كلمة الإصلاح لإيمانها الراسخ ولله الحمد بأن ما جاء في القرآن كله حق، وأنه يستوي في صدقه كله ما جاء في القرآن وشاهدناه بأم أعيننا مثل كيفية خلق الإنسان وتطور خلقه في بطن أمه وتدرج نموه من الضعف أولا، ثم القوة ، ثم الضعف، وأن نهاية كل شخص من الدنيا هي موته وأنها واصلة إليه لا محالة وأنه لا يدرى وقتها.
أما ما غاب عنا ونتيقـنه تيقن المشاهدة هي تعامل الله مع هذا الإنسان بعد الموت فمن مات يشرك بالله شيئا ـ وشيء هنا نكرة والمعلوم أنها أنكر النكرات ـ فتعامله معه واضح وهو خلوده في النار وتبدأ إرهاصات ذلك بعد الموت مباشرة وهي الساعة التي يعود فيها إلى الله {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} ولكن دقة حصول هذا الشرك واعتباره شركا لا يعلمها إلا الله.
أما من مات لا يشرك بالله شيئا ودقة معرفة ذلك راجعة أيضا إلى الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه على فعله وإن شاء عفا عنه وتلك خصوصية لا يشارك الله فيها أي أحد.
ومن هنا ندرك أن جميع ما على الأرض ممن لا يشرك بالله شيئا يعنيه بصفة موحدة خطاب الله له ـ بتسجيله لما يفكر فيه داخل قلبه كما يسجل عليه قوله من غير ترك أي حرف يصدر منه وكذلك تسجيل أي فعل يصدر منه سواء هو الذي قام به فعلا أو أمر بالقيام به فيشترك الآمر والمأمور في المسألة عن القول و الفعل، أما التفكير فلأنه لا يطلع عليه إلا الله لأنه هو الذي يعلم خاصة {خائنة الأعين وما تخفي الصدور} فأمره إليه خاصة.
ونتيجة لوضوح هذه الحقائق في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة فلا نحتاج لتسجيلها من القرآن لوضوحها كما أني أظن أنها لا يختلف عليها اثنان مسلمان، وهذا هو سبب السؤال وطلب الإجابة عنه.
وليعلم القارئ المسلم الكريم أن طرح هذا السؤال وطلب الإجابة هو فقط انتهاز الفرصة في عولمة الإعلام واستعداد العاملين في هذا التواصل العالمي على الإجابة عن كل ما يطرح في الساحة للرد عليه من غير أي حرج ولا مشاكسة ـ ولكن للتعاون فقط وإزالة الجهل عن الإنسانية.
فإذا كان في طرح هذا السؤال خير يعلمه الله فيكون الإجابة عليه من باب التعاون على البر والتقوى، وإن كان غير ذلك فإن شرح الشر للحذر منه لاشك أن فيه خير للمسلمين.
ومن هنا أيضا أعود لإيضاح هذا السؤال بعد هذه المقدمة.
فالمعلوم أن القرآن قد لاحظ ملاحظة متبوعة بالوعيد بالعذاب الأليم لمن حرف أي كلمة عن معناها الأصلي لإيهام فكرة خبيثة في قلبه، فأمر المسلمين ألا يخاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم راعنا طلبا لالتفاته إليهم ولكن بدلها ليقولوا انظرنا لأن راعنا تشمل معنى الرعونة وانتهز اليهود ذلك المعنى فاستعملوه في خطابه صلى الله عليه وسلم إمعانا في الكفر به، وكذلك نفس اليهود قيل لهم أن يقولوا في دعائهم حطة بمعنى حط الذنوب عنهم فادخلوا نونا تصرف الكلمة عن معناها فقالوا حنطة.
فالأولون قال في وعيدهم {وللكافرين عذاب أليم} وفي الأخرى قال إنه أنزل على الذين ظلموا رجسا من السماء.
وهذا يعني أن وصف الإسلام بالسياسي عن وصفه بالاقتصادي أوالثقافي إلى آخر النعوت بالوصفية الكثيرة يحتاج إلى شرح من طرف قائله.
فالمعروف أن مفهوم الوصف معتبر في هذه اللغة العربية التي نزل بها القرآن فبنو اسرائيل لو كانوا ذبحوا بقرة حمراء أو سوداء لكانوا لم يمتثلوا الوصف المأمور به وهو بقرة صفراء فاقع لونها.
فالمولى عز وجل قال عندما أراد أن يميز الدين الأخير الوحيد المسموح به في هذه الدنيا قبل الآخرة بأنه الإسلام فقال {إن الدين عند الله الإسلام} وبتعريفه للمسند والمسند إليه انحصر الأول وهو الدين في الإسلام من غير أي وصف آخر لا سياسي ولا ثقافي إلى آخره.
فإن كان هذا الواصف للإسلام بالسياسي غير مسلم فالسؤال لا يعنيه نهائيا ـ لأن كلام غير المسلمين المبني فقط على الحماقة والجهل وعدم التفكير فيما بعد هذه الحياة ـ قد أجابهم الله عليه عدة مرات.
فقد قالوا إن النبي صالح كذاب أشر فأجابهم الله {سيعلمون غدا من الكذاب الأشر} وعندما قالوا إن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أساطير الأولين أجابهم الله بقوله {قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض} وعندما قال اليهود إن الله فقير أجابهم بأنه سمع قولتهم وكتبها عنده هي وقتل الأنبياء بغير حق.
