لا يخفى على أحد داخل البلاد وخارجها متانة الصداقة وعمق المعرفة وصفاء الود بين الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز وأخيه ورفيق دربه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، كما لم يعد يخفى على أحد اليوم مدى حجم التوتر بين الرئيس وسلفه خصوصا بعد غياب الرئيس السابق عن فعاليات الاحتفالات المخلدة للذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، وقد ظهر على المنصة الرسمية كرسي شاغر يحمل اسمه دون أن يصدر بيانا أو يصرح للرأي العام بعذر شخصي دفعه للتغيب، وهو الذي يعرف أن غيابه في هذه الظرفية التي تشهد تجاذبات سياسية داخل صفوف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لن يقرأه المراقبون إلا نوعا من الاحتجاج أو الرفض للتوجه العام لقاطرة سياسات رئيس الجمهورية، الأمر الذي لم يكن متوقعا نظرا لقوة العلاقة وكثرة المشتركات، ورزانه فخامة رئيس الجمهورية وكياسته واعترافه في خطاب مارس لكل الرؤساء السابقين للجمهورية بجهودهم المعتبرة في بناء الدولة، وخصوصا ما تم إنجازه في العشرية الأخيرة التي وإن لم تكن محل إجماع فقد شهدت العديد من المشاريع الوطنية الهامة كتطوير الوثائق المدنية وإنشاء وكالة مختصة بها، وتشييد مطار أم التونسي الدولي..
إذن مادام للرئيس السابق من الإنجازات ما سيخلده في سجل المساهمين في بناء الجمهورية، ومادام فخامة رئيس الجمهورية يعترف له بذلك ويرفض التقرب له بالإساءة إلى صديقه فلماذا هذه القطيعة؟ أهي تخوف من الرئيس السابق مما أشار إليه به بعض المقربين منه إيمانا منهم بحتمية تبني كل قائد لمقولة ميكافيلي "على الأمير أن يتخلص من الذين ساعدوه في الوصول إلى السلطة" ؟ وهو في الحقية تخوف لا توجد مؤشرات تدعمه لأن فخامة رئيس الجمهورية كان صريحا في خطابه في فاتح مارس الماضي، وأكد بعد ذلك رفضه المطلق للإساءة لصديقه.
وأكثر من ذلك ففي نظر بعض المراقبين كان الرئيس السابق عبئا على حملة فخامة رئيس الجمهورية، ولولا دعم فخامة الرئيس من قبل بعض الأوجه المستهلكة في العشرية الأخيرة لما كان للمتسابقين مع الرئيس في الحملة الانتخابية ما يقولونه، فالرئيس غزواني بالنسبة لهؤلاء – وأشاطرهم في ذلك – يحظى بقبول واحترام لدى جل أبناء موريتانيا، وقد تجلى ذلك في قدرته على جمع كافة أبناء الوطن موالاة ومعارضة تحت ظل خيمة واحدة في شنقيط وأكجوجت.
وعموما ومهما يكن فبالنسبة لي أرى أن لكل من الرئيس السابق ورفيق دربه فخامة رئيس الجمهورية منة على الآخر نظرا لكثرة المشتركات وطول المسار المهني فضلا عن العلاقة الشخصية المتميزة بينهما، ولا داعي للتمحيص والتدقيق في مساعدة الرئيس السابق لرئيس الجمهورية في الوصول إلى السلطة، فعلى الأقل كان داعما ومساندا له.
أم أن الأمر يتعلق بالنسبة لرئيس الجمهورية بخيارين أحلاهما مر، فإما أن يحافظ على علاقته بأخيه ورفيق دربه ويترك ما يتناقض من تعهداته مع رؤية الرئيس السابق، بالرغم من أن فخامة رئيس الجمهورية أكد بأنه لم يتدخل طيلة العشرية للرئيس السابق في شأن الحكم، وإنما اقتصر على النصح والتوجيه الذين يفرضهما عليه واجب الأخوة، ومن البديهي أن الإنصاف يقتضي المعاملة بالمثل. وإما أن يصمم على الوفاء بتعهداته ويضحي بكل شيء في سبيل ذلك وفاء للوطن ووعيا منه بمعنى العهد وعظمته – فالعهد عند الفقهاء أعظم من أن يكفرا-، فكل الصعاب سهلة في سبيل الوطن بالنسبة لرئيس الجمهورية وقد عبر عن ذلك في تصريح أدلى به لقناة الجزيرة في برنامج وثائقي أعدته عن موريتانيا.
ويبدو أن رئيس الجمهورية قد اختار الخيار الأخير تماشيا مع تربيته ومبادئه الدينية والأخلاقية وواجباته القانونية، وأنه لم يكن ليضحي بعلاقاته الشخصية العتيقة لولا إيمانه المطلق بتحمل المسؤولية كاملة بأعبائها وأثقالها، وإدراكه لتطلعات شعبه للحرية والكرامة والعدالة والمساواة والازدهار والنمو، وسعيه للنجاة من الحقوق والوفاء بالواجبات واستعداده للنهوض بأمة لاتزال – رغم وفرة الثروات – تخطوا خطواتها الأولى في اتجاه التنمية ومبادئ الدولة المدنية.
لذا فجلي أن ما حصل ليس غدرا بالصديق وإنما وفاء للوطن وتضحية من أجله، وقوة في الفعل وصدقا في التعهد واستعدادا للتضحية وتصميما على برنامج تعهداتي الذي زكاه الموريتانيون وتنفيذا لمضمون العقد الانتخابي الذي يجسد إرادة شعب يستحق التضخية من أجله. المستشار القانوني: محمد كونين "تلميذ موظف في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء".