على مدار الساعة

تقييم لتجربة المعهد العالي للغة الإنجليزية... أسرار النجاح وآفاق التطوير

25 نوفمبر, 2019 - 00:51
باب / آدو - أستاذ بالمعهد  -  babaadou@gmail.com

تخرجتْ، يوليو الماضي، الدفعة الأولى من طلاب الليسانس بالمعهد العالي للغة الإنجليزية، بعد ثلاث سنوات بذل خلالها الطاقم التدريسي والإداري جهودا مكثفة لتقديم أفضل تكوين لطلاب الشهادة الجامعية – كما نسميهم في المعهد – إلى جانب تقديم دورات تكوين مستمر لعشرات الضباط وموظفي القطاعين العام والخاص. أستغل فرصة تخرج أولى الدفعات من المعهد ومرور ثلاث سنوات على تدشينه، لأكتب بشكل موجز تقييما لهذه التجربة القصيرة، معرفا بالمعهد وبرامجه التكوينية ومركزا على أسرار نجاحه والتحديات التي تواجهه إضافة لآفاقه المستقبلية.

 

ورقة تعريفية

تم إنشاء المعهد العالي للغة الإنجليزية بموجب المرسوم رقم : 2016ـ 30 بتاريخ 18 فبراير 2016، وهو يخضع لوصاية مزدوجة من وزارة الدفاع ووزارة التعليم العالي. بالتعاون مع شركة استشارية من بريطانيا، يسعى المعهد لتطوير وتوفير برامج عالية الجودة للتكوين الأساسي والمستمر في اللغة الإنجليزية، تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الإدارات العمومية والتجمعات المحلية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، إلى جانب المساهمة في انفتاح بلادنا على الاقتصاد الدولي وعلى الثقافة العالمية. لتحقيق هذه الأهداف يعتمد المعهد على أستاذة يتمتعون بكفاءة عالية، أغلبهم بريطانيون ذوو خبرة طويلة في التدريس، إلى أجانب أساتذة موريتانيين ذوي كفاءة عالية ومتخرجين من جامعات أمريكية وتونسية. تم اختيار الأساتذة الموريتانيين عن طريق انتقاء ملفات ومسابقة كتابية وشفهية أجريت إبريل 2016، ثم عززت مؤهلاتهم بتكوين مكثف بالمعهد البريطاني للحصول على شهادة "سلتا" التي ترعاها جامعة كيمبريدج البريطانية.

 

يتمتع المعهد ببنية تحتية عصرية تسمح بتطبيق أحدث المعايير التربوية وأساليب التدريس، حيث تحتوي كل الفصول الدراسية على أحدث المعدات والتجهيزات السمعية والبصرية، ولا يمكن أن يزيد عدد الطلاب في الفصل على 14 كحد أقصى، وهو ما يسمح للأستاذ أن يعطي عناية لكل طلابه ويمكّنه من تتبع المسار التعليمي لكل طالب على حدة. يحتوى المعهد أيضا على مختبر معلوماتية، ومكتبة متكاملة، بالإضافة لفضاءات تعليمية حديثة تمنح الطلاب فرصة لتعزيز فرص التعلم خارج حجرات الدرس.

 

البرامج

تنقسم برامج التكوين في المعهد إلى قسمين:

1 برنامج الليسانس أو الشهادة الجامعية وتستهدف الطلاب الحاصلين حديثا على الباكلوريا.

2 برنامج التكوين المستمر ويستهدف أفراد الجيش الوطني وموظفي القطاعين العام والخاص.

