في المنتصف الثاني لثمانينيات القرن العشرين تقدم الأرمن من جديد بالمزاعم الإقليمية على قراباغ الجبلية الأذربيجانية مستغلين الوضع الناشئ من أجل تنفيذ فكرة "أرمينيا الكبرى"، ذلك بمساعدة حماتهم في الخارج القريب والبعيد. كانت تطرح المزاعم الإقليمية على أراضي قراباغ كل مرة من الخارج وبتبليغ وتحريض أرمينيا وضغطها.
في عام 1988 تصاعد توتر الأوضاع حيث أدت إلى العدوان المسلح على السكان الأذربيجانيين لإقليم قراباغ الجبلية. في18 سبتمبر طرد الأرمن بالقوة حوالي 15 ألف أذربيجاني في خانكندي وأحرقوا بيوتهم. وابتداء من عام 1991 ازدادت حدة التوتر في الجزء الجبلي لقراباغ.
توصف الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأرمن في خوجالي في نهاية القرن العشرين كإحدى أبشع الجرائم المرتكبة ضد البشرية حتى الآن. ولا تختلف مأساة خوجالي عن المآسي المريعة المرتكبة في خاتين وليديتسا وأورادور وهولوكوست وسونغمي ورواندا وسريبرنيتسا التي لن تنساها كلها ذاكرة التاريخ. سُجّلت تلك الأحداث البشعة في تاريخ الحروب كالإبادة الجماعية للسكان المسالمين العزل وقضت هذه الأحداث مضجع المجتمع الدولي بأسره.
كانت مدينة خوجالي باعتبارها موقعا إستراتيجيا في منطقة قراباغ الجبلية لأذربيجان تمنع الأرمن من تنفيذ مخططاتهم. وكان الهدف الرئيسي للقوات المسلحة لأرمينيا هو السيطرة على الطريق البري الواصل بين عسكران وخانكندي عبر خوجالي واحتلال مطار خوجالي. إلى جانب ذلك، كان غرض الأرمن طمس آثار هذه المدينة القديمة في أذربيجان من على وجه الأرض. إذ إن خوجالي كانت تتميز بآثارها التاريخية والثقافية كإحدى الأراضي القديمة في أذربيجان. كانت خوجالي المأهولة حينذاك بالسكان الأذربيجانيين الذين تجاوز عددهم 7 آلاف نسمة ويعيشون في أقدم بلدة.
وليلة 26 فبراير عام 1992م قامت قوات الاحتلال الأرميني بمحاصرة مدينة خوجالي بدعم من 10 دبابات و16 ناقلة مدرعة للمشاة و9 ناقلة مدرعة قتالية للمشاة و180 ضابطا متخصصا، وعدد كبير من أفراد الجنود من فوج المشاة الآلية المقاتلة رقم: 366. وجعل الأرمن المدينة عاليها سافلها باقتحامها بأحدث الأسلحة وتم تدمير المدينة تماما وأحرقت مع قتل السكان قتلا همجيا وكان معظم القتلى مقطوعي الرؤوس ومقلوعي الأعين ومسلوخي الجلود ومحروقين أحياء وسائر أنواع التشويه قبل القتل وبعده.
ونتيجة جريمة الإبادة الجماعية هذه، لقي 613 شخصا حتفهم منهم 63 طفلا و106 امرأة و70 شيخا حسب المعطيات الرسمية كما كان من نتائجها:
- قتل 8 عائلات بشكل كامل.
- 56 شخصا لقوا مصرعهم جراء التعذيب؛
- 27 عائلة لم يبق من أفرادها سوى فرد واحد.
- 25 طفلا فقدوا أبويهم.
- 130 طفلا فقدوا أحد أبويهم.
- 1275 من السكان أخذوا أسرى.
- 150 شخصا، اختفوا ولم يعرف مصيرهم إلى اليوم.
