على مدار الساعة

موريتانيا وآمال نسيان العشرية المنصرمة

17 ديسمبر, 2019 - 13:26
حسام ولد خلف ـ صحفي

منذ عودة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إلى البلاد بعد فترة من محاولته تعلم لغة William Shakespeare  و اجتماعه بلجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بدأت تتكشف علنا للرأي العام حقيقة العلاقة بين رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني و سلفه محمد ولد عبد العزيز و عاشت البلاد لأيام على وقع أزمة "مرجعية" أقر بها ولد الغزواني في مقابلته الأخيرة مع صحيفة le monde الفرنسية.

 

ولد عبد العزيز الذي جثم على صدور الموريتانيين طيلة عشر سنوات و ضايقهم في أرزاقهم و معيشتهم و أكل من أجسادهم و أرواحهم و ثرواتهم و عاث في الأرض فسادا ، شهدت عشريته المشؤومة كل أنواع المعاناة و شاعت فيها الممارسات المشينة و الضارة ، فبرزت إلى الواجهة ورقة الوحدة الوطنية و  التلاعب بها و تأجيج الصراع بين مكونات الشعب المغلوب على أمره ، و تأزم المشهد السياسي طيلة الفترة المنصرمة ، و تعددت حالات الظلم من تسريح من العمل و اختطاف لجهة مجهولة و تعذيب بأبشع الوسائل و نفي خارج الوطن إلى تصفيات و اغتيالات في وضح النهار.

 

لعب الرجل في عشريته - لا أعادها الله - على كل الأوراق و استخدم كل الوسائل القذرة ، فظهرت - من بين ما اعتمد عليه - مشيخات أضيفت للدين (مشيخات دينية ) بصناعة رديئة و مكشوفٍ تزويرُها "made in China" في محاولة للتحكم في عامةٍ تلهث بحسن نيةٍ خلف كل من جاء متحدثا باسم الدين و تورطت قادة هذه المشيخات المزيفة في ملفات فساد كبرى نَهبَتْ فيها أموال بسطاء و تَحكّمت في ضعفاء و ضعفاء عقول.

 

باع عزيز الرهائن السياسية و قطع العلاقات الدبلوماسية و تدخل في أزمات لا ناقة له فيها و لا جمل و احترف عمل العصابات الإجرامية و الجماعات الإرهابية ، كل ذلك لأجل استفادة شخصية آنية و عرض البلاد كلها للبيع و خصخص مؤسساتها السيادية تحت مسمى شركات مقاولات خاصة تتبع له ليكون بذلك قد جعل كل ثروة الوطن في جيبه و مضى إلى سبيله.

 

لم يكن للرئيس السابق عِلْم يُباري به و لا ثقافة يتكئُ عليها و لا حتى بقية أخلاق تشفع له فلم يتقن سوى توزيع الشتائم و الألفاظ النابية للموالي قبل المعارض و لم يرضى إلا عن من يتحدث لغة الصَّمصرة و يحترف معاملات السوق السوداء.

 

و جاء تقرير محكمة الحسابات - مهما كانت دوافعه - ليُظهِر جزءا يسيرا من حجم المعاناة و الفساد المستشري و لتبقى نتائجه مهملة أمام الكم الحقيقي للاختلاس فمن المؤكد أنه قليل من كثير و أن ما خفي أعظم في عشرية سوداء لم تسلم حتى من الظواهر الطبيعية من فيضانات و أوبئة و أمراض و قحط و جفاف و قلة أمطار.

 

بعد كل ذلك و بعد أن سلّم السلطة ظهر مرة أخرى في محاولة منه للعودة للمشهد السياسي أو ربما استُدرِج من قبل قيادات الحزب لقلة حنكته السياسية و لسوء تقديراته ، لاكتشاف مدى تأثيره و استمرار نهجه ، و ما بين غمضة عين و انتباهتها اتضح كل شيء ، فلم يعد العزيز عزيزا و انطلق سباق إصدار البيانات الداعمة للمرجعية الجديدة.

 

اليوم و بعد عدة أشهر من حكم غزواني و رغم أن الوقت لا يزال مبكرا على حصد النتائج إلا أن الرجل بدأ بتلطيف الأجواء فمد يده للمعارضة للإصغاء لها و لإنهاء الصراع السياسي المحتدم و استجاب للعديد من مطالب الشارع و بدأت تطفوا على السطح ملامح برامج إصلاحية في بعض القطاعات الحيوية فخلق بذلك بيئة ملائمة و أرضية خصبة للعمل - إن هو أراد - أكسبته تعاطفا و دعما من طرف كثيرين و ولّدت لدى الجميع أملا بتحسين الأوضاع في بلاد ناهز عمرها الستين و لمّا تتجاوز بعد الخطوات الأولى في طريق النماء.