رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية
سيدي الرئيس: محمد ولد الشيخ الغزواني
(رب ضارة نافعة) ادفعو بمندوبية (تآزر) لدعم الاقتصاد الريفي
لقد انبرى كتابنا ومثقفونا لتبادل النكات حول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) فلماذا لا نجد منشورا واحدا يتحدث بالخط العريض عن الاقتصاد الريفي في زمن الكورونا.
نعم إنه الوقت المناسب لمثل هذا الحديث فقد هَجَرَ الموريتانيون المناطق الريفية مع بداية السبعينات بسبب عاملين رئيسيين هما موجات الجفاف المتتالية وعدم وجود سياسات حكومية موجهة للاقتصاد الريفي.
واليوم في ظل أزمة كورونا يمكننا الجزم بضرورة استغلال المقولة السائرة (رب ضارة نافعة) فلا شك أن المواطنين لديهم اليوم الرغبة الجامحة في الهجرة العكسية من المدن المعرضة لتفشي الوباء إلى الريف المعزول والنقي والبعيد عن مصادر التلوث والعدوى.
يمثل الريف بشكل عام الداعم الخلفي للاقتصاد، وخصوصا بالنسبة لموريتانيا التي ظلت تعتمد بشكل أساسي على الاقتصاد الريفي منذ ما قبل قيام الدولة الحديثة وحتى الآن.
وعليه فينبغي عليكم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وعلى حكومتكم الموقرة والتي أبدت حتى الآن الكثير من الجدية والتعاطي السريع والإيجابي مع القضايا الوطنية الملحة والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر رفع المظالم وتسخير الإدارة لخدمة المواطنين والمسارعة إلى الحد من تفشي وباء فيروس كورونا المستجد الذي أرعب العالم اجمع، أقول أن عليكم سيدي الرئيس اغتنام الفرصة بإقامة مشاريع تنموية واستثمارية ورعوية وزراعية عاجلة، في مختلف مناطق الريف الموريتاني المعطاء مع الأخذ بعين الاعتبار لكافة التدابير اللازمة لمنع انتقال فيروس كورونا المستجد إلى داخل البلاد.
غني عن القول أنه حسب الاحصاءات الرسمية فإن نسبة الاستثمار من الميزانية العامة للدولة الموجه للريف لاتتجاوز 5%.
في حين يساهم الجانب الرعوي في خلق ربع مليون فرصة عمل مستقرة ودائمة، وتتهدده الكثير من المخاطر من بينها على سبيل المثال لا الحصر تناقص كميات الأمطار في ظل الانحباس الحراري، وزيادة التصحر وضعف الغطاء النباتي وندرة النقاط المائية، وانعدام الكادر البيطري، وعدم توفر المواد الطبية، وتبعا لذلك غياب الإرشاد والتحسيس، وغير ذلك.. إلخ.
وبالنسبة للجانب الزراعي فإن مساهمته في الناتج المحلي لا تتجاوز نسبة 3% حسب الاحصاءات الرسمية بالرغم من أن بلدنا يمتلك أكثر من نصف مليون هكتار صالحة للزراعة، وموارد مائية طبيعية ابتداء بالنهر السنيغالي وليس انتهاء بالروافد والسدود والمياه الجوفية، بالإضافة إلى المهندسين والفنيين الذين تتجاوز نسبة البطالة بينهم 80% إلى غير ذلك من المحفزات والمقدرات الكثيرة الكفيلة بتوفير الأمن الغذائي والعملات الصعبة.
أما فيما يتعلق بزراعة الخضروات، والتعاونيات النسوية، والأعمال اليدوية، والأنشطة الريفية المختلفة، سواء الفردية منها أو الجماعية، فقد اختفت بشكل شبه رسمي مع نهاية الثمانينيات ولم تُجد نفعا محاولات إنعاشها من طرف (مفوضية حقوق الانسان ومكافحة الفقر والدمج) وكذلك من طرف (مشروع مكافحة الفقر في الوسط الريفي عن طريق دعم الشُّعَب) وغيرها من المشاريع التي ذهبت ملياراتها أدراج الرياح، ولم نجد لها أي أثر عل أرض الواقع.
يزخر الريف الموريتاني بمصادر متنوعة وهامة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الثروة الحيوانية، فهي تزيد على 22 مليون رأس حسب إحصائيات وزارة الاقتصاد والمالية.
وتتوفر بلادنا على إمكانيات زراعية كبيرة تقدر بأكثر من نصف مليون هكتار صالحة للزراعة، وموارد مائية هائلة، وكذلك الزراعة تحت الواحات، فموريتانيا تمتلك حوالي 2.4 مليون نخلة إضافة إلى أن النخلة الواحدة تنتج 100 كلغ من التمر سنويا في الظروف المواتية.
ينضاف إلى هذا تعاونيات الخضروات النشطة، وتربية الدواجن، بما فيها تربية الدجاج العصرية الوليدة والواعدة، ومزارع نموذجية صغيرة لأشجار الفاكهة بمبادرات فردية.
ومن المفارقات العجيبة أن موريتانيا الغنية بتنوعها العرقي والثقافي وحضارتها الضاربة في أعماق التاريخ، وكذلك بموارد ريفها الاقتصادية المتنوعة، وكونها تقع على شاطئ بطول 750 كلم غني بالأسماك، وتمتلك ثروات معدنية هامة، ينضاف إلى كل ذلك عشرات المليارات من الدولارات التي حصلت عليها الدولة منذ الإستقلال كإعانات وديون (تم إعفاؤها) كل هذا لم يغير من واقعها الاقتصادي والاجتماعي فالغالبية من السكان تحت خط الفقر ولا يزال الاقتصاد الموريتاني يعاني من عدم التنوع، وضعف التنافسية، وانعدام الصناعة، وضعف مساهمة الاقتصاد الريفي.
في موريتانيا تصل نسبة الفقر – وفق الإحصاءات الرسمية - إلى 46% منها نسبة 75% من الفقراء من سكان الأرياف.
ونسبة البطالة هي الأولى عربيا (32%) حسب الجهات الرسمية.
وحسب توصيف (الاستراتيجية الوطنية للترقية النسوية 2005- 2008): ((فإن النساء في الوسط الريفي يشكلن فئة أشد ضعفا من النساء في الوسط الحضري، لأنهن أقل حظوة في مجال النفاذ إلى المدرسة، وإلى خدمات الصحة، كما يعرفن تأخرا معتبرا في مجال السيطرة على عوامل وموارد الانتاج، وانتاجيتهن ضعيفة بسبب عدة عوامل منها الأمية وغيرها)).
كما يتخذ الفقر في الوسط الريفي أشكالا متنوعة تتضمن انعدام الدخل، والموارد المنتجة الكافية لضمان مستوى معيشي لائق، وسوء التغذية وضعف التغطية الصحية، والوصول المحدود أو المعدوم إلى التعليم وغيره من الخدمات الأساسية، وازدياد انتشار الأمراض والوفيات وانعدام المؤن والسكن غير المناسب، والعيش في بئة غير آمنة.. إلخ.
إن أزمة وباء كورونا المستجد تذكرنا ببعض الأزمات السابقة كحرائق روسيا على سبيل المثال فقد وقعت الدول التي تستورد القمح من روسيا في ورطة بسبب اعتمادها بشكل مطلق في غذائها على الاستيراد.
كما أن لدينا مشروع اللامركزية الذي هو حتى الآن حبر على ورق فلماذا لانوجه حصة كل ولاية من الميزانية بشكل مباشر مع الأخذ بعين الإعتبار أن تتولى الكفاءات المحلية تسيير تلك الميزانيات، فأهل مكة أدرى بشعابها.
وكذلك ضرورة منح عروض مناقصات المشاريع المحلية في كل ولاية لرجال أعمالها وهيئاتها المحلية.
سيدي الرئيس: إن على بلدنا أن ينتهز هذه الفرصة لتنمية الريف الموريتاني، واستباق حدوث بعض الأزمات لا قدر الله، من قبيل نقص الحبوب والخضروات ومواد التموين بسبب إغلاق الحدود بين الدول، وانهيار البنية الاقتصادية للدول التي نعتمد عليها في استيراد الكثير من المنتوجات المختلفة وذلك بالعمل على دعم المنتوج المحلي.
وكذلك إعادة توطين السكان في مناطقهم الأصلية بخلق أنشطة مدرة للدخل ودعم التعاونيات الزراعية والرعوية، وكذا التحسين من أداء قطاعي الصحة والتعليم.
خاصة أنه من المعروف ارتباط السكان بالقرى والأرياف، وإقامتهم في المدن إنما هي رغبة منهم في تحسين ظروفهم المعيشية ومواصلة المشوار التعليمي.
لحسن الحظ فإن أزمة فيروس كورونا المستجد حدثت في ظل تسلم سيادتكم لمقاليد الحكم، وقد عقدتم العزم فور توليكم السلطة على فرض إرادة سياسية حازمة للإصلاح على مختلف الأصعدة وفق برنامجكم الانتخابي (تعهداتي) الذي نحن جزء منه وصوتنا عليه وحريصون على تنفيذه.
سيدي الرئيس: محمد ولد الشيخ الغزواني نشد على أيديكم بالإسراع في تنفيذ برنامج المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الاقصاء (تآزر)، وخاصة في سبيل النهوض بالاقتصاد الريفي، وهناك جملة من الاعتبارات والمقترحات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- دعم التعليم والصحة العمومية من خلال نظام اللامركزية.
- إنشاء خلية متخصصة في البيانات الإحصائية المتعلقة بالفقر.
- دعم الشباب عن طريق خلق الأنشطة المدرة للدخل على المستوى المحلي والجهوي.
- مساعدة المرأة الريفية بما يتناسب مع كونها تمثل النسبة الأكبر من حيث العدد من سكان الريف والتمييز الإيجابي لصالحها، باعتبارها الحلقة الأضعف بسبب تضررها من نقص التعليم، وتعرضها للغبن عكس الحال بالنسبة للمرأة في المدينة.
- توفير نقاط المياه ومستلزمات، استخراجها من مضخات ومولدات كهرباء وألواح شمسية واستغلال الطاقة الهوائية.
- دعم مكونة الطب البيطري بتوفير الأدوية واللقاحات وحظائر التلقيح والمرشدين البيطريين.
- إنشاء نقاط لبيع الأعلاف ودعمها على مدار ثمانية أشهر من السنة.
- توفير قروض لدعم المنمين.
- شراء منتوج المنمين من الألبان عن طريق إنشاء نقاط تجميع للحفظ والتخزين.
- توفير المدخلات الزراعية بالمجان.
- دعم زراعة الفصة (البرسيم).
- دعم التعاونيات الزراعية عن طريق التسويق.
- توفير الغاز المنزلي بأسعار مناسبة وذلك للحد من قطع الغابات وأضراره على البيئة.
- إنشاء أكشاك لبيع الأسماك كمصدر صحي للبروتين والتخفيف من الاعتماد على اللحوم الحمراء بأسعار مناسبة لسكان الريف.
- دعم التعاونيات النسوية عن طريق الأنشطة المدرة للدخل.
- دعم المنتوج النسوي للمرأة الريفية من أجل الحصول على المستلزمات والمواد الأولية.
إعداد فيديوهات رقمية لتكوين المرأة الريفية على مختلف المهن من صباغة وخياطة وحياكة.. إلخ.
- إعداد برامج تكوين رقمية للمرأة الريفية في مجال الصناعات الغذائية المحلية.
- خلق مزارع تربية الدجاج الحديثة.
- دعم زراعة أشجار الفواكه الوليدة.
سيدي الرئيس: إن هذ التدخلات في الوسط الريفي ستسهم لا محالة في الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، وفي الوقت نفسه ستساهم في الحد من تأثيراته المحتملة على الصعيد المحلي.
وبالتالي مواجهة هذ الوباء وتعزيز الاقتصاد الريفي وتنميته مما يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتأمين الغذاء ومكافحة الفقر والإقصاء والتهميش في الوسط الريفي.
والله ولي التوفيق
محمد الامام ولد سيد محمد ولد محمد عبدالله
اقتصادي- باحث في مجال سياسات مكافحة الفقر