وخلال هذا العدوان المسلح تم القضاء على بعض من المحتجزين الأذربيجانيين ممن كانوا أسرى أو رهائن في أراضي قراباغ الجبلي وسائر الأراضي المحتلة الأذربيجانية، وكذلك في أرمينيا عبر ممارسة التعذيب عليهم وأصبح كثير من معاقين. وتم تحرير ملفات جنائية أحيلت للتحقيق الشامل من قبل أجهزة إنفاذ القانون والنيابة العامة بشأن وقائع إجرامية كبيرة مرتكبة من قبل الأرمن بما فيها قتل الأذربيجانيين المحتجزين أسرى ورهائن عن طريق ممارسة التعذيب الذي لا يطاق من قبل قوات الاحتلال الأرميني منذ عام 1988م على أراضي قراباغ الجبلي وسائر أراضي أذربيجان المحتلة.
وكشف التحقيق عن وجود مركبات جريمة الإبادة الجماعية المقضي عليها في اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبتها الصادر في 9 ديسمبر عام 1948 م عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في هذا العمل الذي اقترفت به قوات الاحتلال الأرميني بمشاركة جنود الفوج الـ366 للاتحاد السوفييتي المرابط في خانكندي.
كما اتضح من مواد العمل الإجرامي المذكور أن وحدات أرمينيا العسكرية والمجموعات المسلحة في قراباغ الجبلية وجنود الفوج الـ366 التابع للجيش السوفييتي البائد المرابط في خانكندي الذين ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية لم يراعوا على الإطلاق معايير القانون الدولي أيضا، وخاصة تم خرق المطالب الأساسية المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الصادرة في 12 أغسطس عام 1949 م في تحسين ظروف الجرحى والمرضى لدى القوات المسلحة المقاتلة وفي المعاملة مع الأسرى العسكريين وحماية السكان المدنيين خلال الحرب بما فيه انتهاك المطالب المانعة لاغتيال وقتل الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليات القتالية مباشرا وقتلهم في ظروف ما عدا الميادين الحربية وإعاقتهم ومعاملة غير إنسانية معهم وتعذيبهم وسبيهم واحتجازهم كرهائن وإهانتهم وتحقيرهم.
وثمة اعترافات كثيرة بخصوص مأساة خوجالي ليس فقط من الأجانب، بل من العديد الأرمن أنفسهم، أحدهم لـ"سرج ساركسيان" الرئيس الأرميني السابق، حيث يقول: "لقد كان الأذربيجانيون قبل خوجالي يعتقدون أن بوسعهم المزاح معنا، وكانوا يعتقدون أنّ الأرمن شعب لا يمكنه رفع أيديهم ضد السكان المدنيين.. ولكننا كنا قادرين على تحطيم هذه الصورة النمطية"، طوماس دى وول "الحديقة السوداء: أرمينيا وأذربيجان عبر السلم والحرب"، نيويورك ولندن: جامعة نيويورك للصحافة عام 2003، الصفحات من: 169 – 172.
قد ألقى الإعلام العالمي أثناء وعقب حدوث مأساة خوجالي الضوء على هذه الجريمة التي ارتكبها الأرمن في حق الإنسانية جمعاء وليس في حق الشعب الأذربيجاني فحسب؛ حيث زار العديد من الصحافيين الأجانب والمحليين مكان الحادث وشاهدوا عن قرب ما حدث هناك بالتفصيل، ومثال ذلك؛ الصحافي الفرنسي جان أيف يونت والذي يروى عن هذه الأحداث ما يلي: "لقد شاهدنا مأساة خوجالى، ورأينا مئات من جثث الموتى، من بينهم النساء والشيوخ والأطفال، والأشخاص الذين كان يدافعون عن خوجالي، لقد أتيحت لنا طائرة هيلوكبتر، وكنا نصور ما تراه أعيننا ونحن في الجو، وكنا نصور خوجالى وما حولها. وفي هذه الأثناء أطلقت الوحدات العسكرية الأرمينية على طائرتنا النار، واضطررنا أن ندع التصوير ونعود. لقد سمعت الكثير عن الحرب، وقرأت كثيراً عن غدر الفاشيين الألمان، ولكن الأرمن فاقوا ذلك بقتلهم الأبرياء والأطفال في عمر الخامسة والسادسة. ولقد رأينا في المستشفيات والمعسكرات وحتى في رياض الأطفال وفصول المدارس عددًا كبيرًا من الجرحى!!".
