الأخبار (نواكشوط) – تساءلت صحيفة الأخبار إنفو في عددها اليوم الأربعاء عما إذا كان مجلس الشيوخ الموريتاني سيصادق على حل نفسه، وقدمت قراءة في تشكلته، وانتماءات أعضائه، وتاريخه خلال العقدين والنصف الماضيين.
وقالت الصحيفة إن أنظار السياسيين الموريتانيين ستتجه مع نهاية الأسبوع الحالي صوب مجلس الشيوخ الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني، حيث سيبدأ سلسة جلسات ستكون حاسمة في مسار الهيئة الدستورية، وربما في مسار البلد ككل، حيث ينتظر أن يستقبل مشروع القانون الدستوري المتضمن للسماح بمراجعة دستور الـ20 يوليو 1991، ومن ضمن التعديلات المقترحة إلغاء المجلس كغرفة في البرلمان واستبداله بمجالس جهوية، وهو الإجراء الذي أعلنه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطاب جماهيري يوم 03 مايو 2016 من مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي.
وأضافت الصحيفة أن المجلس الذي أنشأ قبل ربع قرن بموجب دخول البلاد ما سمي بالمسلسل الديمقراطي، وإعلان دستور الـ20 يوليو، ستكون الأيام القادمة حاسمة في مصيره، وما إذا كان الشيوخ سيحكمون بـ"إلغاء مجلسهم والقضاء عليهم بشكل نهائي"، كما أعلن الرئيس في خطابه، أم سيواصلون "تمردهم" الذي بدؤوه على الحكومة وقيادة الحزب الحاكم، واحتاجت تهدئته لتدخل مباشر من الرئيس محمد ولد عبد العزيز وإجراء لقاءات مع الشيوخ بشكل مباشر.
وذكرت الصحيفة بالتحصين الممنوح لمجلس الشيوخ - الذي ينتخب بشكل غير مباشر من قبل المستشارين البلدين – حيث يمتاز عن صنوه مجلس النواب بأنه غير قابل للحل، ولا تنتهي مأموريته بشكل متزامن، حيث خصص القانون إجراءات تجديده في انتخاب ثلثه كل سنتين، لتصبح مأمورية كل فريق 6 سنوات.
ووصفت الصحيفة المجلس بأنه ظل طيلة العقدين والنصف الماضيين مكان التجمع الأساسي لقادة القبائل الموريتانية، وكبار النافذين، وحافظ خلال هذه الفترة على صفة "المجلس الطيِّع" إضافة لصفة "ضامن استمرار المؤسسات الدستورية" في الحالات التي تكون غير موجودة كحالة حل الجمعية الوطنية والمجالس المحلية في العام 2001.
واعتبرت الصحيفة أنه زاد من أهمية المجلس المرتبة الدستورية الممنوحة له، حيث يمنح الدستور رئيسه منصب نيابة الرئيس في حال عجزه فقد نصت المادة: 40 من الدستور على أنه "في حالة شغور أو مانع اعتبره المجلس الدستوري نهائيا، يتولى رئيس مجلس الشيوخ نيابة رئيس الجمهورية لتسيير الشؤون الجارية"، وحددت الفقرة الرابعة فترة ثلاثة أشهر "ابتداء من إقرار شغور المنصب أو المانع النهائي، ما لم تحل دون ذلك قوة قاهرة أثبتها المجلس الدستوري" لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
وذكرت الصحيفة بالتوقف الذي عرفه المجلس خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام ولد الطايع والتي استمرت 18 شهرا، وذلك عقب إعلان السلطات التي تولت السلطة عن حل المجالس الدستورية ووقف العمل بالدستور قبل إدخال تعديلات عليه وتنظيم انتخابات نيابية ورئاسية للعودة للحياة الدستورية.
