مهما حاولت اجتثاث مشروع سقى العطشان وأطعم الرغثان، وآوى اليتيم وعلمه وداواه، ونشر عبق الإخاء في مجتمع دق بينه عطر منشم، ونشر العلم في ربوع طالما حاضر فيها الشاطبي في معمعة المشاكسة بين الحطاب والضليل.
مشروع أعاد لهذه الربوع مكانتها اللائقة، بعد أن أصبح مطمح القائمين عليها نيل سقط المتاع من وكلاء الشر الإقليميين، بلاد كانت تفاخر الناس بأنها نشرت الحنيفية السمحاء في ربوع المنبع الأطيب بإفريقيا، بلاد ثبًت أبطالها الإسلام أربعة قرون في بلاد الأندلس، لكن طال الأمد على متصدري شأنها العام (النظام الحالي) فأصبح همهم نيل شبعة من فتات ما يرميه العميل وورد فيهم قول الحطيئة :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاس
وعموا وصموا عن مصائر سلفهم الطالح الذي حاول ذات يوم اجتثاث الدعوة وأهلها فأصبح طريدا شريدا يرد فيه قول ابن عباد :
من بات بعدك في ملك يسر به *** فإنما بات في الأحلام مأسورا
لا هو اجتث المشروع الإسلامي ولا هو وجد دعما من شياطين طالما منوه ووعدوه وأغروه سالكين طريقا لاحب الدرب شيخهم الأكبر فيه وقدوتهم الذي سيخطب فيهم ذات يوم بصوت مجلجل وسط اللهيب {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} صدق الله العظيم.
لم يتعلموا من مصائر أحمد بن أبي دؤاد ولا الفضل ابن مروان الذي ليس له باك يعرف ولم يتذكروا الدعوات التي صاحبت الحجاج إلى قبره ولا شؤمه الذي أسقط دولة دوخت المشرق والمغرب .
لا يرقبون إلا ولا ذمة في زغب الحواصل غيب الدهر كاسبهم فعانوا مذلة الفقد وحرقة الحرمان .
ويبدو أنهم تناسوا أن الله عز وجل عذب امرأة في هرة لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشائش الأرض فكيف بمن جمع حق اليتم والإسلام والقرابة والجوار خمسة آلاف وأربع مائة يتيم يحرمون بجرة ـ ثم يأتي بعد ذلك من يحدثك عن رئيس الفقراء وشر البلية ما يضحك ـ ورحم الله العابد عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عندما قال لمصعب بن الزبير وقد قتل سبعة آلاف رجل أريت لو ذبحت سبعة آلاف نعجة من مال الزبير أليس هذا إسرافا قال بلى يا عم فقال عبد الله فكيف بسبعة آلاف مسلم اشرب يا بن أخي من الماء البارد ما استطعت في الدنيا!!!
سدروا في غيهم فأغلقوا يدا بيد وهي من كان ينشر المؤاخاة بين ذوي الإحن ويزيل الشحناء والبغضاء عن طريق أخوة نبتت وحاول الأغراب طمسها بالران وتسميمها بدعوات جاهلية نتنة، وأحداث طالما رعوا أصحابها إن سرا وإن علنا!
أأبيت سهران الدجى وتبيته *** نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
هيهات أن يدرك العير الحرون الطرف المضمر للرهان.
وبما أنهم أفسدوا التعليم فلا يحبون أن تكون في البلد جامعة علمية ذات مستوى كانوا هم أول من أشاد به وزكاه وسبحان من ابتلاهم بالحول في كل شيء، يحاربون الفضيلة بنشر الرذيلة وما مصير من انقلبوا عليه ببعيد.
وتناسوا ما جرى ويجري في المحيط من إزاحة للطغيان وأن ما كان مقبولا بالأمس لم يعد الشعب يستسيغه وأن استنساخ تجربة 94 صار ضربا من الخيال وحتى تجربة 2003 صارت من خبر كان والتاريخ خير شاهد على من سيكسب العزة والفخار والخلود ومن يوصم بالمذلة والحقارة والنذالة لأنه باع قضية وطنه وأمته للأغراب ووكلائهم أقزام النفوس، عديمي الضمير!!!
وفي الأخير ما أحسن قول الأول
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ *** من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا