الولاء السياسي مصطلح متداول في أدبيات الفكر السياسي، باعتباره القرابة أو النصرة أو المحبة أو الصداقة و يعني متانة الصلة الحاصلة بين الولي والمولي، إشكالية الولاء ترتبط بفلسفة معقدة و مثيرة للجدل ،تتقاطع فيها المعاني و الارتباطات الدينية و الأخلاقية و المعنوية بالإضافة الي المرجعيات العلمية و الفكرية المختلفة .مع تطور المجتمعات و تشعب العلاقات و تداخلها ،أكتسب مفهوم الولاء أهمية كبرى، نتيجة لعلاقته بتطور المجتمع و تماسكه و أنصيا عه في مكونة ذات مدا خيل متعددة و متنوعة ، يطغي عليها الارتباط بالمصالح و تحقيق قدر كبير من الأطماع المتفاوتة في الحجم ،مع القدرة علي استيعاب الطرق و الآليات الكفيلة بتحقيق تلك الرغبات الجماعية التي تضمن الانسجام الكلي و الشمولي.
إذا كان الولاء للوطن تمليه معطيات عدة ،يأتي في مقدمتها الانتماء الطبيعي القانوني و الذي هو الإطار الناظم للدولة و الساهر علي وحدتها و المغذي لديمومتها و استمرارها و المنتج لتطورها من خلال عطاء الأفراد و الجماعات، و ضمان الالتزام التام اتجاه الدولة في خضم المتغيرات الدولية و خصوصا الإملاءات الأيديولوجية، مع مستجدات عملية البناء الوطني .فإن هذه الصيرورة المتكاملة أصبحت تشكل خارطة الطريق لقادة الرأي و السياسيين لأخذ مواقفهم الرسمية ازاء مجريات الأحداث الوطنية.
فالنظرة المتمعنة للتجربة الديمقراطية الوطنية الوليدة ،تمكننا من الوقوف عن كثب علي التنافر الحاصل بين المواقف الشخصية و الجماعية ازاء الشأن العام و ما ينتاب تلك المواقف من متغيرات آنية، قد لا نجد لها مبررات خارج السياق العام، الذي يطبع مختلف التصرفات العقلانية و الموضوعية، التي تعتبر السمة السائدة في سلوك الأفراد و الجماعات داخل الحيز الترابي الوطني، الشيء الذي قد يدفع قادة الرأي و النخب السياسية الي الارتماء في منزلقات دون تحديد العواقب المسبقة و النتائج المحتملة لتلك التصرفات.
فالمشهد السياسي الوطني يطبعه الكثير من الإختلالات البنيوية التي قلما أنبري بها بعض الزعامات و النخب السياسية في منظومتنا ،اتجاه القيادة الوطنية للبلد في ظرفية تتطلب تماسك الصفوف و تقوية الجبهة الداخلية ضد كافة الاحتمالات المرتقبة من مواقف المعارضة من محاولات تهدف من بين أمور أخري إلي الدفع بالبلاد إلي مربع الانطلاقة للعملية السياسية، دون مراعاة للعواقب المحتملة لتلك التصرفات ولا انعكاساتها. الشيء الذي يدفعنا إلي التأمل في طبيعة المرحلة ، التي تمليها مجموعة من المتغيرات الإقليمية و الدولية و تتربص بها مخاطر عدة ، في مقدمتها الإرهاب و التطرف و الهجرة السرية و الجريمة المنظمة ، بالإضافة إلي البعد الإقتصادي المحدق بالثروات الطبيعية ، إنطلاقا من المؤشرات الإيجابية ، لتحقيق تنمية مستديمة .
إن حكمة التاريخ تؤكد أن القادة الذين يصنعون أحداث التاريخ لشعوبهم و يسطرون مسلكيات و عقليات تتماشي و روح العصر ، تضمن مستقبل الأجيال مع إنسجام كافة المكونات في نسق بنيوي متكامل الأدوار و الوظائف . فالشعب الموريتاني اليوم يتطلع لما بعد الإنتخابات الرئاسية للعهد الجديد ، بالأمل المنتظر منذ عقود كرست التهميش و الإقصاء إلي التجديد المنتظر في برنامج تعهداتي ، بصبر شعب تعافي من جرح أليم ، إستنهض الهمم و أدرك الحقيقة فهل يتحقق الوعد ؟