رويدا رويدا نقترب من ساعة الحسم التي يقول فيها الشعب قوله الفصل، ويحكم فيها الناخب الموريتاني، وحكمه نهائي، عبر صناديق الاقتراع، على كل واحد من المترشحين الستة، بمجموع الأصوات المعبر عنها لصالحه. ولصالح برنامجه الذي لم يبخل في عرضه والدفاع عنه، وتبيان أحقيته بالفوز بثقة المواطن، طيلة فترة حملة ساخنة أحيانا، هادئة أحيانا أخرى، فيما انصرم من أيامها، مع توقع أن تشهد تسخينا وسخونة أكبر، في الأيام الأخيرة المتبقية من عمرها. وهي الحملة التي ظلت عموما، رغم بعض الهنّات، في نطاق المقبول من الأخذ والرد، والتجاذب السياسي، والتعارض المثري في تنوع الآراء، وتعدّد طرق عرضها – الذي لا يخلو من الطرافة أحيانا! -، طرافةٌ كانت تضفي مسحة محلية، وتعطي طابعا موريتانيا صِرْفاً، نعتز به كلنا؛ تعزيزا وترسيخا لنمط خاص لبلادنا في التعاطي مع مفاهيمَ، نحنُ حَدِيثِي عَهْدٍ بها؛ مفاهيمُ تُمليها طرق الحملات الانتخابية في العالم الحديث، كالملصقات، التي تفننت عبقرية الموريتانيين في أقلمتها مع الخيام، وكالمهرجانات، والأمسيات الدعائية، التي انصاعت هي الأخرى في مواقيتها، لمناخ بلادنا - الصحراوي الحار - فصارت لا تُنَظَّمُ في أغلب الأحيان إلا ليلاً، توخيا لرطوبة الجو ونعومته! وهكذا أُطْلِقَ العنانُ لكل أنواع وأساليب الإقناع، فيما مضي من الحملة، عبر مكبرات الصوت، والحناجر الصادحة، حتي عند انقطاع الكهرباء، أو تعطل المُوَلِّدِ الصغير؛ للرد علي المنافس، وعلى دعاوى أنصاره، وتفنيد مزاعم المترشح الخصم، وتوضيح ما الْتَبَسَ، والرد على ما أَشْكَلَ. وكذا التفننُ في عرض الأفكار وتبسيطها، وشرح مضامين البرامج، بجميع اللغات الوطنية. أيامٌ كانت بحق تعكس أجواءَ عُرسٍ ديموقراطي كبير، تعيشه بلادنا في فرحة وابتهاج، وأريحية، وبروح رياضية عزَّ نظيرُها في محيطنا الاقليمي. وتستحقُّ هذه الحملة بصدق أن يُشادَ بمستواها السلمي الرفيع، وتَحَضُّرِ المنخرطين في إنعاشها، وابتعادِ المواطن الموريتاني خلالها عن الأساليب العنيفة، بطبعه، واستهجانه الفطري، العفوي، لكل مظاهر الاعتداء اللفظي والجسدي. وتلك نعمة، نحمد الله عليها، ويحسدنا عليها الكثير من الشعوب.
هي إذاً أجواء احتفالية، مُمَهِّدَةٌ ليومِ حَسْمٍ جَلَلٍ مرتقبٍ، عَزَفَ ويَعْزِفُ فيها الشعب الموريتاني، من أقصاه لأدناه، في كل شبر من وِهاده ورُباه؛ عبر مساحة خارطته الممتدة علي مدى أكثرَ من مليون كيلومتر مربع، "سيمفونية" التناوب السلمي على السلطة؛ مسطرا بأحرف من ذهب إرادةَ زعيمٍ وطني، سيشهد التاريخ، أنه من كتب كلمات تلك السمفونية، وأنه من أسند لحنها البديع للأحزاب السياسية والقوى الحية في البلد، وتنظيمات المجتمع المدني، وكل الفعاليات، دون إقصاء ولا تمييز؛ لتتفنَّنَ بحرية كاملة، في تلحين جميع مقاطع السمفونية، فتُبدعَ، تَنَوُّعاً وإثراءً؛ فيما ترَكَ العزفَ للمواطنين الموريتانيين الذين سيعزفون تلك الألحان، أحسنَ عزفٍ وأشْجاهُ، وفي آخر مقطع منها، على آلات صناديق الاقتراع يوم التصويت!
