في إطار تصنيف الوعي الانتخابي حسب المناطق طالما تم تصنيف المنطقة الشرقية من بلدنا ضمن المناطق الأقل وعيا مع أنها الأكثر كثافة سكانية، حتى وصفت منطقة الشرق بأنها "خزان انتخابي مدجّن" غير واع بضرورات المرحلة وما تتطلبه من وعي بأهمية التغيير، لكن هذه المعادلة أصبحت متهافتة في مجريات الحملة الانتخابية الرئاسية الجارية في العام 2019، إذ كان الشرق علامة فارقة من بين جهات موريتانيا بحضور الوعي الانتخابي، وربما سيشكل مفاجأة الانتخابات.. واقع نرويه من موقع المعاينة لا من باب التخمين.
منطقة الشرق وعي يتخلق:
الصورة النمطية السائدة، وظروف المناخ الطاردة، كلها عوامل تترك انطباعا للمراقب بأن الحملة الانتخابية لن تكون بذلك المستوى من الزخم، لكن الاستثناء كان حاضرا في هذه الحملة الانتخابية، ربما لاستثنائيتها ومفصليتها في تاريخ البلد، إذ كانت مدينة النعمة وهي تحت ضغط حرارة مرتفعة تقدم نموذجا من نماذج الوعي الانتخابي تمثل في حضور مبكر مع كبر تجمهر استقبالا للمترشح سيدي محمد ولد بوبكر الذي كان على موعد مع قاعدة عريضة من المناصرين شكلت فرصة لتقديم وعود والتزامات انتخابية تمثلت في التنمية المحلية والتخفيف من معاناة البعد ومصاعب التنقل.
من مدينة النعمة انطلق موكب الحملة ليرِد على قرى وتجمعات وبلدات سكانية كان الاحتفاء فيها مشهودا وملحوظا، من خلال وقفات قصيرة لكنها ملفتة في ظرف يتسم بالحرارة القاسية، وشكلت المهرجانات الرئيسية للحملة الانتخابية علامة فارقة في مدن رئيسية في كل من مدينة العيون وكيفة ومقطع لحجار وألاك، مهرجانات عبرت من خلالها الجماهير عن حضور واستعداد وتبنٍّ واعٍ لضرورة إنجاح مشروع التغيير المدني.
تجاوب "الضفة الأخرى":
لم تكن الضفة الأخرى من الناخبين الموريتانيين بمعزل عن هذا الوعي الانتخابي الذي بدا جليا في منطقة الشرق، فحملة التغيير المدني كانت حاضرة بقوة في هذا السباق الانتخابي في مدن الضفة. كانت مدن سيلبابي وكيهيدي وروصو مدنا مواكبة ومؤازرة ومناصرة بقوة لمشروع التغيير.
لم يغب عن المرشح سيدي محمد ولد بوبكر مخاطبة كل منطقة بخصوصيتها وميّزاتها ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية، بدا ذلك رمزيا من خلال الزي في مدينة كيهيدي والحديث بلغات متعددة للمخاطَبين تأكيدا على إرادة قوية لحلحلة المشاكل الاجتماعية وتسوية المظالم استنادا إلى الدين الإسلامي، وهي إشارة تحمل دلالات قوية في إرادة الإصلاح يحتاجها أي إصلاح سياسي أو بناء مدني. إشارة لا شك ستجد صداها في حدث مفصلي وواقع اجتماعي استثنائي.
ساحل النضال:
مع أنه من الاستثنائي أن تحدث خرقا في مناطق ظلت بعيدة عن الوعي الانتخابي وصناعة التغيير، إلا أن التحدي الأكبر هو استقطاب جماهير ترعرعت في بيئة نقابية ونضالية تتحدى الجبال الصم، وتنحت من الحجارة موطنها، في مدن كأطار والزويرات تُقُبّلت حملة التغيير بقبول كبير وتجاوز حشدها كل الحشود التي سبقته، إذ كانت خاتمة الجولة الانتخابية التي شملت جميع ولايات موريتانيا.
في الحشد الاستثنائي في مدينة النضال الزويرات استثمر المرشح ولد بوبكر تلك الحشود للتركيز على الاحتفاء بالعمالة المحلية وما تلعبه من دور في تدعيم الاقتصاد الوطني، مؤكدا على ضرورة المحافظة على الثروات الطبيعية التي تشكل رافعة الاقتصاد الوطني.
في المحصلة يمكن القول من موقعي كصحفي قام بتغطية الحملة الانتخابية للمترشح سيدي محمد ولد بوبكر بأن الوعي الانتخابي والكثافة السكانية في منطقة الشرق، والتنوع الاجتماعي لمدن الضفة والوعي النضالي بمدن الساحل، عوامل وأدوات ستشكل حدثا فارقا في هذه الانتخابات الاستثنائية، وهي تجربة لو أتيح لها أن تمر بدون تلاعب مدبر لرسَت سفينة التغيير على شاطئ الدولة المدنية.