سيدي الرئيس،
آسف في البداية على الكتابة لكم بهذا الأسلوب غير المعهود لمخاطبة الرؤساء، لكن لا أملك من الوقت ما يكفي لسحب رأسية والكتابة عليها باللغة الرسمية التي تليق بكم، وإيداعها بريد الرئاسة فالأمر مستعجل جداً.
سيدي الرئيس،
استمعتُ باهتمام بالغ لخطابكم الذي وجهتموه لشعبكم هذا المساء، وقد كان خطابا مقبولا، حمل الكثير من الوعود الهامة، لكن أسفتُ كثيراً عندما تجاهلتهم العشرات من مواطنيكم العالقين على الحدود في مشهد يذكر بوضعيات اللاجئين، ورغم تفهمنا لهذه الإجراءات التي شرعت حكومتكم في تطبيقها طيلة الأيام الماضية، والتي تهدف إلى وقاية بلادنا من هذا الفيروس المستجد، إلا أنه لا يمكننا أبدا تفهم ترك مواطنين بلا وجهة، ولا بدائل في ظروف مزرية كالتي يعيش طلبة ومرضى دكار الليلة والبارحة و الأيام التي قبلها في المعبر الجنوبي، وفي الجهة الأخرى شمالا تصل التراجيديا مداها، عندما تتعالى صيحات امرأة في الخمسينات لا تزال آثار عملية جراحية بادية عليها، عندما لم تجد من يغير لها الضمادة، فهؤلاء مواطنون من واجبكم حمايتهم وتأمينهم والسهر على صحتهم، فمنذ أيام يعيشون كارثة لا يمكن وصفها أكثر مما فعلت الطالبة غايتي منت أحمد الشيخ من المعبر الجنوبي في تسجيلها الذي عبر تلك الحدود واستقر بيننا دون أن نستطيع فعل شيء، كأبناء لهذا الوطن الذي هرعت إليه كما غيرها عندما تفشى الوباء في السنغال، فهل يلام من هرب لأمه خائفا؟
لقد أشعرنا هذا التسجيل بمرارة العجز، بالحزن، تعاطفا مع هؤلاء الذين رغم عدم معرفتنا بهم، نلتقي جميعا في ذلك الانتماء العميق لبلادنا العزيزة، وكم أتمنى منكم أن تستمعوا له، لتلمسوا حجم الأسى في هذا الصوت الخائف الذي هو أقوى تعبير عن هذه الحالة المؤلمة، وهذا الدمع المنسكب، فعندما تتحدث بصوت تتخلله حشرجة عن شباب يفترشون حصيرا على مقربة من مكب لأنه المكان الوحيد المتاح، وآخرون محظوظون وجدوا سيارات تزاحموا داخلها، أما النساء فدعني لا أستطرد فحسب، فعندما تستمع هذا، وتفكر فيه، تنتابك قشعريرة ومشاعر مختلطة، تتراوح بين الحزن و الغضب.
طلبة أخرون من عين المكان تحدثوا عن ما هو أسوء كحالة الأمير، هل علمت باعتداء الأمن السنغالي على الطلبة؟ وهل رأيت آثار هذا الاعتداء؟ لقد حدث ذلك في المعبر نفسه، وعندما تصرخ الطالبة إنهم خائفون؟ لقد تجاوز الحدث سرعة المعنى، ناهيكم عن المرضى، والعائلات التي تحمل أبنائها الصغار الذين لا يملكون وسيلة للتعبير، ما زالوا صغارا، لا ينطقون!
سيدي الرئيس،
أتفق مع وزير خارجيتنا المحترم عندما رأى أنه لم يكن من داع لقدوم هؤلاء عندما أشار في البيان الذي أصدرت وزارته أن الرحلات التي تم توفيرها كانت الأولوية فيها للأشخاص غير المقيمين، مع ذلك سمحوا بسفر المقيمين، وأتفق معه أيضا في عدم ضرورة توفير طائرات جديدة لإجلاء المواطنين في الأقطار الشقيقة والصديقة، لكن هؤلاء العالقين في الحدود حالة خاصة، لقد وصلوا بالفعل، ولن يستطيعوا العودة أبدا، فما الحل برأيكم؟ نتركهم في العراء فريسة لانعدام الأمن، للجوع، للخوف، أم ندعهم يدخلون ولو على دفعات واتخاذ الإجراءات اللازمة من حجر صحي، وهو شيء يمكن القيام به في ظني، لقد كان اتخاذ الفنادق للحجز الصحي خطأ من الأساس في تقديرنا، فقد كان يمكن توفير بدائل أخرى؛ يمكنها ترشيد الميزانية واستيعاب كمية أكثر من الأشخاص، خاصة مع هذه الهبة الوطنية الشجاعة التي عبر فيها مواطنون عن تبرعهم لوزارة الصحة بعمارات سكنية، ومنازل.
سيدي الرئيس،
لقد كان تجاهل مواطنيكم في خطابكم الليلة مخيبا للأمل، فقد كان باستطاعتكم التعريج عليهم ولو قليلا وطمأنتهم، أنكم عاكفون على وضع حد لمعاناتهم لن يتأخر، كانت مجرد كلمة، أو تلميح منكم كفيلا بخلق حالة من التفاؤل في صفوفهم، خاصة أن نفسياتهم اليوم في غاية الهشاشة، ولا يمكن أن يشعر بذلك إلا من وقف عليهم، فليت الجهات المعنية أعدوا لكم تقريرا موضوعيا عن حالتهم، بدل التصريح الذي خرج علينا به وزير داخليتنا و الذي لم يحترم فيه مشاعر هؤلاء، عندما صرح أن الحدود لن تفتح لأحد، فهو يخاطب بشرا في النهاية ومواطنين ينتظرون منه الكثير، خاصة أنه على رأس وزارة سيادية، فليته لم يقل ذلك، فهي لم تفتح بالفعل، وكان بإمكانه أن يعبر عن الأمر بطريقة أكثر لطفا، فهؤلاء أبناء هذا البلد.
وعندما يشعر مواطنوكم بتخلي الوطن عنهم كردة فعل طبيعية بعد تصريح وزير الداخلية وبيان وزارة الخارجية، فهذه مأساة أخرى؛ ومساس حقيقي بصورة الوطن، الذي يجب أن يظل كاملا مهما حدث.
ولا يزال من الوقت ما يكفي الآن للاستدراك، وتصحيح الخطأ، فعندما تفتحون عنهم الحدود غدا، ستكونون بذلك أشعرتم مواطنيكم أنكم تهتمون بهم حقا مثل ما عبرتم في خطابكم الليلة، فأنا يمكنني أن أصدق - ولست أكثر المؤمنين بنهجكم - مع أني لست واقفاً خلف الحدود أنظر بعيون مرهقة لوطن يبتعد، و لا أكاد أتنفس هواء بلدي الذي أراه دون أستطيع أن أدخله كحالتهم، ويمكن لآخرين أن يصدقوا، لكن كيف سنقنع هؤلاء العالقين أنكم تهتمون بهم وحريصون على أمنهم ومستقبلهم؟ شخصيا لا يمكنني المجازفة الآن ومحاولة إقناعهم!
أنتم أعلى سلطة في البلد اليوم، ولا يوجد أي مانع من أن تصدروا أوامركم بالسماح لهؤلاء العالقين بالدخول، فهؤلاء عزل بينهم أطفال، ولا أعتقد أنكم تستمعون برؤيتهم يتعذبون، ويمكنكم أكثر من أي أحد آخر وضع الأمور في نصابها، وتدارك الأمر، ونسألكم أن تفعلوا ذلك، فذلك هو الحل الوحيد المعقول، الحل الوحيد الممكن، فلا يوجد خيار آخر أبداً.
سيدي الرئيس،
يقال إن القيصر الروسي عندما قرأ "ذكريات من منزل الأموات" لدوستوفسكي الذي كان سجينا تأثر كثيرا وبكى، وألغى حكم الإعدام، ولا أعرف ماذا ستفعلون عندما تستمعون للنداء الأخير للطالبة وتتفرجون على الصور القادمة من معبر روصو، حيث ولدت فجأة هذه الأزمة الغريبة.
أعرف سيدي الرئيس أن القرارات لا تتخذ بالعاطفة، لكن الأزمة برمتها لا يمكن أن تكون غير سوء تفاهم، فلا وجود لبلد أبدا يمكنه التخلي عن أبنائه، فحتى في أكثر عصور التاريخ فاشية، فجدار برلين لم يكن بكل هذه الصرامة، فقد عبرت منه الملايين، فمن المسؤول اليوم عندما تتحول حدودنا لجدار عار؟ لا أعتقد انكم ستحملون المسؤولية لمواطنيكم!
سيدي الرئيس،
رجائي أن تحققوا هذا المطلب، فإنه يعني الكثير لمواطنيك، فلديهم أمهات تنتظرهم - وبينهم من فقد أمه دون شك - و آباء، فانظر في الأمر، نعول كثيرا على تفهمك وأخذك الأمر بجدية وحزم.
وإلى فرصة أخرى، أتمنى أن تكون بخير دائما.
تونس: 26 - 03 - 2020