"إن شر النفاق ما داخلته أسباب الفضيلة، وشر المنافقين قومٌ لم يستطيعوا أن يكونوا فضلاء بالحق؛ فصاروا فضلاء بشيء جعلوه يشبه الحق". مصطفى صادق الرافعي
في البدء لا أخفيك ــ أيها القارئ الكريم ــ أني مهتمّ هذه الأيام بمشاهدة أرشيف وحاضر علَمٍ من أعلام موريتانيا لا يجد حرجا ـــــ كغيره من أبناء البلد ــــ في وصف نفسه بأوصاف من قبيل المناضل والعميد والنقابي... ألا وهو العَلَم زيدان ولد لوداعه!
ولا أخفيك أيضا أني أجد متعة في متابعة المهرّج زيدان أكثرَ من قراءة مقالات وآراء ومشاهدة مقابلات من يتسمون بالنخبوية والدراية المعرفية... وأعتقد أني لستُ وحدي في ذلك.
سبب هذا الاهتمام راجع إلى أني ألمس صدقا مع النفس وانسجاما مع الذات لدى زيدان تنضاف لهما جراءة في نزع القناع ووضوح في الرؤية والهدف دون لفٍّ أو دوران، وهو الشيء الذي لا أجده مع متثاقفي الحربائية وكتاب الأقنعة المزيفة...
زيدان رجلٌ من عامّة الناس...يصف نفسه بــ"اللحلاح"، يُفاخر بها.. لا يتهرّب من صفة "المُطَبِّل" التي تُغضب نظراءه في المهنة من حملة الدّال ممن يحسبون أنهم على شيء!
زيدان يُصفّق دون "تفكير عميق"، يُهرّج دون " دراسة متأنية للساحة السياسية"، لا يستخدم شيئا من ذلك "الكلام الكبير"، ألَيْست "طلاقة الحديث علامة أكيدة على النفاق"؟ كما يقول الروائي الفرنسي أونوريه دي بلزاك.
يتملّق زيدان دون أن يرفع شعار "الوطنية" و"المصلحة العامة" و"الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة"..
ينحصر تملّق زيدان في مفردات بسيطة من قبيل: أعطني.. مع تكرار مكثَّف لــ"تمجيدات" القبائل، أما تملّق نظرائه من خريجي الجامعات (لا يستحق هؤلاء وصف المثقفين، فالمثقَّف كما يقول تشومسكي هو من يحمل الحقيقة في وجه القوة) فيُستدعى له التاريخ والأشعار وتُستلّ له سيوف الأنصار حتى!
لا يريد المهرّج زيدان أن يخرج من أي تظاهرة سياسية خاوية الوفاض، لذلك يبدي امتعاضه بشجاعة دون خوف، أما خريجو الجامعات فيتناجون فيما بينهم مستائين من "الزّمكة" ولأنهم لا يمتلكون شجاعة زيدان يعود أحدهم لمنزله وبعد أن يهدأ غضبه ويبدّل القناع يكتب: فلتذهبوا أنتم بالشاء والبعير ولنذهب نحن بمحمد ولد الغزواني!!
تقول الطرفة الشعبية إن رجلا من اهل لخيام ذهب إلى أحد المشائخ طالبا ما يطلبه المريد من شيخه، وحين لم يجد عند شيخه غير "الدار الآخرة" خاطب شيخه قائلا: لعيال امشيت عنهم حالهم امتين ولا انكد نرجع شورهم جايب الهم اللَّا الَاخْرَهْ..
ما جبُن عنه كبار كتَبة النظام عبَّر عنه زيدان قبل أيام بصراحة ورباطة جأش قائلا: مافات اقنعني ماهو محمد ولد عبد العزيز واللي خاطيه ماهو قانعني املكت منو الوتات والدْيار.
هذه المقولة البسيطة في تركيبها دندن حولها مثقف كبير واستدعى لها كل معارفه التاريخية والاجتماعية والأدبية ، ليتحدث عن "رجل الظل" الذي لن يكون سوى غزواني الملقب محمد محمود ولد سيدي قائد الأركان سابقا رئيس حزب تواصل حاليا!!
هل رأيتم مدى شجاعة زيدان؟!
زيدان عيرَّه أحدهم ذات يوم في اجتماع عام بــ"اتلحليح"، فأجابه زيدان بفصاحة وقوة بيان: اخليك لي احن هون كاملين اللا للتلحليح، ذ اللي هون فاتح مصحفو منهو؟!
هل رأيتم مدى حكمة زيدان؟..
زيدان إذن أقرب إليَّ ـ على مستوى التفهم ــ من موالاة الأقنعة، تلك الموالاة التي أضفت على ولد عبد العزيز كل الصفات الإيجابية ولقّبته برئيس العمل الإسلامي هي ذاتها الموالاة التي تثمن الآن "أخلاق" غزواني وتعقد الندوات والأماسي وتطلق الصالونات الثقافية بأسماء الجنرالات ليّا بألسنتهم وطعنا في أخلاق رفيق غزواني ولد عبد العزيز، لكنهم يجبنون عن التصريح بذلك عكس زيدان!
تلك الموالاة التي ثمنت حضور الثقافة في العشرية الماضية وأثنت على الاهتمام غير المسبوق بالتراث اللامادي والمادي هي ذاتها الموالاة التي تناقش الآن حضور الثقافة الطاغي في خطاب ولد الغزواني..!
بعد سنوات قد نكون على موعد مع فارس جديد من فرسان المؤسسة العسكرية ومع ندوة من ندوات صالون ثقافي آخر يناقش دلالة حضور كلمة "البُرور" في اسم الجنرال القائد محمد الشيخ محمد الأمين المين الملقب "ابرور"... من يدري؟؟
زيدان ليس وجيها ولا إطارا بمقاييسكم لكنه أكثر شجاعة من الأطر وأكثر انسجاما مع نفسه من وجهاء يبيتون على دعم x ويصبحون على دعم y..
ليس زيدان وجيها ولا شيخ قبيلة ولا مسؤولا كبيرا ترجى منه المناصب لذلك لا شيعة له، يسخر منه الجميع ويضحك منه الجميع وينسى "الجميع" أنه (يظحك المظحوك فيه).
زيدان لا يُخفي غير ما يُظهر، لا يدعي المثالية والطهرية، هو لحلاح.. وكفى....
لذلك أحترمه وأتمنى لرفيقه الآتي من ضواحي بومديد مسارا موفقا وحبالا صوتية قوية.