هل علي أن اعتذر لكم أولا عن مستوى الاغراب والإثارة، وربما الاستفزاز في العنوان، هي في العبودية، وهل مع الاستعباد حظ، أم أن الأسبقية ينبغي أن تكون لإشعار مسبق لكم أنني لست وإياكم على نفس الأرضية فأنتم تناقشون رفاهية الطفل، وأنا أحمل بين دفاتري المبعثرة صرخات استنجاد من أطفال، يواجهون "صعوبات جمة" في الوقوف على عتبة الإنسانية، وما زال هناك من يشك في إنسانيتهم، ومن يمن عليهم إنسانيتهم ومن يريد لحريتهم أن تكون ثمنا لكرامتهم.
السيدة الرئيسة،
السادة أعضاء اللجنة الإفريقية لحقوق ورفاهية الطفل،
باسم منظمة نجدة العبيد في موريتانيا أحييكم وأشكركم على قبول عضوية منظمتنا في لجنتكم الإفريقية العريقة في الدفاع عن الحقوق والذود عن الحريات.
لأن الوقت محدود، ولأن تقرير منظمات المجتمع المدني الذي قدمته مشكورة الرئيسة زينب، سأختصر على مداخلتي على معاناة الأطفال ضحايا العبودية، وسأنطلق من قصة الطفلين الذين استعبدا ظلما سعيد ويرگ، وسأقول لكم الآن لماذا هما محظوظان.
تعرفون بلا شك سيدتي الرئيسة السادة الخبراء قصة الطفلين سعيد ويرگ اللذان ولدا مستعبدين وفق نظام العبودية البدائي في مدينة أطار شمال موريتانيا (ولد سعيد عام 2000، وولد يرگ عام 2003)، وفي عام 2010 هربا من نير العبودية، ووجدا مؤازرة نجدة العبيد، وحركة إيرا، وطيفا معتبرا من الحقوقيين والإعلاميين، فخرجا من ظلمات الاستعباد إلى أنوار الحرية.
هما محظوظان نعم، وحظهما ابتسم في ثلاث ومضات؛
- حين قيض الله لهم من يحمي فطرة الحرية عندهم، ويهمس في آذانهم أن الله خلقهم أحرارا، ويريدهم أحرارا.
- وحين هيأ لهم من احتضنهم، وآواهم ونصرهم وتكفل بهم.
- وحين فتح الله بهم باب انتصار العدالة الإفريقية لهم بعد سبع سنوات عجاف من تواطئ مستويات التقاضي الموريتاني على ظلمهم وغمطهم حقوقهم.
هم محظوظون، نعم، لأن ما أتيح لهم لم يتح لأعداد غفيرة من الأطفال ضحايا العبودية ومخلفات العبودية يعيشون لحد الساعة وضعا مزريا سأحاول أن أرسم لكم قبل ختام هذه المداخلة بعض ملامحه.
بهذا المعنى هم محظوظون، أما بمعنى نيل الحقوق وإنفاذ القانون واحترام الحكومة توصيات لجنتكم الموقرة رقم: 03 - 2017 الصادرة بتاريخ: 15 دجمبر 2017، فحديث الحظ والحظوة ليس ما يدعمه:
فقد أكدت المحكمة العليا نفس الأحكام السابقة التي تدين متهما واحدا بعقوبة دون الحد الأدنى من العقوبة المنصوص في قانون تجريم الاسترقاق (السجن سنتين فقط مع أن الحد الأدنى للعقوبة خمس سنوات في نسخة 2007 وعشر سنوات في تعديلات 2017).
أستطيع أن أقول لكم - بكل أسف - إن تقديرنا في منظمة نجدة العبيد أن الحكومة لم ترتب كبير شيء على توصيات لجنتكم الموقرة التي تجاوزت حالة سعيد ويرگ إلى حالة أشباههم الكثر من ضحايا العبودية والتمييز والهشاسة الاجتماعية بكل صنوفها.
