لا مراء في أن إصلاح الدولة رهين بالإصلاح السياسي وذلك لا يتأتى إلا عبر دراسة متأنية وشاملة للوضعية العامة بصفة جادة تعتمد على التدقيق والتمحيص وسبر أغوار عالم السياسة، ومن المعروف عند الجمبع أن الأحزاب هي ميدان المعترك السياسي الأول والأخير، ومن هنا جاء تعريفها، فالدراسات الأكاديمية تُعرِّفُ الحزب السياسي بأنه إطار ناظم لمجموعة من الناس يجمعهم إقليم جغرافي واحد، اتفقوا على برنامج شامل، يسعون من خلاله إلى تجسيد رؤيتهم حول تقدم وتطور مجتمعهم. فالعمل السياسي خارج الإطار التنظيمي يعتبر نشازا ومضيعة للجهد لا معنى ولا قيمة له، ولاشك أن التحول الديمقراطي في الأحزاب السياسية أمر بالغ الأهمية خاصة في دولة حديثة العهد مع الديمقراطية ولم تستسغ نخبها السياسية بعدُ مفهوم الانضباط الحزبي والتموقع الصحيح في الظروف الاستثنائية.
يجب أن ندرك أن الأحزاب السياسية معرضة دائما للهزات والأزمات المختلفة، لذلك علينا ان نهيئ أنفسنا للتعاطي معها بشكل عقلاني ومدروس حتى لا نضيع في متاهات المصير المجهول والعودة إلى الوراء، فالوطن غير قادر على تحمل المزيد من أعباء الفشل في إدارة المواقف واتخاذ القرار في الزمان والمكان المناسبين.
الفراغ الحزبي من شأنه أن يعيق مسار التحول المنشود، والهشاشة التنظيمية تسبب الضعف الذي يؤدي إلى الانهيار. لا أقول هذا لزرع الخوف في النفوس، لكني أدق ناقوس الخطر سبيلا إلى رص الصفوف وجعلها سدا منيعا أمام الاختراقات المحتملة في ظروف كهذه.
ليس من الحكمة ترك الحبل على الغارب، فالرهان الآن استراتيجي أكثر منه سياسي، والمشهد العام عائم في ظل هذه المهاترات المتصاعدة من هنا وهناك، وهي بذلك تشكل خطرا لا يستهان به وعلينا مواجهته. فالدول أكبر من الأفراد والمجموعات واللوبيات المستترة، والأحزاب السياسية ليست لعبة للتسلية، بل غاية ووسيلة للربط بين الوحدات القاعدية ومتخذي القرار في السلطة العليا.
علينا أن نعيد ترتيت الأوراق من جديد، بضخ دماء جديدة في الحزب، خاصة أصحاب الكفاءات الذين تم تهميشهم وتجاوزهم في الحقبة الماضية رغم مؤهلاتهم العلمية وجدارتهم، كما يجب استيعاب الداعمين الجدد من خارج الحزب وبذلك نضمن مشاركة النخب الوطنية في عملية البناء السياسي، فالتحديث الديمقراطي وجو التهدئة والانفتاح الذي طبع به الرئيس بداية مأموريته يفرض على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إشراك جميع القوى الحية الداعمة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
.. بعد أيام قليلة سنكون على موعد مع فصل جديد من تاريخ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (المؤتمر العام للحزب)، ينبغي أن نقدم خلاله أروع الدروس في ترسيخ مفهوم الحرية والانفتاح من جهة وتجسيد ثقافة المكاشفة والمصارحة والمصالحة مع الذات و مع القواعد من جهة ثانية، وبهذا يمكن ان نكسر الجمود والرتابة ونقطع الطريق امام لوبيات الفساد والأجنحة المتصارعة داخل الحزب حتى لا نزرع اسباب الوهن والشتات والتشرذم.
فلئن كانت الأخلاق السياسية والقيم النبيلة تفرض علينا الاحتفاظ بالذين أثبتوا مهنيتهم ونزاهتهم في التجارب السابقة فهي تفرض علينا في ذات الوقت التحفظ علي أولئك الذين أخفقوا في أداء المهمة الموكلة إليهم، بمعنى أن نتخذ من الكفاءة والنزاهة منطلقا وقاعدة نستند إليها في انتقاء من نأتمنهم على الوظائف السياسية والإدارية في المستقبل حتى لا نستنسخ التجارب السابقة فنلدغ من نفس الجحر مرتين.
لذلك لا يمكن لمن أراد الخروج بالحزب من وضعيته هذه إلا أن يزيح الوجوه الفلاذية المعروفة بالفساد، والتي كشفت محكمة الحسابات في تقاريرها الأخيرة بالأسماء عن بعضها.
وبما أننا في طريقنا نحو الإصلاح والمؤتمر الوطني على الأبواب، يجب أن نتحلى بالشجاعة لنعترف للرأي العام بأن الحزب كان بؤرة ومرتعا للزبونية والمحسوبية، هيمنت عليه الطبقة الفاسدة ووظفته لمصالحها الضيقة، واتخذته مطية للتوظيف وتوزيع المقاعد التنفيذية والبرلمانية بطريقة عشوائية مشينة. الإصلاح إذا يبدأ من هنا.. عبر التخلص من هذه العقليات الرجعية البشعة التي تسببت في تدمير الاقتصاد وإفلاس الشركات الوطنية وخلقت مشاكل بنيوية لا متناهية كادت تعصف بهيكلة الدولة في أكثر من مرة.
لهذه الأسباب ولغيرها أقولها بصوت عال؛ لا نريده مؤتمرا حزبيا بقدر ما نريده مؤتمرا وطنيا بامتياز، يكون شاملا في رؤيته وموحدا في لمه للشمل وجامعا لمختلف الطيف ومصححا للأخطاء في عمقه وجوهره، يستمد شرعيته ومرجعيته من رئيس الإجماع الوطني فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.