أخي الحر الأبي المنافح عن الحق، أنت حر طليق ولو سجنوك ظلما وأخفوك قصرا كيف لا وأنت الساهر ليستريح الناس في زمن لظى الأحقاد وتهويل حمم النعرات والمنكرات من القول والفعل بالسب والشتم الغليظ، والتجريح العقيم والاتهام الباطل بطلان القيم الإنسانية الراجحة السالبة..
شأنك الاستقامة والصبر على مضض الأيام وأنت مؤمن بقضيتك الراسخة الشامخة رسوخ الجبال الراسيات وشموخ القمم السامقات، حيث تلسعك سيَّاط المخلَّفين من الرجال الوالهين ولَهَ العاشق لرتبة عند سلطان حاقد من أجل الحصول على لقمة عيش عفنة، الواهمين وهم الظامإ الساعي وراء سراب بقيعة يحسبها ماء..
شأنك شأن الأوفياء السابحين في لجج من الأمواج المتلاطمة في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور..
شأنك أنك تُقِد بنورك الوهَّاج في ذلك الظلام الحالك قناديل من نور الإيمان يُستضاء بها في زمن التيه والحيرة والضياع والسراب.. لأنك تسبح وتغوص فتخرج من كُنهها درر اللآلئ الغُر الراسية في قعر عميق ميزته العنفوان التمرد والعنجهية والظلام.
شأنك أنك عميد القصيدة، تصنع منها عناقيد من القول روعة في السبك وجمالا في الكلمة وحسنا في الأداء، نشرا لفضيلة الخير وقدوة للناس إيمانا منك بالعدل والمصالحة والمساواة والتماسك والإنصات والتجلد.
شأنك أيها الفتى أنك تميَّزت عن باقي الأجيال والأقران فكنت كالبدر ليلة تمامه تتزيَّن به السماء علواً وسمواً على منوال وصف الغزالي للأجيال حيث يؤكد أن "الأجيال التي تنشأ في ظلِّ الاستبداد الأعمى تشبُّ عديمة الكرامة، قليلة الغناء، ضعيفة الأخذ والردِّ" فكانت حياتك عكس ذلك كله.
ولكن مع اختفاء الإيمان المكين والخلق الوثيق والشرف الرفيع يكون الاعتداء والظلم وتقييد الحريات والتسلط والتنكيل بأصحاب المبادئ القابضين على الجمر في زمن تكميم الأفواه وغياب القوانين، ومع شيوع النفاق والتملُّق والدناءة، ومع هوان أصحاب الكفايات وتبجُّح الفارغين المتصدرين، الذين يستمدون قوتهم من فراغ الإيمان لدى أصحاب القلوب المنخورة المستكينة استكانة الذبيحة لذابحها!
شأن السُّمو والصمود والثبات، بعد أن أثخنتك جراح المجتمع الظالمة المحمَّلة بشتى العبارات كأنها تترجم الوطن بكل ألوانه وأطيافه، فكان موقفك منها إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت، فكانت نفسك ذاك الفتى فلم تكسل ولم تتبلدي، فهل أتاك نبأ الصحفي الأديب الأريب الأستاذ أحمد الوديعة.
فمن للقوافي بعد حسان وابنه *** ومن للمعاني بعد زيد بن ثابت
شأنك شأن الأباة الكماة الحماة، ولسان حالك {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله ويحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.