه فيه وبعد ذهابه ترك عداد المساعدات للفقراء والمساكين شغالا يعد عليه إلى يوم القيامة بما تسبب في انقطاعه عن مستحقيه.
والآن نفس العداد بالنسبة لكم شغالا في تعداد ما يطالبكم به الفقراء والمساكين مما كانوا يتلقونه من المساعدات.
وفي الأخير فإني أقول لكم ولكل مسلم أن الرجل الكامل من جميع الجهات هو الرجل الذي يقول أمام جميع البشر أولهم وآخرهم {هاؤم اقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية}،
وأما الرويجل الناقص من جميع الجهات فهو الذي يقف أصغر من النمل ويقول أمام الجميع {ياليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه} الخ الآية، وأختم كلمة الإصلاح هذه بهذا البيان الإعلاني الذي أصدره الله لكل إنسان في الدنيا إلى يوم القيامة وهو قوله تعالى: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}.