لمن لا يعرفون صاحب الاسم أعلاه أقول هو مدير بعثة "اليوناميد" لقطاع غرب دارفور وهو من دولة موريتانيا بلد المليون شاعر.. رجل أكرمه الله بصفات إنسانية خاصة، وقوة شخصية ممزوجة بالتواضع، وحب العمل والتفاني في خدمة الآخرين.
عمر كان يجبرك على أن تكن له كل الاحترام من أول وهلة تلتقي به، يتمع بأخلاق رفيعة وأدب جم، اختلطت في سجاياه طبيعة بلاده العزيزة موريتانيا وصنوف أخرى من تراجيديا السلوكيات الحميدة التي جمعها من شتات شعوب العالم الذي عمل فيه.
الرجل يمثل بعثة كاملة لوحده، لأنه تمكن من تأسيس وبناء علاقات قوية ومتينة مع المجتمعات المحلية بالقطاع، مما جعله جزءا من المجتمع، ولا يمكن لأحد أن يتعرف عليه أو أن يجد فيه اختلافا كثيرا من أهل المنطقة، إلا اللهم من خلال لهجته الموريتانية أو من لغته الثانية التي يتحدث بها وهي الانجليزية.
أصبح الرجل صديقا حميما لكل القطاعات المختلفة المكونة لمجتمع الولاية، من رموز المجتمع، وزعماء القبائل العربية منها والعجمية، يتبادل معهم الزيارات، دون أدني حواجز،
سبق لي وأن تناولت في مقال آخر الصفات الشخصية لهذا الرجل وقلت إن الأمم المتحدة قد وفقت أيما توفيق في اختيارها للرجل ليكون ممثلا لها هنا في أقصي اقاصي غرب السودان حيث ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة.
صحيح، قد يظن البعض بأن التفويض الأممي والوظيفة الكبيرة للرجل قد تشغله عن بعض الأمور الاجتماعية وهذا شيء طبيعي لأي شخص آخر.. إلا أن السيد كان يتعامل مع الموقف والوظيفة بإيجابية كبيرة مما كان سببا مباشرا في إعانته للتعرف على أدق أسرار المكون المجتمعي للقطاع، وبالتالي هو يعرف الجنينة، وهبيلا، وبيضة، وفوربرنقا، وكلبس، وجبل مون وكرينك، وبل حتى يعرف مورني، وأبوسروج، ومستري، وبير دقيق، وتندلتي، وسربا، واندنبرو، وربما كاس كدك، وخور بومبا..
وتمحيصا لذلك أعود وأؤكد أن الرجل ما كان له أن يجمع كل هذه المعارف في هذه البقعة الطاهرة من أطراف السودان، المكان القاحل والبعيد حد الدهشة، وربما إذا ما نقل ذلك لأسرته الصغيرة في نواكشوط قد لا تصدق الأمر، لكن من هنا أقول لأسرته إن ابنكم أو والدكم عمر كان قد سطر تاريخا ناصعا هنا في أطراف الدنيا في بلد يسمي السودان، وفي ولاية غربية تسمي غرب دارفور، وكل ما يقوله لكم فهو حقيقة مجردة غير قابلة للتأويل.
السيد عمر ستفتقدك الأماكن وسيفتقدك الانسان هنا في الجنينة وما حولها،
لماذا؟
لأنك عشت هنا بأخلاقياتك وبأخلاقيات المهنة التي أوكلت إليك ولو كان الأمر بيدنا أبدا لما قبل واحد منا أن تغادر ولكنها سنة الحياة، التي قامت على مثل هذه النماذج،
اكتب هذه الشهادة عن الرجل وأصدقكم القول إن هذا أبدا لم يكن من باب العصبية الدينية باعتبار أنه مسلم وأنا كذلك.. أبدا كنت سأقول ذلك حتى وان كان عمر كان من أي ديانة أخري.. حتى لا يفهم البعض غير ذلك، وحتي لا يكون الأمر فيه غشاوة أو نوع من التمجيد لمجرد الدين المشترك، أبدا الرجل ملتزم أخلاقيا وملتزم مهنيا ويعرف ماذا يفعل، وبهكذا سلوك وبهكذا أخلاق أتوقع له النجاحات الكبيرة في أي وظيفة أخرى يشغلها وفي أي بلد آخر غير السودان، والسبب هو أن الرجل لديه المقدرة الفائقة في التعرف على سايكلوجية المجتمع الذي يعمل معه، وعلى أية حال فإن حياة الأفراد هكذا قائمة على الفرضيات المجهولة، متى؟، وكيف؟، وأين؟، ولماذا؟، ولا أحد يستطيع الإجابة على ذلك إلا القدر المحتوم، وأن شخصيتكم قد لا تتكرر.
أخيرا،
شكرا للسيد عمر كان، وهذا وداع مسبق قد لا أستطيع أن أوفيك حقك يوم الوداع الحق يوم أن تضع آخر نقطة في آخر حرف تكتبه هنا بغرب دارفور.
لك التحية ولك الشكر الجزيل.