وقالت الصحيفة إن "تمرد" الشيوخ منتصف العام الماضي كانت وراء ثلاث دوافع رئيسة كانت شرارتها ما وصفه الشيوخ بـ"الإساءات المتعمدة لهم من أعضاء الحكومة وقيادات الحزب الحاكم"، معتبرة أن أول الدوافع هو تخوف الشيوخ على مناصبهم الحالية، وربما المستقبلية في حال ظل المجلس موجودا، إذ تشكل بالنسبة لعديدين من أعضاء المجلس الحالي من قادة القبائل والمتقاعدين من أسلاك الإدارة والأمن فرصة قائمة يمكن الفوز بها عبر طرق عديدة يتعلق جزء منها بالتوازنات المحلية في مقاطعتهم، وجزؤها الآخر بالعلاقة مع الشخصيات الفاعلة في قمة هرم السلطة.
أما السبب الثاني – تقول الصحيفة - لـ"تمرد" الشيوخ المفاجئ فهو الهزة التي سيحدثها إلغاء المجلس على التوازنات المحلية حيث كانت عضوية المجلس تشكل أحد المناصب التي يتم التفاوض عليها محليا بين القوى القبلية الفاعلة في كل مقاطعة، وذلك مع منصب عمدة البلدية، ونواب الجمعية الوطنية، ويعني اختفاء هذا المنصب تصاعد الصراع على بقية المناصب، وتغير معادلة "توزيع المناصب" التي كانت سائدة في عشرات المقاطعات الموريتانية في مختلف الولايات.
أما ثالث الدوافع فهو ما يصفه الشيوخ "بحملة الإساءة التي تعرضوا لها من أعضاء الحكومة، ومن قيادة الحزب الحاكم"، وقد شكل هذا الدافع شرارة للتمرد الذي استمر عدة أسابيع، وكان بقيادة رئيس المجلس محسن ولد الحاج، ورفض خلالها الشيوخ الاستجابة لدعوة وجهها لهم رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم مرتين، ولم يتجاوز حضورها في المرة الثانية سوى 9 شيوخ من أصل 43 شيخا ينتمون لهذا الحزب.
ورأت الصحيفة أن إجازة مشروع القانون الجديد يحتاج لتصويت 39 شيخا من أصل 56 هم أعضاء المجلس، في حين يحتاج إسقاطه لتصويت 19 شيخا.
ويصل عدد المعارضين في مجلس الشيوخ 10 ويتشكلون من شخصيات مستقلة ومنتمين لأحزاب المعارضة، في حين ينتمي للحزب الحاكم 43 من أعضاء المجلس لكن غالبيتهم أعلنت مغاضبتها للحزب خلال الأشهر الماضية، أما بقية الأعضاء وهم ثلاثة فينتمون لأحزاب منضوية ضمن ائتلاف الأغلبية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر برلمانية قولها إن نقاش المشروع الدستوري لن يأخذ وقتا طويلا لدى اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ قبل إحالته للأعضاء للتصويت عليه، مشيرة إلى أن الأشهر الماضية عرفت إعلان العشرات من الشيوخ المنتمين للحزب الحاكم مغاضبتهم له، ورفضوا مرتين حضور الاجتماع الذي دعا رئيس الحزب الحاكم سيد محمد ولد محم، حيث لم يتجاوز عدد من حضروه 9 أعضاء من 43.
ورأت الصحيفة أنه في ظل تأكد مغاضبة شيوخ الحزب الحاكم وضبابية الصورة عن تأثير الإجراءات المتخذة لاسترضائهم، وسرية التصويت، يكون من شبه المستحيل توقع الصورة النهائية لموقف الشيوخ من تعديل الدستور.
وأردفت أنه أيًّا كان الموقف الذي ستتخذه غالبية أعضاء مجلس الشيوخ فإنه سيعني خطو موريتانيا لمرحلة جديدة من حياتها السياسية، حيث تكون البلاد على أبواب نظام جديد عنوانه المجالس الجهوية المحلية وتوسيع مجال اللامركزية، في حال الموافقة على مشروع القانون الحالي، أو تدخل البلاد مرحلة أخرى يسجل فيها البرلمان أول رفض لقرار تنفيذي بحجم تعديل الدستور في تاريخ البلاد.