كلمة الإصلاح ما زالت وأرجو بإذن الله أن تبقي كذلك ما دام في العمر بقية ـ أن تكتب في أي شأن من شؤون هذا الشعب المسلم إلا وذكرت فيه ما يأمر به الإسلام كل من الرئيس والمرؤوس، لأن النصوص الإسلامية هي الموجه الوحيد للمسلم في هذه الدنيا.
ولذا فإن موريتانيا الآن متجهة إلى تنافس يظن الغافلون فيه عن متابعة جنود الله لنشاطهم في هذه الانتخابات ويظنون أن لا دخل للإسلام في القيام بالمبادرات وما ينقق فيها من الأموال ولا دخل له في إحصاء القيل والقال على صاحبه في تلك التحركات مع أن الله يقول في محكم كتابه {أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} ويقول كذلك {ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثـقال ذرة في الأرض ولا في السماء} الخ الآية.
ومن ما أثير أخيرا من القيل والقال في هذه التحركات الدنيوية من المسابقة إلى كرسي الرئاسة هو المفاضلة أو المعادلة بين الرئيس الموصوف بالخلفية العسكرية والرئيس المدني، وقد ذهب المتحدثون إلى هذه المفاضلة في غير الطريق الموضوعة للتفاضل فيها إما اجتهادا أو إما قصدا لإبداء موقف للرأي العام الذي يتمنى أن يعرف الموقف الحقيقي للفرد العادي ولا سيما الزعماء السياسيين.
أما حقيقة التفاضل والمعادلة فموضوعها الكيفية التي يحكم بها صاحب الخلفية العسكرية الشعب وطريقة الحكم المدني عند الرئيس المدني ـ والناس تعتمد على ما شاهدت من تصرف الرؤساء في الحكم العسكري والمدني لتقيس عليه.
فموريتانيا من استقلالها حتى الآن حكمها ثمانية رؤساء: اثنان منهم مدنيان وستة عسكريون،
وأربعة من هؤلاء الرؤساء حقت عليهم كلمة ربهم وهي قوله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} وأرواحهم الآن أمام ربها ولا شك أن من رضي الله عنه منهم "ونرجو أن يرضى عن الجميع" فهو مشفق على تحركات أهل الدنيا الحالية ولا سيما من لا ينظر فيها أوامر الله للسلطة {إنا أنزلناك إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك الله ولا تكن للخائنين خصيما} وقوله تعالى {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى}.
أما من لم يرضى الله عن حكمه وقد بدى له من الله ما لم يكن يحتسب فيود لو تسوى به الأرض ولا يقبل منه ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به وأما الأربعة الآخرون فما زالوا في صف انتظار الذهاب إلى الله بنفس المصير.
ومن هنا نعود لنوع حكم هؤلاء العسكريين والمدنيين في موريتانيا لنرى مكانا للمفاضلة أو المعادلة لنقيس عليها اتجاهـنا إلى ما هو أمامنا من الحكم العسكري أو المدني.
فأول رئيس حكم موريتانيا رئيس مدني هو المختار بن داداه رحمه الله وقد أنشأ موريتانيا من العدم ووجدها شعوبا وقبائل وشرائح متفرقة ومتنافرة فيما بينها فألف بينها بإذن الله وأعانه على ذلك عفافه عن جمع المال وإعطائه لزملائه في الحكم كل الصلاحيات حتى أصبح ذكرهم في الدولة يشبه ذكره هو بمعنى أنه ربى رجالا دوليين من كل الشرائح فمن منا لم يتذكر أفرادا من رجاله كالجبال في شخصيتهم مثل محمد بن محمد صالح وأبناء محمد لقظف ومعروف بن الشيخ عبد الله وصل جبريل ويال عبد الله وكمرا صيد بوبو إلى آخر تلك الرجال الذين لا يمكن حصرهم كانوا رجال دولة لموريتانيا.
