قرأتُ يوم أمس فى برقية للوكالة الموريتانية للأنباء أن الرئيس الموريتاني وصل إلى باريس "للمشاركة في تدشين معرض مخزون الإسلام في أفريقيا من تمبكتو إلى زانجيبار، المنظم من طرف معهد العالم العربي"، وأن الرئيس "سيجري خلال وجوده في باريس محادثات عمل مع رئيس الجمهورية الفرنسية".
وقبل هذا الخبر بخمسة أيام، كنتُ قد قرأتُ برقية لنفس الوكالة تنسب إلى وزير الخارجية الفرنسية قوله إنه نقل إلى الرئيس الموريتاني "تحيات الرئيس هولاند ودعوته لفخامته لزيارة فرنسا خلال الأيام المقبلة".
البرقية الأولى حددت الغرض الأساس من زيارة الرئيس لباريس، وأضافت إليه غرضا فرعيا هو "إجراء محادثات عمل"، بينما تركت البرقية الثانية الباب مفتوحا أمام كل التأويلات، بما فيها احتمال أن يكون رئيسنا استدعي – دون ذكر الأسباب- من طرف رئيس دولة أخرى يطوي حقائبه لترك السلطة.
وبالمناسبة، فإن "معرض مخزون الإسلام في أفريقيا من تمبكتو إلى زانجيبار" تظاهرة مفتوحة أمام العموم، اعتبارا من يوم غد الخميس ولمدة ثلاثة أشهر ونصف شهر، مقابل تذاكر دخول أغلاها 12 يورو وأرخصها 6 يورو.
وسيتم في هذه التظاهرة عرض 300 قطعة تختزل ثلاثة عشر قرنا من التبادل الثقافي والروحي بين المغرب الكبير والشرق الأوسط، فى مجالات العمران والتراث اللامادي والفن المعاصر، للدلالة على الثراء الثقافي والفني للإسلام فى إفريقيا جنوب الصحراء.
وينظم هذا المعرض بدعم من حكومتيْ السنغال والكوت ديفوار، وبالتعاون مع هيئات أخرى أبرزها: وزارة السياحة المغربية، والمكتب الشريفي المغربي للفوسفاط، والبنك المغربي للتجارة الدولية، والخطوط الملكية المغربية.
لدى موريتانيا فن معماري إسلامي فريد فى ولاتة ومدن تاريخية أخرى كانت منطلقا لنشر الإسلام وثقافة التسامح فى إفريقيا، ولدى الرئيس الموريتاني وزير للثقافة ومستشاران أحدهما مخرج عالمي مشهور (عبد الرحمن سيساغو) والآخر كاتب وروائي متميز (امبارك ولد بيروك)، ومعهد للبحث العلمي وإدارة للمتاحف، وفنانون تشكيليون وأساتذة وباحثون متخصصون في الآثار والتاريخ الإسلامي والتواصل البشري الديني والروحي بين بلادنا والقارة الإفريقية.
كل هذا تركه الرئيس فى انواكشوط واصطحب معه وزيريْ الخارجية والصحة إلى "معرض مخزون الإسلام في أفريقيا من تمبكتو إلى زانجيبار"!!!.
أرجو أن يمتع الله الرئيس الموريتاني بموفور الصحة والعافية فى بدنه وعقله، لكن فهمي قاصر عن إدراك هذه التركيبة العجيبة.
صحيح أن الرئيس الفرنسي سيدشن المعرض غدا، بعد أن يكون قد قابل الرئيس الموريتاني عصر اليوم، لكن ما الذي يمنع وزير خارجية فرنسا من تصنيف الزيارة التي دعا رئيسُه رئيسَنا إلى القيام بها إلى باريس؟ علما بأنها تتزامن مع زيارات أخرى أفصح الأليزي عن تصنيفاتها (زيارة الرئيس الغيني يوم أمس كانت زيارة دولة مع عشاء شرف وبيان مشترك، وقبلها زيارة عمل وغداء مع الرئيس النيجري، وزيارة عمل وعشاء عمل مع الرئيس السنغالي، وزيارة عمل وغداء مع الرئيس الإيفواري...).
حتى توقيت "لقاء" رئيسنا مع الرئيس الفرنسي غير مناسب (الرابعة والنصف عصرا، وهذا – من باب اللباقة الدبلوماسية - ليس تعبيرا عن الإهتمام بالضيف، لأن محدثه يكون غالبا منهكا ومشتت التركيز بعد تسع ساعات من العمل).
إن زيارة رئيسنا إلى فرنسا ليست زيارة دولة (أعلى مراتب الزيارات بين قادة الدول)، وليست زيارة عمل (لأنه لا برنامج محددا لها ولا اتفاقيات للتوقيع، ولا استقبال فى المطار حتى من طرف عمدة باريس أو مدير معهد العالم العربي).
فهل هذه الرحلة الرئاسية مجرد زيارة خاصة تمت فيها إهانة "بطل قومي عربي وزعيم إفريقي وفاتح إسلامي مرغ أنف فرنسا فى الوحل"؟ أم أن البطل تم استدعاؤه فجاء هرولة، وبخل عليه المستدعون حتى بعشرة أمتار من السجاد الأحمر، وسيمنحونه صورة في آخر دقائق الدوام الرسمي فى الأليزي؟.
أما ما ذكر عن لقاءاته المحتملة مع أبرز مرشحي الرئاسة – إن تمت - فستكون في الوقت بديل الضائع، لأن الدول التي تحترم نفسها تستقرئ واقع ومآلات سياسة جيرانها وأصدقائها و حلفائها حتى لا تراهن على الجياد الخاسرة فى آخر لحظة.
إذا كان الرئيس الموريتاني يحتقر فرنسا، كما يقول أنصاره، فإنه منحها فرصة الإنتقام منه.