 

بالنسبة لبرنامج الليسانس أو الشهادة الجامعية، يتم فقط قبول الطلاب الحاصلين على باكالوريا آداب عصرية والموجهين من طرف وزارة التعليم العالي، ويركز برنامج الليسانس في دراسات الاتصال الدولي – إلى جانب إتقان اللغة الإنجليزية – على المهارات الضرورية التي يتطلبها سوق العمل المحلي والدولي، إذ من المفترض أن يكون الطلاب المتخرجون من المعهد قادرين على التواصل في بيئة عمل دولية. وفي هذا الصدد، يأخذ الطلاب مواد متعلقة بالكمبيوتر واللغات في مجال العمل (الفرنسية والعربية) وإدارة المصادر البشرية، والتسويق، والعلاقات العامة هذا إلى جانب المهارات الناعمة مثل التواصل الفعال والتفكير الإبداعي والعمل في فريق. وقد اشتملت الدفعة الأولى من الخريجين على عدد قليل نسبيا (25) لكنها كانت مثالا للمنتج المتميز الذي عملنا مدة ثلاث سنوات على تحضيره، ولا غرابة أن تلقفتهم مؤسسات القطاع الخاص، وأحرز معظمهم ولوجا مبكرا لسوق العمل. ولعل هذه فرصة لتوجيه الدعوة للجهات المعنية إلى الاستفادة من هذه الكفاءات الوطنية والمسارعة إلى إدماجهم في الوظيفة العمومية حسب احتياجات القطاعات الحكومية.

 

أما بالنسبة للجانب الثاني لعمل المعهد فيتعلق بدورات التكوين المستمر التي تستهدف الإدارات العمومية والتجمعات المحلية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين. ويمكن تقسيم هذا الجانب إلى دورات الإنجليزية لأغراض عسكرية ودورات الإنجليزية لأغراض خاصة. تلبي دورات الإنجليزية لأغراض عسكرية حاجة الجيش الوطني المتزايدة للتكوين في اللغة الإنجليزية، نظرا للتعاون المتواصل بين الجيش ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومشاركة أفراد الجيش في مهمات في أفريقيا ومناطق أخرى. تتماشى كل الحصص المقدمة مع معايير منظمة حلف شمال الأطلسي (ستاناغ) وقد كون المعهد خلال السنوات الثلاث الماضية عشرات الأفراد من البحرية، وسلاح الجو، والدرك الوطني، وغيرهم. أما دورات التكوين المستمر الأخرى فقد استفاد منها حتى الآن عشرات الموظفين من مؤسسات عمومية وخصوصية، مثل: وزارة النفط، والشركة الوطنية للمحروقات، وسلطة التنظيم، والبنك المركزي، ووزارة الخارجية، وشركة BP، ومنظمة الصحة العالمية، إضافة لعدد من الأفراد المهنيين.

 

أسرار النجاح

يعود نجاح المعهد في تقديم تكوين نوعي ومتميز إلى عدة عوامل منها:

- الكفاءة العالية للطاقم التدريسي الذي يتكون أساسا من مدرسين أجانب وموريتانيين، فهذا التكامل بين الأجنبي والوطني هو سر من أسرار تميز المعهد العالي للغة الإنجليزية. فإذا كان الأجنبي يوفر فرصة لنقل الخبرات العالمية وتوفير بيئة مناسبة للانغماس اللغوي، فإن وجود أساتذة موريتانيين أكفاء يساعد – إلى جانب القيام بالمهمة التدريسية - في توجيه المحتوى البيداغوجي وطرق التدريس بحيث تكون متلائمة مع الخلفية التعليمية والثقافية للطالب الموريتاني.

- الإدارة ممثلة أولا في المدير الذي يمتلك خلفية تعليمية عالية ويتحث لغة إنجليزية فصيحة، كما هو الحال بالنسبة للمدير المساعد، والمستشار الأكاديمي، وقد مكن هذا الأمر الإدارة أن تكون على اطلاع واسع حتى على أدق تفاصيل الجوانب الأكاديمية الخاصة، وجعلها في موقع مناسب لتدير المعهد بشكل أفضل. وينطبق الأمر على المساعدين الإداريين الذين يعملون بجد لإنجاح المعهد والسهر على خدمته.

