لوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكروه في وقت سابق باحتمال انسحاب القوات الفرنسية من منطقة الساحل التي تتطلع بعض دولها إلى تصدير الغاز الطبيعي، وقال ماكروه إن فرنسا ستنسحب إذا كانت تلك الدول لها ثقة في قدرتها على الدفاع عن نفسها ولم تعد لها حاجة في استمرار الوجود الفرنسي، وظهر خلال هذا الكلام متأثرا بنهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكن على الطريقة الفرنسية.
تفوه ماكروه بهذا الكلام وهو يعرف حاجات منطقة الساحل الأمنية وأنها غير مستقرة لا سياسيا ولا أمنيا، ويعرف كذلك أن الصراع على النفوذ عليها سيزداد مع ارتفاع مستويات المعاش،ما يحتم على قادتها أخذ تلك المطيات بعين الاعتبار .
ولولا صراع النفوذ المخيم في الآفاق وما يصاحبه من خطر تغيير الولاء بتغير المصلح الإقتصادية لهان الأمر وكان بمقدورتلك الدول حماية نفسها بنفسها دون خشية ،لكن التاريخ شاهد على أن الدول العظمى لا تريد الاستقلال التام لدول العالم الثالث، وعليه لو انسحبت إحداها من منطقة معينة فذلك لا يعني اعتزالها ما يتعلق بشؤون تلك المنطقة بل يعني أنها تبيت نوايا سيئة وشر مستطير، فهي قادرة على تموين السوق السوداء بالعتاد والمؤن التي يجد فيها كل من يريد زعزعة الأمن ضالته المنشودة .وإذا توفرت سوق سوداء قادرة على توفير السلاح والمؤن انخرمت الدول الضعيفة وتساقطت في مقابل ازدهار تجارة بضائع الدول الكبرى واكتشافها لأسواق لا تواجه فيها منافسة تذكر .
وحين تنخرم الدول الضعيفة تجد الدول العظمى مبرر أخلاقي آخر يحتم عودتها حتى توفير السلم والعدالة ومتطلبات العيش الكريم للبشر..بينما هدفها الحقيقي ما يسمح به مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
لذا نبه ماكروه على نفسه ليذكر أولوا الألباب في إفريقيا الغربية وهم متجهون نحو لندن ،ولسان حاله يقول : إن تكن كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب .
قال ماكروه تلك الكلمة وهو قلق من زحفت الشركات البريطانية التي تسبر أغوار المنطقة وتنافس الفرنسيين بل تدعهم دعا.
وربما تزايد قلق ماكروه لما دعت انكلترا بعض دول إفريقيا الفرنسية إلى قمة الشراكة البريطانية الإفريقية في لندن ،ومن بين تلك الدول موريتانيا التي وجد رئيسها السيد سيدي محمد ولد الشيخ الغزواني نفسه بين كل تلك الفخاخ التي كان من الصعب اجتيازها ،لكن عبقريته في المجال الإستيراتيجي والديبلوماسي واللغوي هي التي أنقذته ولم يرتكب خطأ ،ونجح في هذا الإختبار الصعب بامتياز .
شال ولد الشيخ الغزواني رأس النعامة في مؤتمر لندن وحافظ على توازن العلاقات الموريتانية مع كل الأطراف في وقت خذلته السفارة الموريتانية في لندن التي هاجمها مدونون أثناء وجوده هناك ،وقد حصل هذا رغم أن ديبلوماسيتنا يقودها الآن وزير خارجية محنك يعرف كيف تؤكل الكتف وكيف ينتقي الرجل المناسب في المكان المناسب ..لكن لكل جواد كبوة .
معيار الرجل المنسب في المكان المناسب الديبلوماسي يتطلب اختيار نشطين في التفاعل مع الأحداث في دول معينة لها تأثير على التوازنات الكبرى في السياسة الدولية،في حين يكون المناسب اختيار دبلوماسيين متحفظين حذرين ومنعزلين في دول أخرى .
مثلا في عواصم مثل واشنطن وباريس ولندن والقاهرة ينبغي لدولة مثل موريتانيا انتقاء سفراء على قدر كبير من المهنية واليقظة والكفاءة والحضور الإعلامي، وعليها اتقاء سفراء في مناطق التوتر على معايير أخرى ،لأنها ليست من ضمن الدول العظمى حتى تنتقي خيرة ديبلماسييها للمناطق الساخنة .
إن إرسال موريتانيا لنخبتها الديبلوماسييها نحو مناطق التوتر كان استجابة لحاجة في نفس الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في حين ظهر ضرره على البلاد التي فقدت به دور تلك الكفاءات التي تم توظيفها في المكان غير المناسب.
نجد مثلا السفير المثقف الكاتب سيداتي ولد الشيخ ولد أحمد عيشة مكتوف القدرات في بغداد التي صمد فيها منذ 2012 صمود الأبطال رغم ما تعرض له من إطلاق نار مستمر.
لقد تعرفت هذا السفير عبر الفيسبوك ثم قرأت ما كتبه عنه كتاب من جالياتنا في دول مثل اسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة والسينغال أجمعوا على الثناء عليه والإشادة بأيامه في خدمتهم.
ومن المؤكد أن هذا السفير على قدر كبير من العلم وإتقان الأعراف الديبلوماسية كما يتقن عدة لغات منها العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ومثله هو المناسب لسفارات واشنطن، انويويورك ،باريس ،لندن، ووجوده في بغداد يمكنه من إشباع نهمه الثقافي لكن لا يمكن البلاد من أي دور في صراع القوى المتصارعة هناك.
ولهذا أتساءل، لما ذا تتعمد موريتانيا إرسال ديبلوماسييها الأكفاء إلى مناطق التوتر في العالم؟
وفي الأخير أتمنى لعبقرية غزواني التي أثبتت جدارتها في مؤتمر لندن أن تنتج حلولا لجميع مشكلاتنا وفي مختلف المجالات سواء منها تلك الداخلية أو الخارجية.