كلمة الإصلاح لم يفاجئها وقوف كثير من المواطنين في الدنيا أمام تطبيق إزالة الأدوية المزورة والمنتهي تاريخها ـ لأن هذه سيرة سيئة منتشرة مع الأسف في هذا الشعب المسلم كله.
فأي ساعة أتاح الزمن لأي مواطن الفرصة لأكل الحرام أو فعل الحرام أو الاتجار بالحرام قام بذلك كله من غير أن يتذكر قوله تعالى {ولا تحسبن الله غافلا عمل يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} إلى قوله تعالى {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
ومن المؤسف كذلك أن هذه الظاهرة تبدأ من أفراد حكومتنا كل عندما يعمل بمفرده فيطبقها تطبيقا كاملا في ما تحت يده ولا يخاف عقباها.
فالدول الأخرى مسؤولية كل ما ينفع الشعب يبحث عنه بالتعاون وكل ما يضر الشعب يقع الاستنفار ضده في شخصية الرئيس وجميع حكومته بصفة متضامنة تـلقائية والاستـثناء موريتانيا العسكرية وحدها.
وهذه هي القاعدة الوحيدة في الدول التي يمكن للشعب أن يستمر أمنه ونموه ورفاهيته تحت ظلها فقد بدأنا نحن بها بفعل تلك النخبة التي تفضل الله بها علينا أن تولت استقلالنا وكأننا دولة رومانية أو فارسية في إحكام الأفعال المسيرة للدول العريقة، ولكن جاءنا خلف من بعدهم (لا أتهمه بسوء النية في إجهاض مسيرتنا المظفرة كدولة لها حكومة مسؤولية عن مصالح شعبها) ولكن اتهمهم بأن مهنتهم بعيدة عن هذا التفكير أصلا وهي مخلوقة في الدول لشيء واحد وهو الدفاع عن الوطن والاستجابة السريعة عند أبسط استدعاء من الدولة لإزالة أي ضرر يتهدد الدولة أو الشعب (مثل إزالة هذا الدواء المزور).
ولكن ماذا وقع وما هو واقع في تسيير الدولة ورعاية مصالحها بعد ذلك التغيير المأسوف عليه لإزالته للنخبة المختارة من الشعب الموريتاني على مختلف ألوانهم ولغاتهم، فالآن أصبح الرئيس وحده كأنه هو المسؤول عن الدولة وحكومته ابتداء من وزراء السيادة إلى آخر الوزراء يعدون التعيين غنيمة من عسكريين لا يريدون من الوزير إلا الطاعة العمياء لأوامرهم، وأن ذلك هو تصرف المالك في ملكه في كل ما وضع تحت أيديهم من أملاك الشعب أما رعاية أمنه إذا كان وزيرا للداخلية أو العدالة في قضائه إذا كان وزيرا للعدل أو رعاية صحته إذا كان وزيرا للصحة أو انتفاع الشعب من محيطه المليء من غذائه الغني بالبرتينات، إذا كان وزيرا للصيد إلى آخر الوزارات وما آل إليه عمل الحكومات في وزراء الرؤساء العسكريين (فالوزير مجرد كاتب خاص للرئيس العسكري).
وقد استفحل هذا وتميز وأعلن جهارا نهارا عندما وقعت الأحداث 89 وبلغ قلب الرئيس آنذاك الحناجر من الخوف من الأوروبيين والأمريكيين وبدأنا نتلمس الديمقراطية لإرضائهم واهتدينا إلى ديمقراطية هجينة من الديمقراطية المجوفة والاستبداد الطبيعي في السلوك العسكري أصلا.
