لقد ابتليت يا ابن الشيخ محمد أحمد برئاسة موريتانيا، والله يقول: {هو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم}.
إن الإمامة الكبرى من أعظم الابتلاءات، لمسؤولية الحاكم الأعلى عن كل حقير وجليل، ولقد أحس ابن الخطاب رضي الله عنه بتلك المسؤولية، وكان يقول: والله لو عثرت بغلة في العراق ـ وهو في المدينة ـ لسألني الله عنها لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟
فإذا ما أردت يا ابن الشيخ الغزواني أن تنجح في هذا الاختبار فليكن قصدك خدمة الشعب الموريتاني وتنمية هذا البلد. ولن يتحقق لك النجاح في ما ابتليت به إلا بالوسائل الآتية:
- ألا يكون لك حزب سياسي.
- أن تشكل حكومة كفاءات، لا حكومة محاصصات أو إرضائيات.
- أن تكون حكومتك مؤلفة من الجميع: معارضة وموالاة ومستقلين، بحيث تبرز كل جماعة من فيها من الكفاءات المزكاة، ومن هذه تشكل الحكومة.
- ألا تسند وزارة ولا إدارة ولا قضاء... إلا لمن يُقَدٌرُ عمله ووظيفته بحيث لا يتأثر برئيس ولا وزير ولا مدير ولا قبيلة ولا جهة ولا فئة ولا زميل ولا صديق... وإنما يقوم بعمله كما يمليه قانون ونظام ذلك العمل الذي وُلي عليه، (مَا يَعْرفْ حَدْ، يعرف أَلٌ عملُ).
وبهذا ـ إن شاء الله ـ يُحمى البلد ومصالحه، ويحاط بسور منيع إذ لا سور أقوى من العدل، كما قال الإمام العادل عمر ابن عبد العزيز حين بعث إليه أحد ولاته يريد تمويلا لبناء سور على المدينة، فقال له عمر: سَوٌرْها بالعدل.
فليكن همك النهوض بهذا البلد فإنه يمتلك موارد كثيرة معينة على النهوض به إن ولٌيت رجالا أمناء صادقين، وإلا:
فما تنفع الخيل الكرام ولا القنا *** إذا لم يكن فوق الكرام كرام
فإن أنت أقمت العدل والمساواة، وأمتٌ المقايضات والوساطات، فقد أفلحت في الدنيا والأخرى في حكمك لموريتانيا؛ وسيكون الشعب أحرص على بقائك في الحكم من حرصك عليه، فاجعل من العدل حزبك، ومن المساواة أغلبيتك تفز في دنياك وأخراك، وفي تسييرك لشأن هذا البد، ولتكن من {الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}، ولتعلم أن الله تكفل بنصر من ينصره {ولينصرن الله من ينصره}، {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم}.