فما أروع المشهد وما أجمله؛ شعب كله في تناغم وتجاوب، مُصِرٌّ على شق دربه في التنمية، والرقي، والتقدم، والازدهار، وتوطين الديمقراطية، في أسمى معانيها؛ يعزف لحن سيمفونية التناوب السلمي على السلطة!
كلمات هذه السمفونية:
- وفاءٌ بالعهد للوطن، واستمرارٌ في خدمته حتى آخر نفس.
- احترامٌ صادق للدستور، فلا نكثٌ في الوعد، ولا حنثٌ في اليمين.
- نزولٌ عند إرادة المواطن الموريتاني، وتكريسٌ لقيمة التناوب السلمي على السلطة.
تلك هي الكلمات الرائعة التي نَظَمَتْهَا عَبْقَرِيَةُ قائدٍ مخلص لوطنه، صدق في حبه لشعبه وبلده، فعمِلَ على تطبيق معاني تلك الكلمات؛ أوَّلاً، وغرسها في أرض الواقع طيلة عقد من الزمن، مُسَطَّرَةً بيمينِ هِمَّتِهِ العالية، طُرُقاً معبدةً، ومستشفياتٍ، ومدارسَ، ومعاهدَ، وأراضٍ مستصلحةً، وسدودًا، ومصانعَ، ومطاراتٍ، وموانئَ، وعماراتٍ سامقةً، ومكانةً وعِزَّةً وتقديراً بين الأمم، وأَمْناً واستقرارا؛ قبل أن يُحَوِّلَهَا؛ ثانيا، إلى تناوب سلمي، سلس، هادئ، راقٍ ومتحضر؛ يتم بموجبه تسليم السلطة لرئيس منتخب، يختاره الشعب الموريتاني، وبكل حرية، يوم 22 من الشهر الجاري.
وهكذا، تنجحُ موريتانيا، في تكريس ممارسة ديمقراطية راقية، يُعَوَّلُ عليها في تسهيل قبول الرؤساء العرب والأفارقة بالخروج من القصر الرئاسي طواعيةً، طيبةً بها أنفسُهم، جهارا نهارا، لا مرضى، ولا موتى، ولا مُكْرَهينَ، ولا مهزومين؛ دون تلكُّأ ولا مماطلة، بل بكل فخر واعتزاز. وهو ما يشكل بحق الحل الأمثل لعقدة العقد، أكبر عقدة يعاني منها الحاكم العربي والافريقي، ألا وهي مغادرة السلطة، عند انتهاء المأمورية.
يحق لنا إذا، نحن الموريتانيين جميعا، معارضة وأغلبية، أن نفخر ونعتز بهذا الانجاز؛ فَعَمَّا قريب، يصبح العالم أجمع، يشيد بنضج وعمق تجربتنا الديمقراطية، ويستقي منها المثل.
أمَّا فيما يخص ما يستشرفه الموريتانيون من غد واعد، فحدث ولا حرج. فمرشح الاجماع، الذي تشير جميع المعطيات إلى حتمية تقدمه، وفوزه يوم الاقتراع بأغلبية أصوات الناخبين الموريتانيين في الشوط الأول، يتقدم بفارق كبير على منافسيه؛ كما أفادت بذلك نتائج الاستطلاع الذي نظمه، بمساعدة خبير دولي متخصص، المركزُ الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الذي يترأسه محمد جميل منصور، في نتائج ظهرت وتم نشرها قبل يومين أو ثلاث. وهنا لا نملك إلا إن نقول: {وشهد شاهد من أهلها}!
