كلمة الإصلاح تود قبل هذا التوضيح أن تكتب إعلانا للجميع ألا وهو أنها إن كتبت في أي كلمة لها عبارة مسلم أو الإسلاميين فإنها لا تعني بها إلا جميع الموريتانيين فوق الحدود الجغرافية لموريتانيا ـ لأن الكتابة السياسية توجه عادة للسياسيين، وهذه الصفة أول من يتلقاها المنخرطون في الأحزاب السياسية.
وعندنا من الأحزاب السياسية: الحزب الحاكم وأتباعه من أحزاب الأغلبية وكذلك أحزاب المعارضة التي قسموها إلى معارضة محاورة وأخرى راديكالية بأنواعها فلم يبق للإسلام حزب يختص به.
بمعنى أن ليس هناك حزب يمكنه أن يدعى أنه بمفرده دون شركائه حزب إسلامي بل الجميع يدعى أنه ديمقراطي ومن المعروف أن جسم الإسلام يلفظ عنه كل صفة تحاول الدخول فيه خارجة أصلا عنه لم يسمها العلماء من صفات الإسلام.
فالإسلام حده المولى عز وجل بقوله {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} والحديث الرباني "من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".
فإذا افترضنا أن الديمقراطية التي تعتنقها كل الأحزاب ويفتخرون بأنها هي منهجهم في هذه الحياة وبعضهم يدعى إلحاق بعضها بالمنطقة الاجتهادية التي يعمل فيها بالاجتهاد خارج النص الإسلامي بجميع أصوله المعروفة التي لا يجوز إدخال الاجتهاد داخل الإسلام مع وجودها ـ فإن هذا أولا لا يدعيه أي حزب لأنه لا بد له من وضع كل قضية تحت مجهر النص الإسلامي فإذا لم يكن إلحاقها بظاهره فيمكن للمجتهد أن يلحقها باللواحق التي يمكن إلحاق الأحداث المتجددة بها.
ومع أن هذا وحده هو الذي يمكن أن يلجأ إليه المسلم في الدنيا ليكون له فكرة يجعلها حجة أمام الله الذي تشمل مساءلته لكل آدمي فكره وقوله وفعله {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} {ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه}.
وما دام الإسلام هذه هي مراقبته الدقيقة لكل مسلم فكيف مراقبة جميع قرارات الشركاء للنجاة من المساءلة عن فكر أو قول أو فعل مشترك لا يراعي بدقة هذا الموقف الذي لا مفر منه.
وعلى كل حال فنحن الآن في موريتانيا أمامنا انتخابات، وأحسن أصل في الانتخابات جرت في الإسلام يمكن أن تبنى عليها شرعيتها هي انتخاب الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث انتخب من بين ستة أفراد من الصحابة رضي الله عنهم نص عليهم بالاسم الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه قبل وفاته وذكر أن سبب خصوصية ذكرهم بالأسماء دون أهل بدر وأهل بيعة شجرة الرضوان أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي وهو راض عنهم، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرضى إلا عن من رضي الله عنه جل جلاله، والله لا يرضى إلا عن من شكره كما قال تعالى {وإن تشكروا يرضه لكم} وإن كان نص أنهم قليلون {وقليل من عبادي الشكور} ومن المعلوم أن شكر الله يعنى أداء الإنسان لكل ما افترضه عليه كما في الحديث الرباني الصحيح المعروف لدى الجميع أوله: "ما تقرب.. الخ".
وعليه فإنه لا شك أن من يتقدم لهذه الانتخابات سوف يتكون من عدة أفراد.
ومن هنا سوف أضع هذا السؤال على كل المسلمين تطبيقا لما قدمت أولا بأن من سيحكم هذه البلاد سوف يكون حاكما على المسلمين لأنها موريتانيا ـ فهل المسلم مخير بين من ينتخب باسم الفاعل ومن لا ينتخب بغض النظر عن عرض السيرة الذاتية للمترشحين على امتثالهم لتنفيذ أوامر الإسلام في المسلمين أو يجوز للمسلم أن يختار المفضول عن من هو أفضل منه للمسلمين نظرا لأي اعتبار آخر سواء اعتبارا لالتزام لم تجب الشريعة الوفاء به لعدم شرعيته.
أم لصفة في المترشح لا ينص الإسلام على أنها مؤثرة على خلق المسلم أم لأي اعتبار عام آخر، مع العلم أن صوت الشخص في الانتخاب سوف لا يكون أخف من مثقال الذرة لأنه قد ينجح وحده بالأغلبية البسيطة والله يقول {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} ويقول {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} مع العلم أن كل عمل يصدر من المنتخب بصيغة المفعول يكتب أجره أو عقابه على المنتخب بصيغة الفاعل يقول تعالى {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} الخ الآية.
فأظن أنه من البديهي هنا أن الإسلام لا يعتبر إلا من هو متصف بخصائصه الخاصة به وأولها ملاحظة جبلية مخافة الله التي خلقها فيه قبل أن يكون رئيسا وليس معنى مخافة الله هنا مجرد المعرفة أن الله عز وجل أعد العذاب لمن خالف أوامره بل معناها مخافة الله من المسؤولية العامة عن حقوق المسلمين ومخافته خاصة في كل قضية يتخذها ضد حق أي مسلم مهما كانت المبررات التي لا يعتبرها الشرع مبيحة لظلم المسلم سواء في جسده أو عرضه أو ماله.