وعندما جاء العسكريون فمن ناحية الاستقامة الدينية والعفاف عن المال فلا شك أن الرؤساء المصطفى بن محمد السالك ومحمد محمود ولد أحمد لولي رحم الله الجميع وهيدالة قد ضربوا في ذلك المثـل الأعلى بما أعطاهم الله شخصيا من ذلك التدين والخوف من الله والعفاف عن المال ولكن هل حكموا موريتانيا بالقوانين والمشاورة وإشراك الشعب في تسيـير الدولة بل لعدم معرفتهم لغير مهنتهم العسكرية ذهبوا إلى أفراد الحركات المنـتشرة آنذاك وأصبحوا يتـلقون منها الاتجاهات المضادة لمصالح الشعب فكل واحد منهم يقدم إليهم الفكر القومي والأيدلوجي لتتبنى السلطات العسكرية منهجه حتى تركوا موريتانيا فوضى لا حالكم لها إلا الاجتهادات الحركية التي لا يمت بعضها لمصلحة موريتانيا بصلة وعندئذ استأنف العسكر الانقلابات وجاء الرئيس العسكري معاوية ولا شك أنه رجل عسكري حضري مدني كان يمكنه لو كان يعرف الإدارة المدنية لكانت استقامته وعفافه عن المال في الحكم سيساعده على حكم موريتانيا ولكنه هو الآخر اتجه أولا إلى الحركات التي جاءت به إلى الحكم وسبب اعتماده على تلك الحركات القومية خلق حركات قومية زنجية حاولت الانقلاب عليه بنية استـئصالية فأراد الله خيرا لهذا الشعب الذي لم ينجح فيه ذلك الانقلاب ونتيجة للأحداث جاء العالم الغربي بالديمقراطية الدنيوية العرجاء وتعلق معاوية بمظهرها الخارجي دون قوانينها الدستورية والتشريعية لأن العسكري لا يمكنه أبدا أن يفهم رد أوامره العسكرية بما يقوله الدستور أو القوانين التشريعية وهذا في جميع تصرفات العسكريين الحاكمين في العالم.
فالقوانين بما فيها الدستور هي مجرد ديكور في الدولة العسكرية الديمقراطية ومظهرها الوظيفة السياسية ذات الراتب المرتفع ليملأ أفواههم وبطونهم حتى يجعلهم ذلك الراتب يكتفون بالإشارة فقط من طرف العسكري الحاكم ويصيرون جنودا له تحت الأوامر.
وقد زاد الرئيس معاوية على تجاهل الحكم بالقوانين إلى وضع الدولة تحت تصرف النواب والعمد ليعبثوا في جميع خزائنها الحاصلة من الدخل القومي أو الممنوحة أو المستدان بها وجعل الجميع تحت تصرف رجال الدولة النافذين لتحصيل الأصوات ساعة الانتخابات دون أن تتجه نفسه هو إلى تحصيل الأموال لنفسه، وبعد أن كادت الدولة تـنتهي نهائيا جاء هذا الرئيس الحالي لأن الرئيسين العسكري والمدني اللذين جاءا بعد معاوية لم يتركهما هذا الرئيس الحالي يخططون لطريقة مدنية سليمة لسكة دولة مدنية تسير عليها الدولة كما ينبغي.
فالرئيس اعلي ـ رحمه الله ـ لم يترأس لأجل الرئاسة بل كان صادقا في فكره لتحويل الرئاسة عن العسكر للمدنيين لمعرفته برسوخ الأوامر العسكرية في التسيـير في ذهن العسكري، أما الرئيس المدني سيد بن الشيخ عبد الله فقد عاش أكثر عمره العملي في رؤية التسيـير الديمقراطي الغربي وكان يعجبه وكان عازما لو أتيحت له الفرصة أن يحاول سلوك المرحوم المحتار بن داداه الذي عمل معه ورضي عن عمله في حكم موريتانيا ـ إلا أن الرئيس الحالي ومعه ــ تقريبا ـ المرشح العسكري الحالي لم يستطيعا انتظار خمس سنوات مع الحكم المدني فأزاحوه واستأنف الحكم من حيث انتهي معاوية من ناحية الحكم بأصوات الانـتـفاعيـين والمبادرات والقبائل إلى آخر ما نحن فيه الآن ـ فمن سأل الهواء فوق موريتانيا عن الأصوات التي تملأه فسوف تجيب أن ما يسمى بالحزب الحاكم ومبادراته من تابعي الحكم المنصرف المراد بها إعانة المرشح العسكري القادم من طرف المنصرف لأجل ما بعد النجاح.
أما حكم الرئيس الحالي فلا شك أنه يستطيع أن يقف أمام الموريتانيين وينشد على أرفع صوت له بقول الشاعر:
نفس عصام سودت عصاما *** وعلمته الكر والإقداما
فموريتانيا الآن موريتانيا محمد عبد العزيز بدستورها وجميع رموزها وقوانين تشريعها وأرضها وسمائها ومطارها بل وزمام رجال أعمالها إلى آخره ولم يترك لأي وزير ولا مدير ولا شبيه ذلك رجولة معه يمكن أن يعرضها على الموريتانيين فهنيئا لشخصيته في الدنيا واعتماده على نفسه في تنفيذ أوامره بدون الرجوع إلى أي مرجع آخر.