خلاصة تقديرنا أنه برغم ما تم في المنظومة القانونية من تطور نسجله ونقدره، فهناك عقبات بارزة في تجسيد التطور التشريعي واقعا يحد من العبودية ويقضي عليها ويواجه مخلفاتها :
- فالمنظومة القضائية عاجزة في مجملها عن تطبيق القانون، والدليل جلي في الأحكام القليلة الصادرة، والتي جاءت كلها تحت سقف الحد الأدنى من المحكومية المنصوص في القانون.
- التباطؤ كبير وشديد في الملفات المعروضة أمام القضاء، حيث يتراوح متوسط مكوث الملفات في الدرج القضائية بين ثلاث وسبع سنوات.
- التعويضات المحكوم بها للنزر القليل المحكوم له من الضحايا لا تتناسب وحجم الضرر الفردي والعائلي والاجتماعي، مع تأخر كبير في تنفيذ التعويضات المتواضعة تلك.
السيدة الرئيسة،
السادة أعضاء اللجنة،
يعاني الأطفال ضحايا ممارسات ومخلفات العبودية في موريتانيا من ما يعاني منه كل أطفال موريتانيا من مشكلات ناجمة عن غياب أوتدني الخدمات الصحية والتعليمية والتربوية والترفيهية، ويختصون بتحمل أعباء ثقيلة موروثة من ميراث العبودية ومخلفاتها.. ومن يدريكم ما ذاك الميراث.
سأحاول أن أقترب بكم من الصورة قليلا؛ إلى مشاهد ومواقع يمكنكم فيها العثور بسرعة ووفرة على الأطفال ضحايا العبودية ومخلفاتها، ومواقع يحتاج الظفر بهم فيها إلى جهد وبحث غير مضمون النتيجة.
يمكنكم - بكل أسف - العثور على الأطفال ضحايا العبودية ومخلفاتها في :
- الشوارع العامة مشردين أو في أحسن الأحوال يمتطون عربات بدائية (شاريتات).
- في أماكن رمي القمامة يبحثون عن أي شيء قد يسد الخلة.
- في السجون حيث يمثل أبناء الحراطين أغلبية كبيرة وفق تقارير معروفة.
- في المدارس العمومية المتهالكة؛ حيث لا تعليم ولا تربية ولا ترفيه.
وفي وجه الصورة المقابل، لن يكون من السهل الظفر بأي من هؤلاء الأطفال في:
- مدارس التعليم الخصوصي التي باتت شبه محتكرة لأبناء الميسورين.
- قوائم المتجاوزين في المسابقات الوطنية.
- أماكن اللعب والترفيه والمنتزهات المحدودة أصلا في البلد كله.
- وحتى من يضمن النجاح في فرص رياضية أو ثقافية دولية تمنعه تحالفات الفساد والتمييز والمحسوبية من الظفر بتلك الفرصة (ومثال أطفال نسيبة صارخ على ذلك).
السيدة الرئيسة،
السادة أعضاء اللجنة،
إن توصياتنا التي نقدم لكم اليوم هي ذاتها طلباتنا التي لا نمل من تكرارها في كل المناسبات؛ أمام الحكومة الموريتانية، والرأي العام الوطني:
- دعوة للتوقف عن خطاب الإنكار الرسمي للعبودية؛ فهو أخطر سند لاستمرار ممارسات مشينة صنفها دستور الجمهورية جريمة بحق الإنسانية.
- نظاما فعالا للتكفل بالأطفال ضحايا العبودية؛ ينطلق من مقاربة تمييز إيجابي في مختلف المجالات.
- إعادة بناء للمنظومة القضائية بحيث تأخذ بعين الاعتبار خصوصية جريمة العبودية.
- حلا سريعا وشاملا لمعضل الحالة المدنية الذي يمثل واحدا من أكثر المشكلات الناجمة عن العبودية ومخلفاتها تأثيرا على حاضرنا ومستقبلنا.
مرة أخرى، السادة أعضاء اللجنة، السيدة الرئيسة أجدد الشكر لكم، وكلي أمل في أن نتمكن في موريتانيا بتضافر جهودنا الذاتية، ثم بمؤازرة ومواكبة كل المؤمنين بالحرية والعدل من افتكاك طريق آمن لمستقبل لا عبودية فيه ولا تظالم، فقد حرم ربنا جل جلاله الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما، كما جاء في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا).