لم أتفاجأ بحجم الإقبال على مهرجان إعلان ترشح الوزير الأول والسفير السابق سيدي محمد ولد بوبكر في الانتخابات الرئاسية المنتظرة، ولا بفصاحة الرجل وسعة اطلاعه على مكامن الخلل في تسيير البلد، وقدرته الكبيرة على وضع اليد فوق مواضع ألم الشعب الفقير في البلد الغني.
لقد وجد الحالمون بتغيير الواقع المر ضالتهم في ترشح الرجل الجامع لخصال الكفاءة في العمل الإداري، والتجربة في الميدان الدبلوماسي، والاطلاع في المجال الثقافي، والحنكة في التعاطي السياسي، والصبر على تهافت وتفاهات الذباب الإلكتروني.. وهو ما يؤهله لأن يصلح الخلل الاقتصادي، ويعيد رسم علاقاتنا الخارجية على أسس السيادة والاحترام والمصلحة، ويمنح الاعتبار المفقود للتعليم، ويقيم دولة المؤسسات، ويكفل الحريات الفردية والجماعية ضمن دائرة القانون الذي يرسم الحدود بين حريات الناس.
كان خطاب ترشح ولد بوبكر قويا في أدائه، مفصلا في محتواه، جامعا في محاوره، ومستوعبا لبرنامج التغيير المنشود.. وجد فيه الكل ذاته، فلم يهمل موظفا في القطاع العمومي أو الخاص، ولم يتجاهل عاطلا أو طالبا، ولا ربة بيت، ولم يغض الطرف عن مهاجر دفعته الظروف القاسية لترك وطنه، كما لم يدر ظهره لأصحاب المظالم، وما أكثرهم.
لقد خلف خطاب إعلان ترشح ولد بوبكر للانتخابات الرئاسية الانطباع بذكاء النظام القائم وقدرته على الاستشراف، وذلك حينما جند أقلام كتابه ومدونيه، واستنفر استخباراته وشيوخ القبائل وأصحاب المبادرات وأبواق الصالونات لتشويه سمعة الرجل بمجرد إعلانه نية الترشح، في حين انتظر المراقبون توجيه تلك السهام لمرشحي المعارضة التي ناصبت النظام العداء منذ أول يوم لاستيلائه على السلطة بقوة صناديق الذخيرة رغم أنف صناديق الاقتراع.. غير أن قرون استشعار النظام كانت أدق من تحليلات المراقبين، فرصدت التجاوب الكبير والتأييد الواسع لترشح ولد بوبكر داخل قواعد الموالاة وجماهير المعارضة وأوساط المستقلين وصفوف النخب وصفوة الجيش والأمن ومغتربي الجاليات، كما استشعرت مصداقيته العالية لدى حكومات الدول وبعثاتها الدبلوماسية، فأدرك النظام - الذي لعب على حبل "مكافحة الفساد" طيلة عقد كامل - مبكرا أن نظافة يد ولد بوبكر من المال العام ستحبط كل محاولات التلفيق وضرب المصداقية.
لقد بدأ العد التنازلي لاختيار الناخب الموريتاني رئيسا مدنيا، مثقفا، نزيها، وذا كفاءة عالية ومصداقية كبيرة في الداخل والخارج، رغم حملات التشويه ومساعي التزوير.