ها قد أسدل الستار علي الدورة العادية للمجلس الأعلى للقضاء وككل اجتماع يصادق المجلس في الغالب علي جدول الأعمال المعد من طرف الوزارة، وبعد ذلك تتالى التوصيات وتطوى الصفحة حتى الدورة القادمة.
غير أن هذه الدورة ليست كسابقاتها، ولذلك استوقفتني نتائجها كمراقب وارتأيت إبداء الملاحظات التالية بشأنها، فبحق هي تختلف عن الدورات التي سبقتها في أشياء كثيرة من حيث الشكل والمضمون:
- فمن حيث الشكل تمت تهيئة المجلس في سرية تامة بحيث لم يتسرب من المقترحات ولا جدول الأعمال شيئا يذكر قبل الأوان وهذا نهج جديد لم يكن هو الواقع، بعد الدخول في الاجتماع، مكث المجتمعون ما يناهز أربع ساعات، وهي لعمري سابقة في تاريخ هذه المؤسسة، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على:
أولا: العناية الخاصة التي يوليها رئيس المجلس الأعلي للقضاء رئيس الجمهورية للقضاء والقضاة فأضفى بتلك العناية وقارا واحتراما للمجلس، مما جعله وبحق مجلسا أعلى للقضاء والقضاة.
ثانيا: الحكمة العالية والفنية المطلقة التي يتحلى بها وزير العدل الحالي والتي اكتسبها من عديد التراكمات في الوسط الإداري للوزارة خلال العقود الماضية.
- أما من حيث المضمون، وهنا بيت القصيد لم يشبه هذا الاجتماع أيا من الاجتماعات التي سبقته لا في روح الانفتاح والاحترام التي استقبل بها رئيس المجلس الأعضاء، لا في جدول الأعمال المعد ولا في كيفية نقاشه ما بالك بالتوصيات التي اعتمدها المجلس.
فليس هناك ما يمكن أن يثلج صدر الموظف أيا كان وأنى كان غير العدل في التقدم المهني، الأمر الذي استطاع وزير العدل أن يحققه، بعد أن كان مطلبا للجميع ولأول مرة، فمن حق الجميع أن يفرح ويستبشر بما هو آت في المستقبل القريب.
كل النقاط إذن التي كانت مدرجة على جدول الأعمال من صميم ما من شانه إصلاح العدالة بل هي الطريق الوحيد والآلية الفعالة للتغلب على ما يعانيه القطاع وعانى منه على مر العقود.
إنه من المؤكد وهذا ما أعتقده شخصيا أن الخطوات التي تسير عليها وزارة العدل حاليا إذا ما استمرت عليها وارتكزت في مرجعيتها على تعهدات رئيس الجمهورية المتعلق منها خاصة بإصلاح القضاء وتوفير الظروف المادية والمهنية المناسبة لعمل القضاة أن الإصلاح قد بدأ وأن الفساد والمفسدين صفحة طويت إلى الأبد.
معالي الوزير، الحذر الحذر كل الحذر ممن لا يريدون للإصلاح أن يكون ويحلمون بأن شيئا لم يقع، لهؤلاء يقول الشعب الموريتاني قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فلا يغرنك إذن تقلبهم في الفساد، فلقد قيل يموت المرء على ما عاش عليه وقيل يبعث...
من حق الجميع أن يفخر بما تحقق في هذه الدورة وأن يتوق لما سيتحقق في تلك القادمة فقط على درب المثل الشعبي القائل: "أيد وحد ما تصفك".