وهنا بدأ جميع أنواع الانحلال الإداري والأمني والتنموي والصحي إلى آخره، وبدأ كل وزير وبأذن من الرئيس بل تارة بأمره منه يستدعي أهله وأقاربه ويفتح أمامهم ما يملك من الصلاحيات، فإذا كان وزيرا للتجارة فرخص الاستيراد والتصدير مهيأة له والضرائب معفو عنها إلا حوانيت الساقط تقريبا، وإذا كان وزيرا للتعليم فجل العاملين فيه مسرحين دون رواتبهم إلى آخر ما كدنا أن نصل فيه إلى الحضيض فجاء انقلاب "عزيز" مدركا لجميع الفساد الإداري وأنه حل محله فوضى البحث عن الأصوات من أي كان وبأي وسيلة وبأي ثمن إلا أن "عزيز" آنذاك استعمل ذكاء خارقا لحيازته للأصوات وتدجينه لأهلها وفي نفس الوقت تجاوزهم لضرب أهل الفساد ليعلموا أنه قادم وأنه يعرف كل شيء عن المفسدين فبدأ بدايته الحسنة في سنته "المغصوبة" وسنواته الخمس الشرعية الأولى.
فضرب على يد كثير من المفسدين وأرجع كثيرا من الأموال المنهوبة وفكر في كثير من المنشآت الحيوية وأوجد كثيرا من البنى التحتية وأخاف أسود المال إلى غير ذلك من الإصلاحات التي عملها بجراءة وشجاعة وعزم واستقلال رأي نادرين حتى أصبح هو رجل الدنيا من العالم الثالث بامتياز ـ إلا أنه ما وصل بنا إلى بداية استحقاقه الثاني حتى حول ذلك كله إلى شخصه الخاص فموريتانيا ـ تعنى عزيز وحده فأصبغنا جميعا بصبغته من دستورنا وعلمنا ونشيدنا وأرضنا وسمائنا كل كأنه خلق من جديد باسم "عزيز" وبلطف الله بنا وبمحض اختياره هو نفسه لم يغتصب استحقاقا ثالثا وكان قادرا على ذلك.
فغالبية الرجال والنساء مفكرون وشعراء ومثقفون ومحامون ودكاترة إلى آخره أصبح الجميع لا إرادة له إلا من خلال عزيز وطبق هو حرفيا قولة: (بوش من ليس معنا فهو ضدنا) ولا مكان له في موريتانيا بل زاد هو ما قال قوم شعيب للشعيب أو المسلمين معه {لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} بمعنى إما أن يدخل معنا أو نجرده من كل ما عنده بقوتنا الشخصية لا بقوة القانون.
وفي هذه الساعة المفصلية من رفق الله بموريتانيا كان الرئيس الحالي هو أقرب المقربين إليه فهو زميله ورفيق دربه ولكن حتى لو كان ضجيع قبره لا انفصلا إجباريا كل عن غيره في الجزاء والحساب.
فلو دفن مثـل موسى عليه السلام وفرعون في قبر واحد لما علم فرعون بكلام الله لموسى وما أعده له من نعماه التي لا تكتبها أقلام أهل الدنيا، ولما شعر موسى بعرض فرعون غدوا وعشيا على النار
هذه فذلكة تكفي جوابا لمن يقول إنه زميله ورفيق دربه.
ففي هذه الساعة المفصلية كما قلت التي انتهى فيها استحقاق ولد عبد العزيز وجاء فيها الرئيس الجديد الذي لا شك أن عزيز له الحظ الأوفر في نجاحه، لأن عزيز لم يترك لموريتانيا رجالا ولا نساء لهم اختيار منفصل عن أوامره هو سواء كان لونهم أو لغتهم فالجميع أصبحوا له مثل الجان لسليمان بين بناء وغواص إلى آخره، إلا أنه من إرادة الله أنه أعطى مباشرة لكل ذي خلق خلقه وحفظ على من يشاء ما خصه به من حكمة وذكاء ووفقه للعمل بمقتضى ذلك.
ومن هنا لا بد أن يطرح هذا السؤال: من أين لك معرفة أن هذه الحكمة والذكاء والتوفيق في هذه الأيام القـليلة من عمل هذا الرئيس الذي هو رفيق درب عزيز؟
والجواب كما أراني الله أن تلك الأيام الطويلة التي فصلت بين استلامه للحكم وتعيينه للوزير الأول والأيام التي فصلت بين تعيين الوزير الأول وتعيين الحكومة هي النافذة التي يستوحي منها أن هذا الرئيس كان عنده جانب لم يطلع عليه عزيز ولم يكشف له عنه حتى يقيده به تقييدا صارما كما قيده بقوة على ما يتعلق بخصوصيته هو من جميع جوانبها ولا داعي لتفصيل ذلك فهو معروف بالتخمين المحقق.
