يسوق الرافعي معنى فريدا في السياسة الراشدة وحب العرش ما معناه، أن الجلوس على عرش وردي ليس بالضرورة أن يكون عشرين عاما حزنا وجورا، بل قد يكون عشرين عاما عدلا وفرحًا؛ "لأن الأيام التي تجعل الوقت يتقدم في القلب لا في الزمن تُسعد الناس، فيكون التعداد بالعواطف لا بالساعات، فيتواتر على النفس معنى الحياه جديدها لا بقديمها" وبجديد السياسة لا بقديمها يأتي دور المراقب لحركة الساحة السياسية الموريتانية اليوم، والذي يدرك بكل بساطة شحنة الخطاب المحمّل بوعود متباينة وتعهدات حالمة، عهدناها على مرِّ الأنظمة المتعاقبة طيلة المسار السياسي من قبيل - العدل، ومحاربة الفقر، والتعليم والصحة -، فعلى أي عرش يتنافسون وإلى أي كرسي يتسابقون؟ وأين الذات العاقلة، والسياسية الراشدة من هذا؟
ولذلك كان لا بد هنا من تسجيل نقاط أساسية أهمها:
1. أن بريق الأمل الموعود، والسعي الحثيث وراء هذا الأمل المنشود، يتطلب مسايرة الأنظمة ومجالدتها بكل الوسائل المشروعة لانتزاع ما يمكن انتزاعه بالمشاركة الواعية المسؤولة، ولو بالمشاكسة النمطية المتزنة والذكية.
2. لا بد للذات العاقلة من مُتكئ تتكأ عليه وقت الأزمة ووقت الرخاء، وهذا يحيلني هنا إلى الخطر الخارجي المرعب، وخطورة تغوُّل التحولات والتحالفات الدولية الإستراتيجية. فعلى الراعي المترشح الذي يرعى حقوق الشعوب البسيطة المصابة في نسيجها الاجتماعي، والتي تحتاج إلى من يعالج كسرها ليس بالعقاقير المؤلمة ولا بالمسكنات الزائفة، وإنما بالوجاهة المبصرة، والبناء الملموس، حتى تلعب الدولة دورها العادل، وتعيش الإنسانية حياة الرفاهية، إحقاقا للحق وتطبيقا للمعقول من القول.
3. لا بد للسياسي الراشد من موكب مهيب يتهادى فيه بين الصفوف، تحفه المُهج المُشتاقة، وتحوطه الأفئدة التواقة إلى التغيير، الراغبة في فجر جديد، تنثر فيه الأمهات دموع الفرح، وتنبلج فيه أسارير اليتامى لترسم البسمة على قلوب أثقلتها أنَّات الليالي وعواهل الزمن.. هنالك يبرز دور السياسي الواعي والزعيم الراشد.
4. الواقع المرير أيها الراعي الراشد الطامح الساعي للجلوس على كرسي "العرش الوردي"؛ يتطلب منك كثيرا من التجلد والنباهة، فقد مُنِعَ أخيرا الشاهد العدل من المشاركة في الإشراف على سير الانتخابات الديمقراطية التي تشارك فيها..!!
5. ولا يخفى علينا جميعا أن الخارج من الثكنة بالأمس شاهِدٌ إن لم يكن مشاركا في حقبة من الفساد والتجويع والظلم والقهر، فأنى يكون له رشد أو وعد وعهد.! فأغلب الظن بالمدنيين أنهم أطهار؛ وإن كانوا يتفاوتون في ذلك من حيث القيمة والمبدئية والحياد، وأولئك هم الراشدون حقا لهم مغفرة ورزق كريم.
خلاصة القول في تقديري أنه لا يخلوا جل المترشحين المتسابقين في الانتخابات الرئاسيات الجارية، من شائبة تشيب مسارهم السياسي أو برنامجهم الانتخابي، لكن الذي يتميز عندنا بقدر من المدنية والاستقامة والرشاد، والمسؤولية والإتقان، مع شيء من العدل والإنصاف، ويحظى بدعم كبير من القوى السياسية المدنية والناعمة، التي ترفع شعار الإصلاح والتنمية، ويحضر الشباب عنده في الموكب، وتتصالح الحياة معه مع قلوب الناس، وتأتي كلمات اللغة ممتلئة بالضحك والسعادة والنماء،.. فذاك هو الأصلح والأنفع، وهو من يستحق أصوات الناخبين كل الناخبين.
{إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} صدق الله العظيم.