فإذا قارنا بين الرجال الجبال الذين خدموا مع المختار رحمه الله بأسمائهم في موريتانيا سواء من الموريتانيين الزنوج أو من البيظان مع رجال ونساء ومثـقفين وشعراء وكتاب ومدونين أي جميع المسيرة التي تسير الآن في فـلك ما يسمى بالأغلبية لم نجد فيها شخصا واحدا يشار إليه استقلالا مع هذا الرئيس.
فمن يقارن بين أولئك وهؤلاء كمن يقارن بين الأسود والأرانب: فعسكرية هذا الرئيس اتخذت طريقة معاوية في مبايعة القبائل والوجهاء والأشياخ إلى آخره إلا أن معاوية مكنهم من البضاعة الموريتانية بجميع أنواعها دون أن يشرك نفسه فيها، أما الرئيس الحالي فبالرغم من أن شخصيته العسكرية الفولاذية فقد جمعت كثيرا من الأموال وصرفت منها كثيرا في البنى التحتية في الدولة إلا أنها لم تشرك معها كثيرا من أهل المسيرة "إلا أماني" وقديما قيل "ربما يقطع أعناق الرجال المطامع" وأصبحت النساء كذلك تقطع المطامع منهن شيئا آخر.
وعلى كل فمن يريد أن يقارن أو يفاضل أو يعادل بين الحكم العسكري مع الحكم المدني فـلينظر إلى من حكم موريتانيا فالعسكري أصلا يحكم الدولة بالمراسيم مع وجود القوانين التشريعية أمامه.
ولكن هذا الرئيس لا يحكم موريتانيا بالمراسيم بل الأوامر؛ افتحوا المؤسسة الفلانية، أغلقوا المؤسسة الفلانية، جردوا الشخص الفلاني من مهامه، أفـلسوا المؤسسة الفلانية وقوموا بتصفيتها إلى آخره.
ومن المؤسف أن هذا الرئيس كان في أول زمنه يحمل في قـلبه مسحة دينية اكتسبها من محيطه البيئي الموريتاني، وكانت تلك المسحة الدينية تحجزه عن فعل ما ينهاه عنه الدين والمروءة وعندما اتصل أخيرا بمحور الشر كما يقول المرزوقي ولا سيما محمد بن زايد الذي ترك سيرة والده الطيب زايد اللطيف مع المسلمين واختار طريق الشيطان الذي يقول فيه المولى عز وجل {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا أصحابه ليكونوا من أصحاب السعـير} اتخذه هذا الرئيس بطانة تأمره بالمنكر وتنهاه عن المعروف فابن زايد هذا آلى على نفسه ألا يترك مسلما قرآنيا سنيا في أنحاء المعمورة إلا وقضى عليه وعلى كل رزق يناله من أي جهة خيرية ومع الأسف اتصل به رئيسنا وجاء من عنده يرمي البرآء المعروف عند الموريتانيين أين يبيتون وأين ينامون ــ يرميهم بالإرهاب ــ مثل داعش والقاعدة وسلفي السيسي الموصوفين بالإرهاب في أماكنهم وما على الموريتانيين إلا أن يقولوا في شأن هذا الرئيس الآن إنا لله وإنا إليه راجعون على اتصاله بالغافلين عن ربهم المتناسين يوم لقائه والحمد لله على قلة المدة الباقية تحت هذه الظروف.
والآن أقول للموريتانيين أيكم يضمن أن هذا المترشح العسكري المتفق على حسن أخلاقه وطيب أرومته إذا نجح أن يحكمنا بالديمقراطية المكتوبة وهو وراءه هذا الرئيس ومسيرته المسماة بالأغلبية التي وضعت نفسها تحت الطلب ولا يعرفون الرجوع إلى النصوص إلا بأوامر مسؤوليها بالتنفيذ، فمن تذكر أن تغيير الدستور وقع بالمادة: 38 تحت مسؤولية المجلس الدستوري فلا يطمع بإتباع أي نصوص أخرى سواء من القاضي أو الوزراء إلى غير ذلك.
إذن فالرأي الصائب والمتحقق نتيجته بإذن الله هو أن يصوت الشعب للمترشح المدني سيد محمد ولد بوبكر وستكون قيادته مثل ما جاء في الحديث الصحيح عن جليس صاحب المسك إما أن يحذيك منه وإما أن تشم منه رائحة طيبة فلم يأمر بسجن أحد ولا غلق مؤسسة ولا تأثير على مؤسسة تشريعية إلا بالقانون وهنا أقول ما قاله الشاعر:
أمرتهم أمري بمنعرج اللواء *** فلم يستـبـيــــن الرشد إلا ضحى الغد
وبما أن التصويت لنجاح العدل المبرز بمثابة زرع الحسنة فالله يقول {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها}.