استفسر الأستاذ الدكتور محمد الحسن ولد اعبيدي عن تعريف لعالم من علماء شنقيط ذكره العلامة محمد الطاهر بن عاشور في كتابه "أليس الصبح بقريب" ضمن لائحة من تولوا التدريس بجامع الزيتونة، وقد استوقفني اسم هذا العالم منذ سنوات، وسألت عنه بعض المؤرخين والمهتمين، وذكر لي شيخنا المتمكن محمد يحيى احريمو اسم عالم شنقيطي يدعى محمد بن حبيب الله جكني كان بتونس لكن المواصفات التي ذكرت المصادر والمراجع التونسية عن هذا الشنقيطي الزيتوني رأى الشيخ يحيى أنها لا تتفق مع ما لديه من أخبار ذلك العالم الجكني سيما ما يتعلق بتاريخ قدوم العالم الجكني إلى تونس.
تصفح المراجع التونسية يفيد أنه اهتم بهذا العالم الشنقيطي اثنان من المؤرخين التوانسة؛ الأول: كان اهتمامه رئيسيا، وهو العلامة محمد النيفر في كتابه "عنوان الأريب بما نشأ بالبلاد التونسية من عالم أديب"، وقد أفرده بالترجمة رقم 314 من كتابه، وهي ترجمة مختصرة مفيدة، قال فيها: " أبو عبدالله محمد الشنقيطي أصله من شنقيط وهو من أعيان علماء جامع الزيتونة، ومن الفوج الأول من مدرسيه الذين سماهم الأمير أحمد باشا رحمه الله سنة 1258ه، وكانت والدته لها درجة علمية، ولذا كان في دروسه العلمية كثيرا ما ينقل عن والدته فيقول: قالت والدتنا ناقلا عنها، وهو مع ذلك كان من فحول الشعراء وجلة الأدباء" عنوان الأديب ج 2/ ص 891.
وذكر نموذجين من شعره الأول: في رثاء الشيخ محمد بيرم الثاني (ت 1831م)، يقول في مطلعها:
عِينُ المحامد قد لبسن حدادا... وأرين كل مراود إبعادا
حزنا على بحر العلوم محمد.. من كان للنهج القويم عمادا
وهي قصيدة سلسة قريبة المأخذ تدل بالفعل على فحولة شعرية تناسب ذلك الزمن الشنقيطي، والنموذج الثاني: في مدح محمد بيرم الرابع يقول فيها:
أرى نفسي تعيرني بأني... رضيت لها بذل السائلينا
فقلت فما سألت سوى أمير.. على بيت مال للمسلمينا ...
وليست المديحية دون المرثية في السلاسة بل زادت عليها بحوار جميل واستدعاء تاريخي يدل على شاعرية طافحة.
أما المرجع الثاني فهو "مسامرات الظريف بحسن التعريف" لمحمد بن عثمان السنوسي (ت 1900م)، وقد ذكر محمد الشنقيطي هذا ضمن "أسنى عقد نفيس فيمن ولي بجامع الزيتونة خطة التدريس"، ويقصد بهم ثلاثين مدرسا نصفهم مالكي والبقية أحناف، عينهم المشير أحمد باشا باي للتدريس بالزيتونة، "وجعل للواحد ستين ريالا شهريا يخرج من بيت مال المسلمين".
للأسف لم يفرد السنوسي ترجمة للشنقيطي لأنه "أجمل ذكر من ولي هاته الخطة المباركة من ذلك العهد الذي هو السابع والعشرون من شهر رمضان المعظم سنة 1258ه"، (مسامرات الظريف 4/80) لكنه ذكر معطيات مهمة عن الحضور العلمي لهذا الشنقيطي ضمن المدرسين الذين "لم يزل (بهم) سوق العلم في غاية الرواج، سالكا أكمل منهاج" (مسامرات الظريف 4/80).
وقد أفاد السنوسي أيضا إفادة أخرى مهمة تفيد أن الشنقيطي مات في تونس وحدد تاريخ وفاته بأواخر رمضان عام 1265ه، وأنه خلفه في التدريس الشيخ الحاج عبد الله الدراجي، والدراجي هذا من مشايخ السنوسي، ومن مشايخ السنوسي الذين صرح أنهم درسوا على الشنقيطي متونا نحوية الشيخ الجليل والعلامة المصلح سالم بوحاجب (1244- والشيخ عثمان الشامخ (ت1306ه) والشيخ أحمد الورتتاني (1246-1302ه).
وحاصل ما في هذين المصدرين الهامين عن تاريخ الزيتونة ورجال العلم في تونس عموما أن هذا الشنقيطي كان "من أعيان جامع الزيتونة" زمن الإصلاح التعليمي، وبداية تأسيس التعليم النظامي فيها، وأفادا أن أمه كانت عالمة وهذه معلومة تاريخية مهمة تسهل معرفته كاملة، كما أن تأكيد تاريخ وفاته بالشهر والسنة أواخر رمضان 1265ه وأنه توفي بتونس وتعيين من خلفه في التدريس، يبعد كونه أيا من العلامتين الشهيرين الذين مرا بتونس أقصد العلامة الواداني الطالب أحمد ولد اطوير الجنة الذي توفي مع الشنقيطي الزيتوني في العام نفسه لكن من المعروف أن رحلته انتهت 1250ه، وتوفي بمدينة وادان، والثاني العلامة محمد يحيى لأن رحلته متأخرة عن هذا التاريخ بزمن حيث بدأت 1311ه.