لا شك أن وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19 ) يعتبر الحدث الأبرز في العالم منذ الحرب العالمية الثانية و ذلك لعدة اعتبارات، منها انتشار الفيروس في أغلب بلدان العالم و حجم الإصابات و الوفيات التي تسبب فيها و الإجراءات التي اتخذتها الدول المتضررة أو تلك التي تخشى تفشي هذه الجائحة، تعليق الدراسة و توقيف الرحلات الجوية و إغلاق الحدود و الحجر الصحي الجماعي و حظر التجمعات و اعتماد الناس على التواصل عن بعد، و توقيف منح تأشيرات الدخول و التطبيق الصارم لتوصيات الوقاية، إلخ.
و مع أن جهود العلماء و الباحثين تواصل ليلها بنهارها لإيجاد دواء للمصابين بكوفيد19 و كذا لقاح يمنع الأصحاء من الإصابة به، فإنه لحد الساعة و رغم الحديث عن ادوية استخدمت هنا و هناك لعلاج هذا الداء، إلا أن منظمة الصحة العالمية لم تعلن بعد عن دواء أو لقاح أجيز ليوقف فتك هذا الوباء.
و في بلدنا، موريتانيا، حيث ظهرت لحد الآن ثلاث إصابات مؤكدة بهذا المرض الخطير، اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات الهامة لاحتواء انتشار هذا الداء، تمثلت في تشكيل لجنة عليا بتعليمات من رئيس الجمهورية يرأسها الوزير الأول و تفرعت عنها لجان فنية متعددة تضم في صفوفها أغلب وزراء الحكومة و كبار المسؤولين لمواجهة هذه الآفة.
في هذا الإطار بدأت وزارة الصحة بالتوعية بخطورة المرض و الشروع في تكوين الكوادر الطبية و تهيئتها لمواجهة الخطر الداهم، مع تحديد أما كن خاصة للتكفل بالمصابين. كما تم ابتداء من تاريخ 16 مارس الحالي إيقاف الرحلات الجوية و وضع القادمين من البلدان الموبوءة في حجر صحي لتفادي انتشار المرض، و منذ أيام تم إغلاق الحدود البرية بالكامل مع الدول المجاورة باستثناء حركة الشاحنات التي تنقل التموينات الضرورية، مع فرض حظر التجول من الساعة السادسة مساء و حتى الساعة السادسة صباحا و دعوة السكان للبقاء في منازلهم و عدم التنقل في الأوقات المسموح بها إلا للضرورة القصوى.
بيد أن أهم الإجراءات لمواجهة هذا الوباء وردت في الخطاب القيم الذي وجهه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الشعب مساء الأربعاء 25 مارس، إذ دعا فيه المواطنين إلى التلاحم و التضامن في هذا الظرف الخاص، موضحا خطورة هذه الجائحة و داعيا إلى تضافر جهود الجميع لمواجهتها.
كما أعلن عن حزمة من الإجراءات من أهمها اتخاذ التدابير الضرورية لاستمرار تموين السوق بالمواد الأساسية، إنشاء صندوق خاص بالتضامن الاجتماعي و مكافحة فيروس كورونا ساهمت فيه الدولة بمبلغ 25 مليار أوقية قديمة و مفتوح لمساهمات الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين و شركائنا الدوليين، ستخصص بعض موارده لشراء المستلزمات الطبية الضرورية كما ستخصص خمسة مليارات منه إلى تقديم معونات مالية شهرية لثلاثين ألف أسرة من الطبقات الفقيرة أغلبها في نواكشوط، و بالأخص تلك التي يعيلها شيوخ أو نساء و ذلك لمدة ثلاثة أشهر، كما أعلن رئيس الجمهورية في نفس الخطاب عن تحمل الدولة للرسوم الجمركية على السلع الأساسية: القمح، الزيوت، الحليب المجفف، الخضروات، الفواكه و حتى نهاية السنة الحالية. كما أعلن الرئيس أيضا عن تحمل الدولة فواتير الكهرباء و الماء عن الأسر الفقيرة لمدة شهرين و كذا الضرائب البلدية عن صغار التجار و أصحاب المهن الحرفية، إضافة إلى تحمل الدولة أيضا كافة الضرائب و الإتاوات عن أرباب الأسر الذين يعملون في مجال الصيد التقليدي المترتبة على نشاطهم و ذلك طيلة الفترة المتبقية من السنة.
لقد ارتاح الموريتانيون لهذا الخطاب، الذي أكد مرة أخرى على أن رئيس الجمهورية يمتلك إحساسا وطنيا عميقا تجسد في قرارات شجاعة و سريعة طمأنت المواطنين و جعلتهم يدا واحدة مع جهود الرئيس و الحكومة لمواجهة هذا الوباء.
لقد نبهنا هذا الابتلاء إلى حقيقة ظلت غائبة عن الكثير منا و هي أن موريتانيا هي أغلى ما نمتلك و أنها هي من سيحتضننا عند ما تدلهم الخطوب و تضيق دول العالم ذرعا بالغرباء في أوقات العسرة، فعلينا أن نقلع عن اعتبار وطننا معبرا أو عنوانا أو موردا نجني غلته بحق أو بغير حق، أما المقام و العلاج و الاستجمام و الراحة و حتى تدريس الأبناء في مراحل التعليم الأولى ففي بلدان أخرى.
أما بخصوص الإجراءات الأخرى المنتظرة من الحكومة فأولها يتمثل في ضرورة تصور و تنفيذ إستراتيجية وطنية على المديين المتوسط و البعيد هدفها، في المجال الصحي، القدرة على مواجهة أي طارئ صحي بالجهود الذاتية و عدم التعويل على الآخر. كما يجب إنشاء مرافق صحية جديدة في كل الولايات و المقاطعات خاصة باستقبال الإصابات الناجمة عن الأوبئة الخطيرة الطارئة و التكفل بها. أما في مجال التعليم بمختلف مستوياته: الابتدائي، الثانوي، العالي فيتعين الشروع، من بين أمور أخرى عديدة، في تصور ثم تنفيذ خطة استعجالية هدفها، على المدى القريب جدا، الاستفادة من تقنيات الإعلام و الاتصال الحديثة لتعميم التعليم عن بعد في كافة المؤسسات التعليمية العمومية.
أما الإجراء الثاني فهو أن على الدولة في أي ظرف، و بالذات في الظرف الحالي، عدم التساهل مع أي موظف عمومي يختلس المال العام أو يتورط في أي شكل من اشكال الفساد الإداري و اعتبار ذلك بمثابة خيانة عظمى في حق الوطن.
ختاما، يبقى أن نعرف أنه في ظرفية كالتي نوجد فيها الآن يتطلب الأمر، إضافة إلى التنفيذ الحرفي للتعليمات و الإرشادات الصادرة من الجهات العمومية المختصة، المزيد من التضامن و التعاون و نكران الذات و أن ننسى كل ما يمت بصلة إلى الأنانية و الذاتية و أن الفائزين الحقيقيين في هذه المعركة و من ستذكرهم الأجيال مستقبلا هم من ينفعون الناس و يؤازرونهم في هذه المحنة القاسية.