زيارة إسواتيني الغامضة!

يوجد الجنرال محمد عبد العزيز هذه الأيام في مملكة إسواتيني (سوزيلاند سابقا) في زيارة رسمية تدوم 3 أيام.. سبق أن زار ملك إسواتيني موريتانيا في القمة الإفريقية التي استضافتها نواكشوط يونيو 2018، لكن العلاقات بين البلدين ظلت غير مسموعة وغير مرئية حتى نشطت فجأة قبل نحو 20 يوما عندما استقبل الجنرال سفيرا غير مقيم لإسواتيني، وقيل بعد اللقاء إن الموفد حمل دعوة للجنرال لزيارة إسواتيني.

 

ليس طبيعيا أن تمرّ زيارة كهذه دون أسئلة تثيرها مدة الزيارة وطبيعة الدولة المَزورة؛ فقد قرر الجنرال الثواء في تلك الربوع 3 أيام مهملا شؤون البلد ومعطلا اجتماعات مجلس الوزراء، أما البلد المضيف فليس أحد البلدان الإفريقية المؤثرة في أي قضية إقليمية أو عالمية، ولا تربطه بموريتانيا أي روابط جيوسياسية أو ثقافية أو اقتصادية !

 

ماذا يريد الجنرال إذاً في إسواتيني النائية في جنوب القارة المعزولة عن التأثير والتي لا تملك أي تجربة تنموية ملهمة قد تسعف قائلا أن يقول إن الجنرال شد إليها الرحال استلهاما واقتباساً، فإسواتيني من الناحية السياسية ملكية توارثية مطلقة يحكم فيها الملك الفرد، وتحتل والدة الملك الرتبة الثانية في هرم السلطة وتتولى إدارة الدولة في غيابه !

 

إسواتيني أيضا مملكة خالية من الحريات العامة؛ فالأحزاب محظورة تماما ووسائل الإعلام غير الحكومية معدومة إلا قناة تلفزيونية واحدة مملوكة للأسرة الحاكمة، وهي تقبع في المرتبة 147 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، بحسب تقارير "صحفيون بلا حدود" 2019.

 

من الناحية الصحية تسجل إسواتيني أعلى نسبة للإصابة بالإيدز والسل المقاوم للعلاج في العالم، وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود" فإن ثلث السكان البالغين مصابون بالإيدز، مع قطاع صحي مهترئ تماما.

 

أما من الناحية الاقتصادية فتبلغ نسبة السكان تحت خط الفقر 69% رغم أن عدد السكان لا يتجاوز مليونا ونصف المليون تقريبا بحسب تعداد 2012، ورغم أن مجمل الناتج المحلي يتجاوز 11 مليار دولار سنويا حسب تقديرات 2016 التي تشير أيضا إلى أن معدل البطالة يصل إلى 40%!

 

ويوصف النظام المصرفي لمملكة إسواتيني بأنه من أكثر الأنظمة المصرفية غموضا في العالم، وهذا ما جعله ملاذا للكثير من الأموال غير القانونية، ومن أحدث الأمثلة على ذلك فضيحة أموال القذافي؛ ففي مطلع العام الجاري استقبلت إسواتيني عشرات الملايين من الدولارات كان الزعيم الليبي الراحل هرّبها في 2011 إلى صديقه جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا السابق وطلب منه الاحتفاظ بها لصرفها على المحامين في حال تم تقديمه للمحاكمة في لاهاي. وبحسب تقارير نشرتها صحف عالمية مثل التلغراف البريطانية فإن زوما خبأ هذه الأموال في منزله عدة سنوات لكنه اضطر - تحت تهديد خلفه رامافوزا بمحاربة الفساد - إلى تهريبها إلى إسواتيني حيث لا قضاء ولا شفافية ولا تداول للسلطة.

 

ليس خافيا أن أموال القذافي المتناثرة في العالم وخاصة تلك التي كانت في دول عربية معروفة قد أصبحت أحد مصادر تمويل الثورات المضادة في العالم العربي، وقد حاولت الحكومة الليبية مرارا استعادة هذه الأموال من إسواتيني لكنها لم تفلح.

 

ليس بالضرورة أن تكون زيارة الجنرال لإسواتيني لها علاقة بأي شيء مما ذكر سابقا، ولكنها على كل حال تبدو غريبة ومريبة، ومن حق المواطنين الموريتانيين أن يتساءلوا عن أسبابها وغاياتها، وبالتأكيد فإن الجواب المقنع لا يمكن أن يكون قول قائل إن الجنرال قطع كل هذه المسافة وأهمل شؤون البلد كل هذه المدة من أجل توقيع "مذكرة تفاهم بين البلدين حول المشاورات الثنائية المنتظمة"! أي مشاورات؟ وحول ماذا تتشاور دولتان لا يوجد أي تلاقٍ مفهوم للمصالح بينهما؟