فكذلك لا شك أن الله سمع من يصف نوعا من الإسلام بالسياسي وقد كتب عليه فحواها والله يعلم قصده بها لأن الله يقول {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}.
ولكن هذا السؤال المطروح في الدنيا: وأهلها لا يعلمون ما في صدر المسلم القائل لهذا اللفظ وهو قطعا يعلم معناه عنده ـ فالمطلوب إظهار ذلك لمناقشته على الهواء مباشرة في الدنيا قبل الآخرة فإن كانت هذه الصفة وهي الفكر والقول والفعل الصادر من المسلم في السياسة وهي طبعا نوع من النشاط الخاص يقوم به المسلم في حياته مستـثناة من المؤاخذة على فكرها وقولها وفعلها بعد الموت مباشرة فهذا هو ما يطلب السؤال إيضاحه للقارئ المسلم ـ فإذا كان مدرك هذا الاستثناء مأخوذ من النصوص الأصولية للإسلام وهو القرآن والسنة فلا شك أن إسلامية هذا الرد سوف يكون أكبر هدية للمسلمين الآن وهي التي يمكن تسميتها بحق "صفقة القرن".
ويبقي على المسلم القائل بهذا الاستثناء أن يميز هذا النوع من التفكير والقول والفعل الذي يوصف بالسياسة وهو مستثنى من المؤاخذة: هل فكر وقول وفعل الرئيس أو الوزراء أو الأحزاب أو السفراء إلى آخره أو أي نوع من هذه النشاطات مخصوص بأن يعتقد المسلم أن لا مؤاخذة في ممارسته والقيام به؟
فمن المعلوم أن أي فكر أو قول أو فعل يمكن أن يدخل فيه جميع الأوصاف المذمومة في الإسلام مثل: الكذب والنفاق وأنواع الخيانة ونقض العهود إلى آخره.
فهل هناك أعمال سياسية إذا قام بها المسلم وارتكب فيها هذه الأفعال المذمومة في الإسلام لا يؤاخذ بها أم ماذا؟
ولكن إذا كان المسلم يقصد بكلمته الإسلام السياسي مجرد إطلاق لفظ يقصد به الذم للمعني به وهو لا يعتقد أن هناك أي شيء من الإسلام مستثنى من المساءلة فإن توضيح ذلك مفيد للقارئ ولكنه يصطدم بتحريف الكلم عن مواضعه وذلك مذموم في الإسلام يقول تعالى إن اليهود يقولون إن في دينهم ما يجعل النار لن تمسهم إلا أياما معدودات فرد عليهم المولى عز وجل بأنهم كذبوا على الله بأن هذا ليس في كتبهم يقول تعالى {وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون}.
فكذلك المسلم إذا أوهم المخاطب بأن هناك إسلام سياسي لا مؤاخذة فيه وهناك إسلام هو الإسلام الحقيقي فيكون افترى على الله بهذا التقسيم.
فالله لا يخاطب جميع المسلمين إلا خطابا موحدا للصالح والفاسق ويوحد العمل به في الدنيا ويوحد الجزاء عليه في الآخرة وأنا هنا لأساعد هذا القائل لعل أن يكون قصده بالكلمة النفاق السياسي وهذا موجود في المسلمين المنافقين يقول تعالى عن المنافقين الموجودين داخل المسلمين يقولون لإخوانهم من أهل الكتاب {لئن أخرجتم لنخرجن معكم} إلى قوله تعالى {ولئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون}.
فإذا كان هذا هو مراد القائل بكلمة الإسلام السياسي ـ الإسلام النفاقي ـ فالكلمة حرفت عن مواضعها والوصف حرف عن صاحبه لأنه إذا كان ذلك هو مراده فسوف يذهب الوصف إلى أبعد من مراد المعني بكلمته فالنفاق السياسي مع الأسف أكثره وأعمقه وأدومه فيمن لا ينعتون بالإسلام السياسي ولكن ينعتون بالنفاق السياسي فمن قرأ ما يكتب في كثير من هذه المواقع سوف يسهل عليه وجود هذا الوصف وعلاماته وأعلامه ترفرف على كثير ممن لا ينعتهم أي أحد بالإسلام السياسي.
وعلى كل حال فلينتبه جميع المسلمين أن القرآن ذكر جماعة كانت تتهكم من بعض أهل الدنيا وتضحك منهم وفي الآخرة انقلبت الصورة ـ إلا أن الانقلاب لا يشبه انقلابات الدنيا ـ فأي صورة في الدنيا مهما كانت فأكثر تمتع صاحبها لا يبلغ 100 سنة بنفس التمتع الأصلي.
أما الصورة الثانية فإن التمتع بها لا نهاية له، وهنا أكرر أني لا أوجه هذا التحليل إلا للمسلمين فقط.
أما إذا كان المتكلم بلفظ الإسلام السياسي يمثل دور النعامة وهي أنها إذا تيقنت من الخطر ورأت أنه محدق بها لا محالة فتسلي نفسها دقائق قبل وقوعه بأنها تتجاهله ولا يهمها.
فهذه الصورة كثر اتصاف المسلمين بها مع الأسف ويقوم بهم معناها أسوأ قيام ومع ذلك يقرأ هذا المسلم دائما قوله تعالى {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شره يره} ويقرأ أيضا {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}.
ومع هذا نراه لا يجتنب الوقوع في شرك هذه الحقيقة كأنه سوف لا يمر بها والله يقول {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا}.