وكأني بخصوم الاستقرار تغالبهم الخيبة والحسرة وهم يتابعون جماهير الأغلبية منسجمة مع خياراتها ملتفة حول مرشح الاستقرار ومُتمِمِ مسيرة البناء والتشييد الأخ المرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني..
من مدرجات "ملعب شيخا" في قلب العاصمة نواكشوط إلى أروقة وقاعات "قصر المرابطون" عبّرت الجماهير عن تمسكها بنهج الإصلاح والتنمية وحرصها الشديد على الوحدة والتماسك وهي تخوض غمار الاستحقاقات الرئاسية المقبلة..
إنها المرة الأولى التي يتم خلالها التداول دون المرور بالمراحل الانتقالية وتلك لعمري معضلة عصية على فهم بعض النخب التي ظلت ولفترة طويلة من الزمن تعول على ديمقراطية المراحل الانتقالية.. لم تكن المعارضة تتوقع أن يكون الأمر بهذه السلاسة وظلت تعول على عامل المفاجأة كي تَصْدق التخمينات، وانتهى بها المطاف إلى أحزاب تغادرها أغلب نخبها الحية بفعل التكلس والجمود الذي تعيشه على المستوى المؤسسي..!
وسواء فهمت "نخب التخمين" أو لم تفهم فإن الشعب تجاوزها ولم يعد يلهيه بيع الأوهام وإضاعة الوقت في التخمينات المفرطة في القلق على مستقبل الديمقراطية.. لقد أضحت آراؤهم ذات الصبغة القداسية متجاوزة بفعل الوعي العارم والتأثير الكبير الذي فرضته النخب الوطنية الصاعدة إلى قيادة المشهد السياسي داخل الأحزاب والهيئات والتنظيمات ذات الطابع النقابي والحقوقي، ولعل هذه المضامين برزت بشكل جلي في خطاب المرشح الذي دعا خلاله بشكل صريح وفصيح كافة القوى السياسية الحية إلى الانخراط في مشروعه الوطني.
إن من صمموا ديمقراطيتنا الأولى كانوا مشفقين عليها بأبوية شديدة الخوف من المستقبل ولم يمنحوا أنفسهم الوقت الكافي لتحديد رؤية شاملة لإدارة الهيئات والأحزاب السياسية التي هي مطبخ العملية الديمقراطية ومكمن إنضاجها، ولذا ظلت ديمقراطيتنا تسير مغمضة العينين بلا رؤية ولا مشروع، وظلت غالبية الأحزاب الكبيرة تمني نفسها بالوصول إلى السلطة دون أن تعمل لذلك بشكل مؤسسي، وجعلوا مصطلح التناوب السلمي على السلطة مرادفا لانتقالها من الموالاة إلى المعارضة، وجعلهم هذا الواقع يعيشون متاهة سرمدية أدت إلى اختفاء أحزابهم وموت خطابهم.
اليوم يشكل إجماع الأغلبية ـ بعد عشر سنوات من قيادتها للبلاد ـ على مرشح موحد نقلة في المنطق الفلسفي الذي ظلت البلاد تدار به منذ الاستقلال وإلى وقت قريب، حيث ترك هذا المنطق الباب مشرعا أمام المفاجآت والصدف في منطقه ألتسييري وحكمه للبلاد، وظلت النرجسية والمصالح الشخصية طاغية على المصلحة العليا للبلاد الأمر الذي كرس لدي الكثير من ممتهني السياسية أن الأغلبية لا تكون قوية إلا بالحكم فقط؛ وليس بالمشاريع السياسية التي هي الأصل والقلب النابض.
في الواقع سمحت العشرية الأخيرة بتوطيد مشروع وطني شامل ومُلمٍ بالمصالح العليا للبلاد ويمتلك القوة والرؤية لتجسيد الأهداف الوطنية الكبرى واختار مؤسسو المشروع أن يكون ذلك عن طريق صناديق الاقتراع التي لا تغذيها إلا أصوات الناخبين المقتنعين بروح ونهج الإصلاح، وقد بدت الرسالة واضحة وجلية حين أعلن المرشح أن "عشرية الإنجاز" شكلت استثناء من بين كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد.. لا يحتمل هذا إطراء ولا تبجيلا غير مستحق بل هو إشارة واضحة للمصطادين في المياه الضحلة؛ ومعناه بعبارة أخرى أن هذا التماسك والانسجام الذي عرفته مدرجات "شيخا وأروقة المرابطون" يستمد قوته من تماسك قمة الهرم وأحجار الزاوية فيه.