ومن المعروف عندنا نحن الموريتانيين أن رئاستنا دائما تبيح لنفسها جميع التصرف فيما يضاف إلى الدولة بصفة عامة سواء كانت الوظائف أو أموال الدولة الثابت منها والمنقول وكذلك علاقتها مع الدول الأخرى من غير أي التفات بحق المجتمع المسلم الموريتاني في التصرف في هذا كله، مع أن عدم الوقوف عند مصلحة الشعب الخاصة يسبب ضررا لجميع الشعب الأمر الذي يحتم على الهيئة الناخبة الآن قبل انتخاب من تراه أهلا لاستيعاب الفكرة الإسلامية التي يأذن الله فيها لحكم الشعوب المسلمة بمعنى أن على الهيئة الناخبة للرئيس الجديد أن تحدد له ماذا أعطاه الدستور من الصلاحيات الخاصة التي لا يرجع فيها إلا لضميره المفروض أنه ضمير يخاف الله سرا وعلانية من يوم المساءلة عن فعله التي تسمح له الأمة عن طريق الدستور بالتصرف دون الرجوع إلى ممثلها، أما ما لا يسمح له الدستور به فإنه يعتبر الغصب الخفي أو غصب الحياء أو الغصب بالقوة.
فالذي كنا فيه من التصرف في قيادة الدولة لا يمت إلى العدالة الطبيعية في الإسلام بأي صفة فالإسلام يقول {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم والوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بها فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تـلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}.
فنحن قيادتنا وإن كنا نعتقد أنها تظن أن ما فعلت عندها الحق إسلاميا فيه بسبب مسؤوليتها العامة عن الوطن وذلك ببيع أراضي عمومية والهدم والتغيير للأشياء العامة في الدولة إلى آخره إلا أن مدرك هذا في الإسلام أو في الديمقراطية هو عنقاء مغربي.
ومن أسوأ ما كنا فيه هذه الفوضوية غير الخلاقة من التبعية العمياء لما يسمى بالأغلبية للرؤساء حتى أصبح وزراؤها لا يقبلون شم رائحة المعارضة التي تعمل معهم بل شاع عند الجميع أن الأغلبية تسد الباب من جهتها عن انتفاع أي معارض من درجات القرابة للمعارض: ابنا أو أخا إلى غير ذلك مقابل أن كل موال عليه أن يصب أتباعه جماعيا ـ قرابة أو جهوية الخ إلى منافع الدولة، مع أننا إذا نظرنا إلى تعاليم الإسلام فالموالاة المطلقة لا تجوز والمعارضة المطلقة كذلك لا تجوز فالأولى توالي في المعروف والثانية تعارض بالنصح الخفي البناء.
فإذا رجعنا إلى الدستور نجد أنه ابتداء من المادة: 23 حول السلطة التنفيذية وصلاحياتها إلى المادة: 55 انتهاء هذه الصلاحيات لا يوجد للرئيس ولا الأغلبية خصوصية بالاستيلاء على جميع موارد الدولة الموريتانية والانتفاع بها والتصرف فيها دون باقي الشعب ودون المعارضة بل في تلك المواد المسؤولية فقط على المحافظة على الأمن وعلى حوزة التراب الوطنية وعلى توفر الهدوء والسكينة في جميع البلاد
ولكن ما أصبح واقعا هو أن الرئيس والأغلبية ركبوا في قطار فيه جميع الموارد الموريتانية والتصرف فيها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأصبح قطارهم دولة موريتانيا المحمل بهذا كله يجر وراءه المعارضة وما يمت إليها بصلة على بطونها الخاوية فوق تضاريس الجمهورية الإسلامية الموريتانية فوق جبالها وسهولها ومجاباتها إلى آخره لتبقي حية موريتانية بالجنسية فقط فوق أرضها.
والآن وصل هذا القطار بهذه الصورة المكفهرة إلى أول سنة 2019 سنة تجديد الحالة التي ستكون داخل القطار فالرجاء من الناخب أن لا ينتخب إلا رئيسا لا يقود إلا قطارا ركابه على مقاعده المعدة لهم أصلا.
وعليه فإني ألخص هذا المقال للقارئ الكريم في ما يلي:
أولا: فليعلم جميع الأحزاب أنهم إسلاميون إلا من أبى فلم تبق أي خصوصية هناك تميز إسلامية حزب عن حزب ولا سيما بعد الاندماج في القرارات، فالدعوى بعد ذلك تكون مثل: دعوى {أليس لي ملك مصر}.
ثانيا: بما أن الجميع يدين بالإسلام فعليه أن يختار من المترشحين أكثر إسلاما بغض النظر عن أي صفة أخرى كما قال صلى الله عليه وسلم: "نعم العبد صهيبا لو لم يخف الله لم يعصه" بمعنى أنه ليس من طبيعته الأعمال السيئة.
ثالثا: هذا الرئيس عندما ينجح يوقف أولا حتى تقرأ عليه صلاحيته في الدستور ليعلم أنه لم يملك من موريتانيا إلا المحافظة على كيانها واستتاب هدوئها لا ملكها أجزاء والتصرف فيها كملك خاص وتنهونه نهيا باتا عن اتخاذ أغلبية أو معارضة ومن جاءه يمدحه فليحث في وجهه التراب كما أمر صلى الله عليه وسلم: "احثوا في وجه المداحين".
رابعا: دليل تساوى الأحزاب في المسؤولية أن كل واحد سيجد في كتابه كل كبيرة وصغيرة صدرت منه بالحق أو بالباطل وسوف يقول {ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحد}.