تنقل السيد محمد ولد الغــزواني، يوم أمس (الثلاثاء 24 دجنبر 2019)، لمباني لجنة الشفافية المالية للحياة العمومية وتسليمه لملف يتضمن تصريحه بممتلكاته للقاضي الذي يشغــل منصب سكرتير اللجنة، إجراء تأخر عـن أمده القانوني أربعة أشهر إذ أن هذا التصريح يعد من التزامات الحكم التي ينبغي القيام بها على الفور لا على التراخي. ولكن الحدث يظل هاما باعتبار رمزيته وآثاره الإيجابية فعـندما يتنقل رئيس الجمهورية خارج الرئاسة ويتقدم لهيئة خاصة من أجل القيام بإجراء تفرضه النصوص، فإن الدرس، الذي ينبغي أن يستخلصه المواطنون، هو أن رئيس الجمهورية يحترم القانون ويعتبره كما اعتبره الدستور: "التعـبير الأعلى عـن إرادة المجتمع ويجب أن يخضع له الجميع".. وفي هذا السياق يتداول، منذ أمس، إشكال يستحق البيان يتعلق بإعلان تصريح رئيس الجمهورية ويبدو أن حكم القانون بشأن نشر تصريح رئيس الجمهورية التبس حتى على الجهات الرسمية كما يبدو من الخبر الذي نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء التي قالت، دون بينة، بسرية التصريحات؟
ولحل الإشكالات ينبغي الرجوع لما نص عليه القانون، الذي يعد الفيصل والمرجعية الأولى للحكام والمحكومين.. وفي هذا المجال ثمة نصان:
- أولهما القانون رقم: 054 - 2007، الصادر بتاريخ 18 شتنبر 2007، المنشور في عــ1154ـــدد الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2007، المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية.
- والثاني المرسوم رقم: 207 - 2007 الصادر بتاريخ 18 شتنبر 2007 المنشور في عــ1162ـــدد الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 29 فبراير 2008، المحدد لتنظيم وسير لجنة الشفافية المالية في الحياة العمومية.
وبعد مطالعة النصين خلصت لما يلي:
1. تنص المادة الثانية من القانون رقم: 054-2007 المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية على ما يلي: "يقوم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته بتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله القصر ويَنشر هذين التصريحين". وطبقا لهذه المادة يجب على رئيس الجمهورية التصريح بممتلكاته وممتلكات أبنائه القصر بعد تنصيبه ويجب عليه أيضا أن ينشر تصريحيه كما يركن إليه مفهوم التعـبير اللغـوي للنص: فلو كان الفعـل مبنيا للمجهول - والنشر منوطا بغـير الرئيس - لقيل "ويُنشر هذان التصريحان" أمَا وقد ورد الفعـل بصيغة الماضي فإن الالتزام يكون راجعا للمذكور الوحيد وهـو رئيس الجمهورية نفسه. وجدير بالملاحظة أن الصيغة العربية هي المرجع باعـتبارها اللغة الرسمية من جهة ولأن ما أوردته قيد العموم والبناء للمجهول الوارد في النسخة الفرنسية:
Chacune de ses déclarations est rendue publique.
2. ويؤيد ما ورد في الاستنتاج أعلاه أن القانون، فيما يبدو، استثنى تصريح رئيس الجمهورية من مسطرة التعامل العادية مع تصريحات غـيـره حيث نصت المادة: 12 من قانون الشفافية المالية على تداول لجنة الشفافية حول تصاريح الوزراء والأمناء العامين وقادة الجيش وغيرهم.. والتدقيق والتحقيق فيما ورد فيها وتضمين ما يستحق الاستدلال في تقاريرها، وذكرت المادة في ذلك السياق التصريحات الواردة في المواد 3، 4، 5، 6 دون ذكر للمادة 2 المتعـلقة بتصريح رئيس الجمهورية.
3. ومما يعضد الفهم أيضا كون المرسوم رقم 207-2007 المحدد لتنظيم وسير لجنة الشفافية المالية في الحياة العمومية ذكر مهامها في مادته الثانية وهي تلقي تصريحات الأشخاص الخاضعين لإلزامية التصريح بالممتلكات كما هو مبين في المواد 3، 4، 5 و6 من القانون رقم 2007-054 (وليس من ضمنهم رئيس الجمهورية) كما نصت المادة 10 من المرسوم على اجتماع اللجنة في نوعين من الدورات:
- دورات استثنائية للتداول حول تصريحات أعضاء الحكومة،
- ودورات عادية لبحث تصريحات غيرهم.
ولم تتضمن المادة ذكرا لتصريح رئيس الجمهورية الذي أفردت له المادة الثانية كما تقدم.
وجملة القول أن خصوصية رئيس الجمهورية - التي تتأتى من كونه منتخبا من الشعب وحاميا للدستور ورئيسا للسلطة التنفيذية وكونه يعين أعضاء لجنة الشفافية المالية في الحياة العمومية - جعـلت المشرع يعفيه ويعفي لجنة الشفافية من التعامل مع تصريحاته على أساس أن حسابه يتعـين أن يكون مع الشعب مصدر السلطة ولذلك يجب إعلان تصريح رئيس الجمهورية بممتلكاته عبر وسائل الإعلام. ولو أن رئيس الجمهورية وقع تصريحه ونشره ديوانه لما لزمه المرور بمباني لجنة الشفافية المالية للحياة العمومية التي يجب أن يصرح أمامها الآخرون.