يندرج الحراك الذي تعرفه بلادنا اليوم ضمن جهد تعبوي تقوم به الأغلبية و المعارضة قصد التأثير على الرأي العام و التموقع في الساحة قبيل الانتخابات المنتظرة في صيف 2019 . وعموما فإن قبول الآخر يعد شرطا أساسيا للتعايش السلمي وأحد مقومات العقل الديمقراطي طالما انسجم ذلك مع القولة الشائعة:"حرية الإنسان تنهي حين تبدأ حرية الآخر" ؛ بدليل أن الديمقراطية نظام قيم ومنهج تفكير قبل أن تكون آلية للحكامة.
في هذا الخضم أعلنت الأغلبية الحاكمة في موريتانيا من خلال تصريحات رسمييها عن اختيار معالي وزير الدفاع مرشحا لها في الإستحقاقات المذكورة.
وعلى ضوء هذا القرار أود إبراز الملاحظات التالية:
-لقد مثل ترشيح معالي وزير الدفاع الوطني محمد ولد الشيخ محمد أحمد استمرارية لحركة التغيير التي قادها فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز
وحققت البلاد في ظلها الكثير من الإنجازات الجوهرية ، فاقت علي الصعيدين الكمي والنوعي كلما حققته الأنظمة السابقة التي تعاقبت علي حكم البلاد خلال نصف قرن .
-لقد مثل ترشيح معالي وزير الدفاع إرباكا استراتيجيا و مفاجأة لبعض منظري المعارضة نظرا إلي ما يتمتع به من شعبية و توحد مختلف مكونات الأغلبية في مباركة أختياره فضلا عن ما يتمتع به من مصداقية علي الصعيدين الإقليمي والدولي .
-لقد مثل هذا الترشيح المقاربة الأمثل لاستمرارية نهج التغيير البناء والإنجازات الإستراتيجية ذات الطابع البنيوي فعلى الصعيد الأمني مثلا : تم بناء جيش وطني قوي نسبيا بشهادة المختصين ، كامل العدة والتجهيز ، له القدرة على التكيف مع متطلبات الدفاع عن البلاد ومصالحها ، ومحاربة التنظيمات الإرهابية ، حيث تعتبر الإستراتيجية الموريتانية اليوم في مجال مكافحة الإرهاب الأكثر تكاملا وفعالية . وهي مقاربة تعالج الظاهرة في أبعادها الأمنية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية . نالت إعجاب العالم وكافة الشركاء حتى غدت نموذجا يحتذى به ؛ وغيرها من الإنجزات التي لا يتسع هذا المقال لسردها . وهي استمرارية أكد عليها فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مهرجان النعمة بتاريخ 3 / 5 / 2016. حين أعلن أهمية إجراء إصلاحات دستورية إنسجاما مع متطلبات التنمية والتصالح مع الذات .
-إن اختيار شخصية وطنية بهذا الحجم ذات خلفية عسكرية يدخل في صميم تكييف الدمقراطية مع واقع الشعب الموريتاني خدمة لمصالحه العليا حتى تظل وسيلة للتنمية، ولحماية النسيج الإجتماعي ،في دولة حديثة النشأة ، مترامية الأطراف ، تحتوي على ثروات متنوعة ، مقبلة على طفرة مالية ولها تناقضاتها الداخلية الخاصة . كل ذلك في عالم غير مستقر ، وضمن محيط جغرافي يرتفع فيه منسوب التطرف والإرهاب بحجم متزايد .
-إن عبقرية هذا الإختيار تكمن في قدرته على المحافظة على استمرارية النظام الحاكم كفلسفة وكنسق ومواصلة الإنجازات الكبرى في كل المجلات ذات الصلة بالتنمية والإستقرار في ظل التناوب السلمي على السلطة مما بعمق التجربة الديمقراطية لبلادنا و يضفي عليها مصداقية على الصعيدين الداخلي والخارجي .
ومهما يكن من أمر فإن الديمقراطية قد تكون الحل الأمثل والأكثر واقية وضمانا لحرية الفرد وأزدهار المجتمع غير أنها تبقى تجربة فجرها التطور الذاتي للمجتمعات الأوربية .
وعليه فإن تطبيقها على مجتمعات حديثة النشأة ذات واقع متميز ، يتطلب تكييفها باستمرار بما يضمن تحاشي الهزات العنيفة التي كثيرا ما عصفت بمجتمعات مشابهة .