ولكن بيت القصيد في التفكير في تـلك الأيام الطويلة والتي أعقبتها هذه الحكومة التي لا تمت في غالبيتها إلى الرئيس السابق بصلة هي ضوء الإشارة الذي علمنا منه ذلك.
وعلى نغمات هذه الحركة التي سببها قرار وزير الصحة مراجعة الدواء المزور أو المنتهي تاريخه أقول قطعا إن تعيينه لهذا الوزير ليس عنده أي دواع يكون محابيا له بهذا التعيين فالوزير لم يكن أصلا من المصفقين لأي حكم وغير متعرض للتعيين وغني عنه ولكن بهذا التعيين على هذه الوزارة التي يمشي من عندها كل يوم إلى المقابر أكثر من الذي يأتي إلى الدنيا، وما ذلك إلا بسبب تزوير الدواء وبيعه بعد انتهاء تاريخه علمنا أن الرئيس يبحث عن الوزراء الأكفاء.
فإذا كان هذا الرئيس عين هذا الوزير للحد من موت المواطنين فذلك دليل على أن الوزراء الآخرين سيقومون بالمثـل في مصلحة المواطنين (ونقول لهم الشعب ينتظر قرار كل واحد منكم).
وهنا نقول للرئيس في تعيين الوزير لهذا القصد النبيل (على الخبير سقطت)، وهذا المثل لعمقه ودقته جاء في القرآن مرتين في قوله تعالى {ولا ينبئـك مثـل خبير} وقوله تعالى {ثم استوى على العرش الرحمن فسأل به خبيرا}.
ومن جهة أخرى فإنه من المعرفة البسيطة أن الدواء المزور أو المنتهي تاريخه يتحول إلى سم قاتـل لأن أكثر استعماله إما أقراصا ذاهبا إلى المعدة وإما حقـنا فهي ذاهبة مع العروق التي هي مجرى الدم وهذا هو مكان الخطر في جسم الإنسان، ومن المعلوم أن قـتـل النفس هو أعظم ما يجيء به العبد إلى ربه يوم القيامة وهو هنا القـتـل العمد حتى أن الله ذكر في نص القرآن أنه عفى عن أمته عقوبة الخطأ إلا خطأ القتل لم يدخل في ذلك العفو لأن الله يقول {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} إلى قوله {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله}.
فإذاً، كل صاحب دواء مزور أو منتهية صلاحيته عليه عقوبة إما العمد الذي يكون جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما حتى لو عد من الخطأ فله عقوبة كما ذكرنا.
فنحن نعلم جميعا أن أكثر استثمار الموريتانيين جعلوه في شراء الدواء من كل مصدر له فلم يجعلوه في استخراج الحوت من البحر الذي لا خطر فيه وفيه منفعة حياة بدلا من الموت.
وعليه فإن ما قاله الشاعر الذي طلب من كل وزير أن يعمل مثل وزير الصحة فإننا نطلبها معه نثرا مؤكـدا.
ونهنئ الموريتانيين على بداية عمل هذا الوزير الذي أشار فيه إلى دلالة التضمن أن هذا الرئيس وراء هذا الأمر ونثمن له ولوزيره ولجميع الوزراء أن يجعلوا موريتانيا فوق السكة التي تمشي عليها الدول فهي كانت تزحف على بطنها ولا بوصلة تتبعها إلا النهب الممنهج لخيراتها.
فأي عيب أكبر على موريتانيا أن يعطي طبيبها في روصو موريتانيا وصفة ويأخذها صاحبها ويقطع النهر لشرائها من روصو السنغالية.
وأخيرا نسبت بعض المواقع إلى الوزير قوله إن عدم البرء ربما يكون عائدا إلى تشخيص لطبيب فنحن نقول للوزير (فكم وهي هنا للتكثير) رأينا مريضا ذهب إلى تونس أو المغرب أو السنغال وكتبوا له أطباء تلك الدول نفس الدواء الذي كتبه الطبيب الموريتاني وبرئ به.
ولكن تجار موريتانيا لا يتذكرون قوله تعالى {وما آتيتم من ربا لتربو في أموال الناس فلا يربو عند الله}.