شعور رهيب أن تمر عليك الدقائق بل الساعات وسواد عينيكَ تجتاحه ألسنة اللهب انعكاسا للمشهد الرهيب من حولك، ترى بضاعتك التي أنفقت فيها كل مالك وأجرت لها المحلات، واستأجرت على حراستها وبيعها عشرات العمال… تغمرها النيران!.
تحاول إطفاءها بآليات بدائية بعدما تنادى إلى دخانها رجال السوق جميعا، فلا تزداد إلا اشتعالا، ثم تتذكر بسرعة أنك في عاصمة بلدك، وعلى بعد أمتار قليلة من مقر "الحماية المدنية" فتبادر الاتصال بهم، وتحدد لهم مكان الكارثة، رغم أعمدة الدخان المتصاعدة في السماء كأنها ترقب آلياتهم من بعيد وتنادي: هنا حريق… هنا حريق!.
تمضي الساعات دون إطفاء، إلى أن تصل السيارات (خزانات المياه) وتطلق ما في جوفها من مياه طبيعية، لا تحوي أي مادة مما يخمد النيران بسرعة ويدخل في مكونات وعناصر الإطفاء في العالم كله، حتى يزداد الوضع سوءا ولا يبقى لك من الطموح إلا الحرص على إخماد تلك النيران الملتهبة من هنا وهناك فوق الرماد، كي لا يتفاقم الوضع وتشتعل المحلات المجاورة، التي نالت نصيبا من الكارثة رغم كل الإجراءات الاحترازية!.
لقد نشب الحريق في أحد المخازن الواقعة جنوب "مسجد المغرب" مساء 15 من مارس الماضي، ولم ينتبه له العمال وملاك المخازن إلا بعد خروجه عن السيطرة الأولية، فاتصلوا فورا بالحماية المدنية، وانتظروا، وبعد ساعات وصلت خزانات مياه طبيعية، فكان يبدو من معانقة خراطيم المياه ألسنة اللهب أن الكارثة ستتوسع، ولن يسيطر عليها عناصر الحماية المدنية بتلك المياه التي يبدو أنها خالية من مواد "الإخماد" المستعملة لدى فرق الإطفاء عادة في العالم كله.
بعد منتصف الليل كانت النيران لا تنقشع إلا عن دخان ورماد، ثم ما تلبث أن تتحول إلى طرف آخر، وأصبح الحي غارقا في بحر تلك المياه التي جلبتها خزانات الحماية المدنية، وأخذت الجدران تساقط على بعضها من شدة الحرارة، وزالت شمس اليوم الثاني عن كبد السماء والرماد يغمر المخازن، وبقية النيران تتجاذب المكان مرسلة أعمدة الدخان في أفق الحي والأحياء المجاورة.
صحيح أن السلطات الإدارية وصلت مكان الحادثة، والتقت بالمتضررين، لكن التواصل والتضامن والتعويض المحتمل في مثل هذه الكوارث في مهب الريح.
فإلى متى يبقى التعامل مع الكوارث في هذه الحدود، وتضيع الأموال والبضائع بسبب الإهمال واللا مبالاة، كأنما الدولة والجهات المعنية في واد والمتضررون في واد…؟