وجاء في جريدة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر في 14 مارس عام 1992م حول العمليات الوحشية التي ارتكبها الأرمن أن "الصحفيين الأجانب الذين زاروا أغدام شاهدوا بين جثث النساء والأطفال المقتولين في خوجالي 3 جثث مسلوخة جلود الرأس والأظافر وهذه ليست بدعاية عن جانب الأذربيجانيين بل هي واقعية حقيقية."
لم يعلن عن الماهية الأصلية لهذه المجزرة الرهيبة الواقعة مشهد العالم جمعاء إلا بعد عودة الزعيم العام للشعب الأذربيجانية حيدر علييف إلى تولي السلطة السياسية عام 1993 م، ولقيت الإبادة الجماعية الواقعة في خوجالي تقييمها السياسي القانوني في فبراير عام 1884 م من قبل المجلس الوطني الأذربيجاني، كما أن الزعيم العام حيدر علييف أصدر في 26 مارس عام 1998 م قرارا جمهوريا خاصا بشأن تخصيص يوم 31 مارس يوم مجزرة الأذربيجانيين بسبب تعرض الأذربيجانيين لعمليات الإبادة الجماعية حينا بعد حين عبر التاريخ.
وفي 25 فبراير عام 2002 م نادى الزعيم العام حيدر علييف الشعب الأذربيجاني في الذكرى السنوي الـ10 لمجزرة خوجالي مشيرا إلى الماهية التاريخية السياسية لهذا القتل الجماعي الهمجي: "لا شك في أن مجزرة خوجالي حلقة تالية وأكثر صفحات التاريخ دمويا تخلفها سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي يجري انتهاجها نظاميا من قبل القوميين الأرمن المتشددين ضد الأذربيجانيين خلال الفترة الـ200 سنة الأخيرة".
وينص القرار الجمهوري الموقع عليه من جانب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بشأن الذكرى السنوية العشرين لمجزرة خوجالي على أن "الحقائق حول مجزرة خوجالي التي تعدّ جزء مركبا من سياسة التطهير العرقي التي تنتهجها الأوساط القومية الأرمينية انتهاجا مرحليا ضد الأذربيجانيين في القرنين التاسع عشر والعشرين يجب أن تطلع على المجتمع الدولي والبرلمانات الأجنبية من أجل التوصل إلى لقاء هذه الجريمة الحربية الكبيرة للغاية والموجهة ضد البشرية عموما تقييما قانونيا سياسيا على الساحة الدولية."
انطلقت حملة "العدالة لخوجالي!" الدولية عام 2008 بمبادرة نائبة رئيسة مؤسسة حيدر علييف الخيرية ليلى علييفا وهدفها هو إحاطة المجتمع الدولي علما بحقائق هذا الحادث والتوصل إلى عدم تكرار مثل هذه المجزرة في المستقبل ولقيت هذه الحملة دعما لدى عشرات بلدان العالم.
ونتيجة لجهود الجانب الأذربيجاني في المحافل الدولية، تفاعل المجتمع الدولي مع هذه الأحداث وأدان هذه الاعتداءات الواقعة على الشعب الأذربيجاني، وصدر عن منظمات التعاون الإسلامي عدة قرارات تستنكر فيها العدوان الأرميني وتطالب بالانسحاب الأرميني غير المشروط لجميع القوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية المحتلة.