فلسنا نبالغ إذا، حين نقول، إن القوس قد أُعْطِيَتْ لباريها، وذلك حين نسمع مترشح الاجماع الوطني، السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني يُصرِّح في كيهيدي: "لا أريد أن أكون رئيس بعض الموريتانيين، وإنما أريد أن أكون رئيس كل الموريتانيين. إن وحدة الموريتانيين أهم عندي من الرئاسة".
أو، حين يؤكد في روصو: "أختلف مع المنافسين الآخرين في العديد من النقاط، أبرزها صيانة المكتسبات الوطنية التي تحققت في الفترة الماضية، التي لن أصونها للرئيس المنتهية ولايته محمد ولد العزيز ولا لنفسي، وإنما ستتم صيانتها للشعب الموريتاني. ولن أكتفي بصيانة المكتسبات التي تحققت فقط، وإنما سأزيدها.
مدينة روصو أرض للعلم والمعرفة والثقافة والاشعاع الروحي والزراعة وأمل البلد، وهي تعطي مثالا حيا للوحدة الوطنية التي يتمسك بها الشعب".
وعندما يقول في أطار: "سأعمل على جعل مدينة أطار، وولاية آدرار عموما، منطقة سياحية جذابة، وواجهة للسياحة في موريتانيا".
وفي النعمة: قال إن محاربة الفقر والقضاء على الفوارق ستكون ضمن أولوياته، وسيتم إنشاء وكالة وطنية تعنى بمحاربة الفقر، تقدم مختلف أنواع الدعم والمساعدة للفقراء والمحتاجين، تكون تابعة لرئاسة الجمهورية، وسيخصص لها مبلغ مالي قدره 200 مليار أوقية، على مدى خمس سنوات.
وفي لعيون: تعهد بإنشاء ميناء ناشف في بلدية كوكي الزمال، وتشييد مستشفى كبير في لعيون، عاصمة الولاية، واستحداث طريق يربط بين بلدية "الفلانية" ومقاطعة كوبني، وبناء عشرة آلاف وحدة سكنية ضمن برنامج جديد يحمل اسم "داري" لتوفير السكن للمواطنين الذين لا يتمتعون بمساكن لائقة للحياة البشرية.
في الزويرات: "لن أتخلي عن اسنيم".
في ألاك: تعهد بشق قناة من نهر السينغال تصل ألاك.
في كيفه: "لا أريدكم ان تدعموني لأني ابن الولاية؛ بل أريد أن تدعموني على أساس برنامجي الانتخابي. إن ضحايا الغبن الاجتماعي سوف يستفيدون من تمييز إيجابي يمكنهم من الوقوف على قدم المساواة مع مواطنيهم الآخرين".
في انواذيب: تطوير مدينة انواذيب، وجعل المنطقة الحرة أكثر جاذبية للمستثمر الأجنبي، عبر بناء المزيد من الفنادق والمنشآت السياحية، التي من شأنها انعاش السياحة وخلق المزيد من فرص العمل في القطاع.
ختاما، في نواكشوط، وفي خطاب افتتاح حملته، قال قولته التي تزيد الناخب ثقة واطمئنانا: "لا أسعي إلى أبهة السلطة وامتيازاتها".
ويبقي التشخيص الصحيح، الدقيق، والمُرَكَّزُ، والعميق، لكافة تحديات المرحلة، والمشاكل الأكثر إلحاحا، في الخمسية القادمة، أقوى ضمانة لبعث الأمل لدى الشعب الموريتاني، في غد أكثر إشراقا، ووضوحا في خطوطه العامة، وملامحه المُستقبلية.
تشخيصٌ يُتيحُ إعطاءَ الأولويةِ للنقاط الأساسية التالية:
- عصرنة الادارة، والمضي قدما في اللامركزية، وتعزيز التسيير النظيف لممتلكات الدولة، والمحافظة على المال العام، بمكافحة الفساد بلا هوادة ولا محاباة.
