إن السياسات الأخيرة المتبعة من طرف وزارة الزراعة، وتعاملها مع المزارعين، ورفع أسعار المدخلات الزراعية بشكل مفاجئ، إلى جانب أمور أخرى، كلها قضايا باتت تطرح سؤالا ملحا عن مدى الخطر الذي يتهدد هذا القطاع الحيوي، بل يكاد يقضي عليه تماما.
لقد عجزت السياسيات المتبعة من طرف الوزارة في الحصول على القروض، ولم يقدم القطاع الوصي رغم إدراكه - بدون شك - للخطر المترتب على ذلك، أي إستراتجية جادة لضمان توفير تلك القروض الضرورية لدعم القطاع.
وحين نلقي نظرة على الوضعية الحالية يتبين لنا كم هي خطيرة، ومهددة باستمرارية الاستثمار في القطاع، تلك التحديات التي تواجهنا بقوة وأكثر من أي وقت مضى، بل إنها مجتمعة ترسم صورة قاتمة تطرح أكثر من علامة استفهام حول طبيعة تفكير الذين يشرفون اليوم على تسيير هذا الثروة الوطنية، ويدبرون شأنها.
ولو ألقينا نظرة فاحصة للواقع على الأرض فإننا نلحظ دون كبير عناء مستوى التحديات التي تهدد مستقبل القطاع، فالروافد المائية مسدودة تماما، وأسعار المدخلات الزراعية زادت بشكل لا مبرر له، ووصلت الزيادة للبعض منها نسبة 100%.
وأمام هذه الوضعية المعيقة لم تقدم الوزارة تدخلا حاسما لضمان شقّ الطرق، وتمادت في ممارسة سياسية النعامة التي يبدو أن الوزارة باتت تعتمدها إستراتيجية رسمية لتسيير القطاع.
إننا وفي ظل هذه الوضعية المحيرة التي يعيشها أبرز القطاعات الاقتصادية حيوية، وأكثرها استقطابا للاستثمارات، حق لنا أن نتساءل عن طبيعة الإستراتيجية التي تتبناها الوزارة لتسيير القطاع، والخطط التي رسمتها لتجاوز الوضعية الحرجة.
وإن ما يعانيه القطاع الزراعي اليوم من أزمات وتحديات متلاحقة لا يبشر بوجود أي إستراتيجية جدية يمكن الركون إليها.
ولو افترضنا جدلا عمل الوزارة وفقا لرؤية معدة من طرف أجهزتها الوصية، فإنه يحق لنا استفسارها عن الخطط التي وضعتها لضمان تمويل القطاع الزراعي في ظل عجز الصندوق المعني بذلك، وأين وصلت خطط حماية المحصول، ثم إنه ألا يحق لنا أن نعرف لماذا عجزت الجهات المعنية عن مواجهة العقبات التي تتسبب في سد الروافد المائية، رغم محوريتها وأهميتها بالنسبة للمزارعين؟
إن المشاكل الجمة التي يعيشها القطاع الحساس تدعونا إلى مطالبة الجهات المعنية بتسييره وفقا لرؤية تشاورية، ويلزمها من أجل ضمان ذلك الدخول في نقاشات سريعة مع المزارعين، والعمل المتأني المتفحص لرسم إستراتيجية واضحة المعالم لتسيير القطاع، والعمل بشكل فوري من أجل حلحلة هذه الملفات التي لم يعد البحث لها عن حلول سريعة يتحمل الانتظار.
إن التحديات التي نواجهها اليوم تحتاج إصلاحا جديا، ورؤية من أجل الإصلاح، وأن يتم كل ذلك قبل فوات الأوان.