- الانضباط: ونعني به الالتزام النابع من قناعة شخصية تجعل الطاقم التدريسي والإداري متسما بالجدية واحترام الوقت والاعتناء بأدق التفاصيل حين يتعلق الأمر بأداء الرسالة التعليمية. وإذا كان من المجازفة إطلاق أحكام تعميمية، إلا أن بإمكاننا القول إن المعهد العالي هو المؤسسة التعليمية الوحيدة في البلد التي يعمل فيها الأساتذة بنظام الدوام الكامل ويتواجدون من الصباح حتى المساء للتدريس والتحضير والمتابعة والإشراف على الطلاب، وإذا تغيب الأستاذ لظروف طارئة فسيكون دائما هناك من يخلفه، لأن هيئة التدريس تعمل بروح الفريق وكل أستاذ على اطلاع كامل بجميع المواد التي يدرسها زملاؤه ما يجعله جاهزا لتدريسها في أي وقت إن اقتضى الأمر. ويسري هذا الالتزام والانضباط على الطلاب الذين يحضرون جميع الدروس، إذ لا يسمح إطلاقا بالتغيب عن الحصص، ويعمل الطاقم التدريسي والإداري على ضمان إلزامية الحضور لجميع الطلاب ولجميع المواد بدون استثناء.

 

آفاق تطوير المعهد

لا تخفى على أحد الأهمية البالغة للغة الإنجليزية في العالم اليوم، خصوصا بالنسبة للدول النامية الصغيرة. تبعا لتجارب عالمية وإقليمية عديدة، على بلادنا أن تعيد النظر في الأهمية التي توليها للغة الفرنسية وترتب لانتقال حتمي لاستخدام اللغة الإنجليزية – إلى جانب لغاتنا الوطنية - حتى لا نضيع مستقبل الأجيال القادمة. يمكن للمعهد – كمؤسسة تعليمية عمومية – أن يلعب دورا أساسيا في عملية الانتقال هذه؛ ليس فقط من خلال توفيره لبيئة مناسبة لتعليم هذه اللغة، بل يمكن أن يتبنى الفكرة من الأساس ويعمل على تسويقها وإنضاجها وتقديمها لصناع القرار والجهات المختصة. 

 

نظرا لما يتمتع به من إمكانات وموارد، بإمكان المعهد أيضا أن يتوسع أكثر في جانبيه المتعلقين بالشهادة الجامعية ودورات التكوين المستمر. على سبيل المثال، بإمكان المعهد أن يستقبل عددا أكبر من طلاب الباكالوريا ويتوسع في التخصصات التي يوفرها على مستوى الليسانس. وباستطاعته أيضا إضافة تخصصات أكاديمية إلى جانب التخصصات المهنية التي يركز عليها، خصوصا أن المرسوم المنشئ للمعهد يتضمن استحداث برامج ماجستير ودكتوراه في المعهد.

 

أما على مستوى دورات التكوين المستمر، فيمكن للمعهد أن يتوسع ليتولى توفير دورات في مهارات وتخصصات مهنية خصوصا ما يتوفر منها عادة باللغة الإنجليزية. وفي هذا الصدد، باستطاعة المعهد أن يكون مركزا معتمدا لعدد من الامتحانات العالمية مثل الآيلتس والتوفل والرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي، إضافة لعدد آخر من الرخص والإفادات العالمية في مجالات مهنية أخرى يتوجب عادة على المهنيين الموريتانيين الراغبين في الحصول عليها السفر إلى دول الجوار.

 

ولكن لكي يتمكن من تحقيق هذه الأهداف لا بد للمعهد من التفكير في الاعتماد مستقبلا على الكفاءات الموريتانية بدل الاعتماد بشكل أساس على الأجانب. باستطاعة المعهد وضع خطة تدريجية للاستفادة من الخبرات الأجنبية ونقلها بشكل سلس للمواطنين بحيث يتزايد تدريجيا عدد الأساتذة والمكونين الوطنيين في مقابل تقليص عدد الأساتذة الأجانب حتى نصل إلى مرحلة تساوي العددين ثم مرحلة الاستعداد لاستلام زمام القيادة من طرف المكون الوطني ويكون دور الأجنبي في هذه المرحلة مقتصرا على الإشراف والمتابعة. وهذا أمر ممكن إذا توفرت الإرادة والعزيمة.