- خلق المزيد من فرص العمل للشباب، بالاكتتاب بشكل كبير في الوظيفة العمومية، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتمويل المشاريع المدرة للدخل، وتمكين القطاع الخاص من لعب دوره الأساسي في التقدم، كقاطرة للاقتصاد الوطني.
- معالجة جميع الحالات المتعلقة بالغبن، والتهميش، والحرمان. الذي عانت منه شرائح عريضة من المواطنين، بـ"المعالجة السريعة" للحالات الأكثر إلحاحا، عن طريق حزمة من الاجراءات الناجعة والفعالة، للإسراع في تحسين أوضاع الأكثر معاناة، والأشد خصاصة وفقرا.
- بسط العدالة والمساواة الحقيقية بين كافة المواطنين، بتساوي الفرص المتاحة أمام الجميع، ومنح نفس الامتيازات المستحقة، والمعاملة بالتساوي لجميع المواطنين، سواسية كأسنان المشط، أمام القانون؛ من أجل التمتع بنفس الحقوق والواجبات.
- العمل، وفي أسرع وقت على معالجة الوضعية القائمة لمنظومتنا التعليمية، عبر التعهد، من بين أمور أخري، بإنشاء سلطة مستقلة لمراقبة جودة التعليم.
- العمل على تعميم التغطية الصحية لصالح جميع المواطنين، وتطوير قطاع الصحة وعصرنته الدائمة؛ والرفع من مستوى المعاشات للمتقاعدين.
- زيادة وتطوير المنشآت في البني التحتية، من طرق، وسدود، ومنشآت مياه وكهرباء، ومطارات، وموانئ، ومدارس، وكليات، ومعاهد، ومستشفيات، ومستوصفات، ومواصلات، ونقل، ومحطات طرقية، ومساجد، ومتاحف، وملاعب، ومسارح، ودور شباب، الخ..
- حماية الوطن، وتحصينه ضد الارهاب، والعنف، والجريمة المنظمة العابرة للقارات. وبعبارة أخري، توطيد النجاحات المحققة في هذا المجال، والحفاظ على أقصى حالات الجاهزية، والتأهب، واليقظة الدائمة.
ويجب الاصغاء جيدا، إلى مرشح الاجماع الوطني، عندما يتحدث عن الأمن؛ حيث ظل إلى عهد قريب، من أكبر المسؤولين في الدولة، إلماما، ومباشرة، واطلاعا، وإحاطة بأدق تفاصيل وجزئيات هذا الملف الخطير والمعقد.
ولعمري، إن لم يكن بعث الأمل الصادق، وإحداث التغيير البناء، في هذا التصور الشافي الوافي، والتشخيص الدقيق لأوضاع موريتانيا، وامتلاك المصداقية، والقدرة الحقيقية على تحريك عجلة النمو في البلد إلى الأمام، وصون المكتسبات، وعلاج الاختلالات؛ عند مترشح الاجماع الوطني، السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني؛ فعند من يكون؟ {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} صدق الله العظيم.
وفي النهاية، يطيب الختم بشهادة صادقة، في حق مترشح الاجماع الوطني، لها ما لها من دلالة عميقة وقيمة كبيرة، وهي شهادة من طرف المناضل الكبير، والسياسي المخضرم، المجرب والمحنك، رئيس حزب التحالف التقدمي الشعبي، السيد مسعود ولد بلخير، الذي قال، بالحرف الواحد: "دعمت ولد الغزواني لأنه ينال ثقة الرئيس المنتهية مأموريته محمد ولد عبد العزيز، ولما لعبه من دور كبير خلال العشرية الأخيرة من أجل استقرار البلد وأمنه. يجب أن تتوجهوا لصناديق الاقتراع بكثرة من أجل إنجاحه في الشوط الأول، الرجل لديه معرفة كبيرة بموريتانيا ويمكنه إدارة البلد".
عاشت موريتانيا حرة مزدهرة، في ظل عهد جديد من التغيير البناء.