واتخذت ضمن الدورة الـ44 لمجلس وزراء الخارجية للبلدان الأعضاء لدى منظمة التعاون الإسلامي بمدينة أبيجان الكوتديوارية عدة قرارات مهمة بشأن أذربيجان ومن جملتها قرارات متعلقة باعتداء أرمينيا المسلحة ضد أذربيجان وتدمير التراث الديني الثقافي على أراضي أذربيجان المحتلة. كما صدرت قرارات تعبر فيها الدول الأعضاء لدى المنظمة عن تضامنها مع أذربيجان في ضحايا مجزرة خوجالي.
كما اعترف اتحاد برلمانات دول منظمة التعاون الإسلامي مرة أخرى بمأساة خوجالي في دورته السابعة التي عُقدت مؤخرًا في مدينة باليمباتج الاندونيسية، وأضاف بندًا بالمؤتمر تحت عنوان: "اعتداء أرمينيا على أذربيجان" ينص على ما يلي: "يدعو المؤتمر برلمانات الدول الأعضاء فيه إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات المسلحة الأرمينية ضد الأذربيجانيين الأبرياء في السادس والعشرين من فبراير، ويطالب بمعاقبة مرتكبي هذه المذبحة".
إن مجزرة خوجالي قد تم الاعتراف بها كإبادة جماعية من قبل برلمانات المكسيك وكولومبيا وبيرو وباكستان وصربيا والبوسنة والهرسك ورومانيا والتشيك والأردن والسودان وبنما وهندوراس وإندونيسيا والسلطات التشريعية لأكثر من20 ولاية أمريكية، ومن قبل منظمة التعاون الإسلامي. كما تبنى برلمان جيبوتي وبرلمان اسكوتلندا قرارين يدينان مجزرة خوجالي.
تتخذ أذربيجان موقفا واضحا في تسوية الصراع. أي يجب حل القضية في إطار وحدة أراضي أذربيجان وحدود بلدنا المتعارف عليها دوليا. ويعتمد هذا الموقف على قواعد القانون الدولي ومبادئه وميثاق منظمة الأمم المتحدة ووثيقة هلسينكي الختامية، والوثائق الدولية العديدة المتبنية في مجال تسوية الصراع.
في الوقت ذاته، فإن الوثائق التي تبنتها كل المنظمات الدولية بشأن تسوية الصراع بالطرق السلمية تعني تعزيز موقف أذربيجان مرة أخرى وتأييد ضرورة معالجة القضية على أساس مبادئ القانون الدولي. كما أن القرارات الأربعة (رقم: 822 و853 و874، و884) الصادرة عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، والقرارات الصادرة عن المجلس الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي مهمة إلى جانب كونها أساسا قانونيا للدفاع عن الموقف العادل لأذربيجان على المستوى الدولي. كذلك تدعم القرارات الصادرة عن البرلمان الأوروبي، واجتماعات قمة الناتو في الآونة الأخيرة وحدة أراضي أذربيجان دعما قاطعا مع الإشارة إلى ضرورة وقف الاحتلال.
على المجتمع العالمي أن يعلم الحقيقة الواقعية عن إبادة خوجالي ويدرك أن إهمال هذه الوحشية المرتكبة أمام مرأى ومشهد البشرية قاطبة في نهاية القرن العشرين، وعدم معاقبة مرتكبيها المتهمين بقتل مئات المدنيين قد يؤدي إلى إعادة حدوث مثل هذه المآسي في كل بقعة من العالم.
آلام وأحزان مجزرة خوجالي تعيش في قلوب الشعب الأذربيجاني. وتظهر هذه آلام وأحزان أيضا التضامن الوثيق للشعب الأذربيجاني واحترامه لذكرى شهدائه وعزمه لتحرير الأراضي المحتلة وبذل كل ما في وسعه لإعادة وحدة أراضي البلد.
وعلي العالم توحيد الجهود لإبراز موقفه الحاسم ضد سياسة أرمينيا العدوانية، وإظهار التضامن، ومساندة الشعب الأذربيجاني على استرجاع حقوقه.